الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرجل، ثمّ جلس منها مجلس الرجل من امرأته فقالت:
ما صنعت؟ فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد إلّا ما قال لي عليّ، فضربت برجلها في صدره، وقالت: قبّحت من رسول قوم! فما جئت بخير.
قال في «شرح المواهب» : (فلمّا أصبح.. حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، ومسح بالدم رؤوسهما، وقال: لا أفارق عبادتكما حتى أموت؛ إبراء لقريش ممّا اتهموه به، فقالوا له: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمّد، أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا؟ فقال: والله؛ لقد أبى عليّ، ثمّ جئت أبا بكر، فلم أجد فيه خيرا، ثمّ جئت ابن الخطّاب فوجدته أدنى العدّو، - وفي لفظ: أعدى العدو- وكلّمت عليه أصحابه، فما قدرت على شيء منهم إلّا أنّهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قوما يوما أطوع لملك عليهم منهم له، إلّا أنّ عليا لمّا ضاقت بي الأمور.. قال: أنت سيد بني كنانة، فأجر بين الناس، فناديت بالجوار، قالوا: هل أجاز ذلك محمّد؟ قال: لا، قالوا: رضيت بغير رضا، وجئتنا بما لا يغني عنّا ولا عنك شيئا ولعمر الله؛ إن زاد عليّ على أن بجائز، وإنّ إخفارك عليهم لهين، والله؛ إن زاد عليّ على أن تلعب بك تلعبا، فقال: والله؛ ما وجدت غير ذلك، وتركتهم فيما بينهم يتشاورون) .
كتاب حاطب بن أبي بلتعة لقريش:
ولمّا أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى
وحاطب إبن أبي بلتعة
…
أرسل إذ زحوفه شرعت
مكة.. كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا أعطاه امرأة، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، كما أشار له الناظم بقوله:
(وحاطب)«1» بالتنوين لضرورة النظم (إبن) عمرو بن عمير اللخميّ (أبي بلتعة) بموحدة مفتوحة، ولام ساكنة، ففوقية، فعين مهملة مفتوحتين (أرسل إذ زحوفه) أي:
(1) يكنى بأبي محمّد، أو بأبي عبد الله، قال النووي: (قيل: كان لعبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد، فكاتبه، فأدّى كتابته، شهد بدرا، والحديبية، وشهد الله له بالإيمان في القرآن، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب الإسكندرية سنة ست من الهجرة، فقال له المقوقس: أخبرني عن صاحبك، أليس هو نبيا؟ قال: بلى، قال: فما له لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته؟ قال له حاطب: فعيسى ابن مريم رسول الله حين أراد قومه صلبه لم يدع عليهم حتى رفعه الله! قال له: أحسنت، أنت حكيم، جئت من عند حكيم، وبعث معه هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها مارية أم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وسيرين أم عبد الرّحمن بن حسان، وأخرى أعطاها لأبي جهم بن حذيفة، وأرسل مع حاطب من يوصله مأمنه. روى مسلم في «صحيحه» : أنّ عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله؛ ليدخلنّ حاطبا النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كذبت، لا يدخلها: فإنّه شهد بدرا» وكان حاطب حسن الجسم، خفيف اللحية، ذكره ابن سعد، توفي سنة ثلاثين بالمدينة، وصلّى عليه عثمان رضي الله عنه، وعمره خمس وستون سنة. اهـ
إلى قريش رقعة مع مره
…
فأودعتها قرنها تلك المره
فأخبر الهادي بها فأرسلا
…
من جاءه كرها بها وامتثلا
جيشه صلى الله عليه وسلم (شرعت) بتاء التأنيث المكسورة للرويّ، وقوله:(إلى) كبار (قريش) وهم: سهيل، وصفوان، وعكرمة، وقد أسلموا بعد، رضي الله عنهم، وهو يتعلق ب (أرسل) أي: أرسل حاطب إلى قريش بمكة إذ ذاك (رقعة) بالضم، واحدة الرّقاع: التي تكتب (مع) بفتح الميم والعين في مع (مرة) بتثليث الميم وفتح الراء المخففة:
لغة في امرأة، استأجرها بدينار أو عشرة دنانير، واسمها سارة بنت صيفيّ بن أبي صيفيّ بن هاشم، كانت مغنيّة أهل مكة، جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله، فقال صلى الله عليه وسلم:«أجئت مهاجرة؟» قالت: لا، قال:«فما جئت له؟» قالت: أنتم الأهل ولا مواسي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما كان في غنائك ما يغنيك؟» قالت:
إنّ قريشا منذ قتل منهم من قتل ببدر تركوا الغناء، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة وثيابا، ولمّا ناولها حاطب الرقعة.. قال لها: أخفيها ما استطعت، ولا تمرّي على الطريق؛ فإن عليه حرسا، فأخذت الرقعة (فأودعتها قرنها) بفتح القاف وسكون الراء: ذؤابتها (تلك المرة) .
وأطلع الله على ذلك نبيه عليه الصلاة والسلام، وجاءه الخبر من السماء، كما قال الناظم:
(فأخبر الهادي بها) أي: بالمرأة وخبرها لمّا جاء الوحي
بذلك (فأرسلا) بألف الإطلاق، كالألف في قوله بعد:
(وامتثلا)، (من جاءه كرها) أي: من المرأة، ويتعلق بقوله:(جاءه) قوله: (بها) والذي جاءه بها عليّ، والزّبير، والمقداد، كما أخرجه الشيخان من طريق عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا، والزّبير، والمقداد، فقال:«انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ «1» على بريد من المدينة؛ فإنّ بها ظعينة «2» معها كتاب، فخذوه منها» (وامتثلا) أمره صلى الله عليه وسلم.
قال عليّ- في تمام الحديث المذكور-: فذهبنا تعادى بنا خيلنا، حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا:
أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتاب، قلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقينّ الثياب، فأخرجته من عقاصها «3» ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكّة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«ما هذا يا حاطب؟» قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله: إنّي كنت امرأ ملصقا في قريش، ولم أكن من
(1) بخائين معجمتين، على الصواب الذي ذكره النووي عن كافة العلماء.
(2)
بفتح الظاء المعجمة، وكسر العين المهملة، هي: المرأة في الهودج.
(3)
الشعر المضفور، أو الخيط الذي تعقص به أطراف الذوائب.
أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«أما إنّه قد صدقكم» فقال عمر: دعني «1» يا رسول الله فلأضرب عنق هذا المنافق، فقال:«إنّه شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله عز وجل اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم؟!»
قال عمرو- يعني ابن دينار، أحد رواة الحديث-:
ونزلت فيه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.
قال السّهيلي في «الروض» : (زاد البخاريّ في بعض روايات الحديث فقال: «فاغرورقت عينا عمر رضي الله عنه،
(1) إنّما قال ذلك عمر، مع تصديقه صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان عنده من القوة في الدين، والبغض لمن ينسب لنفاق، وظن أنّ من خالف أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم استحقّ القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله، وأطلق عليه اسم منافق؛ لكونه أبطن خلاف ما أظهر، ولم يرد عمر أنّه أظهر الإسلام، وأبطن الكفر. وعذر حاطب: هو ما ذكره من خوفه على أهله بمكة، بأنّه فعل ذلك متأوّلا أن لا ضرر فيه. اهـ من «الفتح» بزيادة توضيح.