الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاقتصّ منهم النّبي أن مثّلوا
…
بعبده ومقلتيه سملوا
بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسارا، واستاقوا الذّود كما قال:(ونبذوا) أي: طرحوا وألقوا (إذ سمنوا) بشرب اللّبن (أمانها) أي: اللقاح، والمراد أهلها، فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهم سرية أمر عليها سعيد بن زيد.
وفي «صحيح مسلم» عن أنس: (أنّ السرية كانت قريبا من عشرين فارسا من الأنصار، وبعث معهم قائفا يقص آثارهم) .
وقال ابن سعد كما في «عيون الأثر» : (وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فبعث في آثارهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز «1» بن جابر الفهري، فأدركوهم وأحاطوا بهم، فأسروهم وربطوهم، وأردفوهم على الخيل، حتى قدموا بهم المدينة قال: كانت اللّقاح خمس عشرة غزارا، فردوها إلى المدينة، ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم منها لقحة، فسأل عنها، فقيل: نحروها) .
الاقتصاص من العرنيين:
(فاقتص منهم النّبيّ) صلى الله عليه وسلم بأن سمر «2» أعينهم، وقطع أيديهم، وأرجلهم، وتركوا في ناحية الحرّة.
(1) كرز هذا هو الذي أغار على سرح المدينة قبل أن يسلم، فهداه الله للإسلام، كما ذكر أوّل الكتاب، واستشهد يوم فتح مكة.
(2)
بتخفيف الميم، وروي بشدها، قال الحافظ المنذري:(الأوّل أشهر وأوجه) اهـ
حتى ماتوا على حالهم.
وفي لفظ عند البخاري: (وسمروا أعينهم- أي:
كحلوها بالمسامير المحمية- ثمّ نبذوا في الشمس حتى ماتوا) .
وإنّما فعل صلى الله عليه وسلم بهم ذلك (أن) أي:
لأنّهم (مثّلوا بعبده) صلى الله عليه وسلم، ولفظ الأصل:
(مولاه) ، لكن وقع بلفظ العبد عند ابن إسحاق، قال:
(أصابه في غزوة بني ثعلبة) .
وفي «المواهب» : (روى ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مولى يقال له:
يسار، فنظر إليه يحسن الصلاة، فأعتقه، وبعثه في لقاح له بالحرة، فكان بها، قال: فأظهر قوم الإسلام من عرينة، وجاؤوا وهم مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم، وغدوا على يسار فذبحوه، وجعلوا الشوك في عينيه وهو حيّ، فبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم في آثارهم خيلا من المسلمين، أميرهم كرز بن جابر الفهري، فلحقهم، فجاء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم) قال ابن كثير: حديث غريب جدا. وقال الزرقانيّ: (وقد رواه الطّبراني بإسناد صالح كما في «الفتح» فلو عزاه له.. لكان أولى.
(ومقلتيه) معمول لقوله: (سملوا) بفتح الميم من باب دخل؛ أي: سملوا، وفقؤوا مقلتيه، قال أنس: (إنّما سمل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينهم؛ لأنّهم سملوا أعين الراعي) رواه مسلم، فيكون ما فعل بهم قصاصا، كما قال الناظم:(فاقتص) لا مثلة؛ فإنّها ما كانت ابتداء بغير جزاء.
فإن قيل: قد تركهم يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا عطشا.. قلنا: عطّشهم؛ لأنّهم عطشوا أهل بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من لقاحهم، وقد دعا صلى الله عليه وسلم بالعطش على من عطّش آل بيته، كما رواه النسائي «1» .
وقد أشار إلى هذه السّرية الشيخ غالي بن المختار في «تبصرة المحتاج» بأبسط ممّا هنا، وسماها بسرية كرز بن جابر الفهريّ بقوله:
فنجل جابر المنيف ذو العلا
…
كرز بإثر نفر عدوا على
لقاح خير مرسل وقتلوا
…
غلامه ومقلتيه سملوا
وإذ بهم أتي النّبيّ قطعا
…
أيديهم ونعم ما قد صنعا
وقطع الأرجل ثم سملا
…
أعينهم وردّهم ممتثلا
(1) وقيل: عطّشهم؛ لكفرهم بنعمة سقي ألبان الإبل التي حصل لهم الشفاء بها من الجوع والوخم.