الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابن الرّبيع صهر هادي الأمّة
…
إذ في فداه زينب أرسلت
فائدة:
ذكر أبو عمر: (أنّ أبا عزيز هذا أسلم، وصحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وله منه سماع، وردّ على من قال: قتل يوم أحد كافرا، بأنّ ابن إسحاق عدّ من قتل من الكفار من بني عبد الدار أحد عشر رجلا، ليس فيهم أبو عزيز، وإنّما فيهم أبو يزيد بن عمير.
نأسر أبي العاصي بن الرّبيع ثمّ فكّه:
(و) أبو العاصي (ابن الرّبيع) بن عبد العزّى بن عبد شمس بن عبد مناف «1» ، وهو مبتدأ، وخبره:(سرّحه) الآتي (صهر) أي: زوج بنت (هادي الأمّة) صلى الله عليه
(1) أمه هالة بنت خويلد، واختلف في اسمه، فقيل: لقيط، وقيل: هشيم، لم يتفق أن أسلم إلّا بعد الهجرة، قال ابن إسحاق كما في «الإصابة» :(كان في رجال مكة المعدودين مالا، وأمانة وتجارة) . ثبت في «الصحيحين» من حديث المسور بن مخرمة: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطب، فذكر أبا العاصي بن الرّبيع، فأثنى عليه في مصاهرته خيرا، وقال:«حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» . قال في «روض النّهاة» : (ولدت له زينب عليا، دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم مكّة يوم الفتح وهو رديفه، وتوفي وقد ناهز الحلم، وأمامة بنت أبي العاص تزوجها علي وقتل عنها، ثمّ دخل عليها المغيرة بن نوفل بوصية علي رضي الله عنه، ولا يولد لها، وانقرض أبو العاصي إلا من بنته مريم، ولم يبق له من الولد إلّا هؤلاء الثلاثة؛ قال الحافظ عن إبراهيم بن المنذر مات أبو العاص في خلافة أبي بكر، في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة رضي الله عنه اهـ
بعقدها الّذي به أهدتها
…
له خديجة وزفّفتها
سرّحه بعقدها وعهدا
…
إليه أن يردّها له غدا
وسلم، وهي زينب، والصهر يطلق أيضا على زوج الأخت، كما في «القاموس» واشتقاقه من صهر الشيء بالشيء يصهره:
إذا ألصقه به، ومنه- كما في «روض النّهاة» - ما في حديث بناء النّبيّ صلى الله عليه وسلم مسجد قباء:(كان صلى الله عليه وسلم يأتي بالحجر قد صهره إلى بطنه، فيأتي الرجل يريد أن يقلبه فلا يستطيع) .
(إذ) ظرفية (في فداه) يتعلق بأرسلت، وقوله:
(زينب) مبتدأ، خبره:(أرسلت بعقدها) هي القلادة (الذي به) أي: بالعقد (أهدتها) أي: أهدت زينب (له) أي: لابن الرّبيع (خديجة) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى، وهو فاعل أهدتها (وزفّفتها) عطف تفسير.
(سرّحه) أي: أطلقه صلى الله عليه وسلم من الأسر (بعقدها) أي: مع عقدها ذلك، وبعث العقد لصاحبته (وعهدا إليه) أي: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد على أبي العاص بن الرّبيع إذا وصل هو مكة (أن يردها له) بالمدينة المنوّرة (غدا) .
وحاصل معنى ما أشار إليه في هذه الأبيات: أنّ أبا العاصي بن الرّبيع صهر هادي الخلق إلى الملة الحنيفية صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته زينب بإشارة خالته خديجة، وكانت تعدّه بمنزلة ولدها، وكان صلى الله عليه وسلم
فردّها وبعد ذاك تجرا
…
لنفسه وساكني أمّ القرى
لا يخالفها قبل أن ينزل عليه الوحي، فزوّجه، فلمّا أكرم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بنبوّته.. آمنت به خديجة وبناته، وثبت أبو العاصي على شركه.. حتّى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا سارت قريش إلى بدر.. سار معهم أبو العاصي، فأصيب في الأسرى، فكان في المدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولمّا بعث أهل مكة في فداء أسراهم.. بعثت زينب في فدائه بمال، وبعثت فيه بقلادة لها، كانت أمها خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها، قالت: فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رقّ لها رقّة شديدة، وقال:«إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا عليها عقدها.. فافعلوا» قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، وردّوا عليها الذي لها، وكان صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه العهد أن يخلي سبيل زينب، ويردّها إليه.
(فردّها) إليه، قال ابن إسحاق: (وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار، وقال:
«كونا ببطن يأجج؛ حتى تمر بكما زينب، فتصحباها حتى تأتياني بها» فخرجا إلى مكانهما، وذلك بعد بدر بشهر، فلمّا قدم أبو العاصي مكة.. أمرها باللحوق بأبيها، فخرج بها حموها أخو زوجها كنانة بن الرّبيع.. حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه، فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فانتهب الأصحاب عير القلّب
…
فجاء واستجار بابنة النّبي
فصرّحت ولم تجمجم البتول
…
بأن أجارته وأمضاه الرّسول
(وبعد ذاك) أي: المذكور من إطلاقه من الأسر، ورد زينب إليه صلى الله عليه وسلم (تجرا) : بفتح الجيم، من باب نصر؛ أي: خرج تاجرا إلى الشام، وذلك قبيل الفتح، كما قاله ابن إسحاق، وكان رجلا مأمونا، فخرج بمال له، وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه كما قال:(لنفسه وساكني أمّ القرى) أي: مكة، ولما رجع من تجارته وأقبل قافلا.. لقيته سريّة «1» لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فانتهب) أي: غنم (الأصحاب عير) الرجل (القلّب) : بفتح اللام المشدّدة بعد القاف المضمومة؛ أي:
المحتال البصير بتقليب الأمور، والمراد به أبو العاصي.
استجارته بزينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وإجارتها له:
(فجاء) أبو العاصي في الليل حتى دخل على زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم (واستجار) أي: طلب الجوار (بابنة النّبيّ) صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها، (فصرحت ولم تجمجم) أي: لم تتكلم بكلام خفيّ، بل
(1) هي سرية زيد بن حارثة إلى العيص، سببها: أنّه بلغه صلى الله عليه وسلم قفول عير قريش من الشام، فبعث زيدا في مئة وسبعين راكبا، معترضا لها، فأخذوها وما فيها وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية، وأسروا رجالا فيهم أبو العاصي، قال في «تبصرة المحتاج» :
ثمّ ابن حارثة العير التي
…
أخذ فيها صهر هادي الملة
فردّ ماله عليه أجمع
…
تلك الصّهارة بها يستشفع
صرحت- بالحاء المهملة- (البتول) المراد بها زينب رضي الله عنها؛ لأنّها منقطعة عن الدنيا إلى الله عز وجل، وقوله:(بأن أجارته) يتعلق بصرحت؛ أي: صرحت، ونادت في الناس حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح: أيّها الناس؛ إنّي قد أجرت أبا العاص بن الرّبيع (وأمضاه) أي:
ما أجارت فيه (الرسول) الأعظم صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: (لما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة.. أقبل على الناس فقال: «أيّها الناس؛ هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما والذي نفس محمّد بيده؛ ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم، إنّه يجير على المسلمين أدناهم» ) .
(فردّ) بالبناء للمفعول (ماله عليه) أي: رد النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أبي العاص ماله (أجمع تلك الصهارة) التي بينه وبين أبي العاصي بزينب (بها يستشفع) .
قال ابن إسحاق: (وحدّثني عبد الله بن أبي بكر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاصي فقال: «إنّ هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوا عليه المال الذي له..
فإنّا نحب ذلك، وإن أبيتم.. فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، فأنتم أحقّ به» قالوا: يا رسول الله؛ بل نرده عليه، حتّى إنّ الرجل ليأتي بالدلو، ويأتي الرجل بالشّنة والإداوة، حتّى إنّ