الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كم آية في حفره كالشّبع
…
من حفنة وسخلة للمجمع
ارتجاز المسلمين في حفر الخندق:
قال ابن إسحاق: (وعمل المسلمون فيه حتّى أحكموه، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين، يقال له: جعيل، سمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا، فقالوا فيما يقولون:
سماه من بعد جعيل عمرا
…
وكان للبائس يوما ظهرا
وكانوا إذا قالوا: عمرا، قال معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عمرا» وإذا قالوا: ظهرا، قال لهم:
«ظهرا» ) .
معجزات باهرة وأعلام للنبوّة ظاهرة:
واعلم: أنّه قد كانت في حفر الخندق آيات، فيها أعظم عبرة في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك على مرأى من المسلمين، أشار إلى بعضها بقوله:
(كم آية) من الآيات على تحقيق نبوّته صلى الله عليه وسلم، وعظيم عناية ربّه به ظهرت (في حفره) صلى الله عليه وسلم للخندق، وذلك (كالشّبع) لأهل الخندق (من حفنة) تمر، وهي ملء الكفّ، جاءت بها ابنة بشير بن سعد لأبيها وخالها عبد الله بن رواحة، ليتغدّيا به، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا بنية؛ ما هذا الذي معك؟» قالت: قلت: يا رسول الله؛ هذا تمر بعثتني به أمي إلى
أبي بشير بن سعد، وخالي عبد الله بن رواحة يتغديان به فقال:«هاتيه» قالت: فصببته في كفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ملأهما، ثمّ أمر بثوب فبسط له، دحا بالتمر عليه، فتبدّد فوق الثوب، ثمّ قال لإنسان عنده:«اصرخ في أهل الخندق: أن هلمّوا إلى الغداء» فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه وإنّه ليسقط من أطراف الثوب.
(و) كالشّبع لهم من (سخلة) : هي ولد الغنم من الضأن والمعز ساعة وضعه، ذكرا كان، أو أنثى السخلة (للمجمع) بفتح الميمين: موضع اجتماع القوم، وكانت السّخلة لجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه.
وكان من حديثها ما رواه الإمام البخاريّ بسنده إلى جابر قال: (لما حفر الخندق.. رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا، فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟
فإنّي رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها، فطحنت، ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها.
ثمّ ولّيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:
لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، فجئته، فساررته، فقلت: يا رسول الله؛ ذبحت بهيمة لنا،
وكم بشارة لخير مرسل
…
من الفتوح تحت ضرب المعول
وطحنت صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«يا أهل الخندق؛ إنّ جابرا قد صنع سؤرا، فحيّهلا بكم» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنزلنّ برمتكم، ولا تخبزنّ عجينكم حتى أجيء» .
فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك! فقلت: قد فعلت الذي قلت. فأخرجت لنا عجينا، فبسق فيه وبارك، ثمّ عمد إلى برمتنا، فبسق وبارك، ثمّ قال: ادعي خبّازة فلتخبز معك، واقدحي من برمتك، ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإنّ برمتنا لتغطّ كما هي، وإن عجيننا كما هو) .
ويرحم الله الإمام العارف، إذ يشير إلى هذه الآية مع آية تكثير الماء بقوله:
فتغذّى بالصاع ألف جياع
…
وتروّى بالصّاع ألف ظماء
(وكم بشارة) أي: كثير منها، فكم للتكثير كالسابقة (لخير مرسل) صلى الله عليه وسلم، وقوله:(من الفتوح) بيان للبشارة، والمراد: فتوح البلدان، كائنة تلك البشارة المخبر عنها (تحت ضرب المعول) بوزن منبر: وهي الحديدة ينقر بها الجبال.
وأشار بهذا إلى ما رواه الإمام أحمد والنّسائي من حديث البراء، قال: (لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق.. عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فجاء وأخذ المعول؛ يعني: من سلمان، فقال:
«باسم الله» ثمّ ضربه، فنشر ثلثها، وقال:«الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إنّي لأبصر قصورها الحمر الساعة» ثمّ ضرب الثّانية، فقطع ثلثا آخر، فقال:«الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إنّي لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن» ثمّ ضرب الثّالثة، وقال:«باسم الله» فقطع بقيّة الحجر، فقال:
«الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إنّي لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة «1» » .
قال ابن إسحاق: (وحدّثني من لا أتهم عن أبي هريرة:
أنّه كان يقول: حين فتحت هذه الأمصار في زمن عمر، وزمن عثمان وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلّا وقد أعطى الله محمّدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك) .
(1) قال في «شرح المواهب» : (هذا الحديث الحسن لا يعارض رواية ابن إسحاق بلفظ حديث عن سلمان، فذكره وفيه: «أمّا الأولى.. فإنّ الله فتح بها علي اليمن» ، «والثّانية: الشام والمغرب» ، «والثّالثة: المشرق وفارس» ؛ لأنّه منقطع فلا يعارض المسند المرفوع الحسن، ومن ثمّ لم يلتفت الحافظ لرواية ابن إسحاق، وإن تبعه عليها اليعمري وغيره، بل اقتصر على هذا الحديث وأيده بتعدد طرقه) اهـ