الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو الأصل.
تحرّي الرسول صلى الله عليه وسلم عن نقض كعب للعهد:
ولمّا انتهى هذا الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين.. بعث جماعة من أصحابه فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم، فإن كان حقا.. فألحنوا لي لحنا «1» حتى أعرفه، ولا تفتّوا «2» في أعضاد الناس،
(1) اللحن: العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلّا صاحبه، كما أنّ اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب الذي هو معروف، وقال الجاحظ في قول مالك بن أسماء:
منطق صائب وتلحن أحيانا
…
وخير الحديث ما كان لحنا
أراد اللحن الذي هو الخطأ، قد يستملح ويستطاب من الجارية الحديثة السن، وخطئ الجاحظ في هذا التأويل، وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف لامرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت فأنكر عليها اللحن، فاحتجّت بقول أخيها مالك بن أسماء:(وخير الحديث ما كان لحنا) فقال لها الحجاج: لم يرد أخوك هذا، إنّما أراد الذي هو التورية والإلغاز، فسكتت، فلمّا حدث الجاحظ بهذا الحديث قال: لو كان بلغني هذا قبل أن أؤلف كتاب البيان.. ما قلت في ذلك ما قلت، فقيل: أفلا تغيره، فقال: وكيف وقد سارت به البغال الشهب، وأنجد في البلاد وغار، اهـ حكاه السهيلي. قال في «العيون» :(وتأويل الجاحظ أولى؛ لما فيه من مقابلة الصواب بالخطأ، ولعل الشاعر لو أراد المعنى الآخر.. لقال: «منطق ظاهر» ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية واللغز من الخفاء. فكما قال الجاحظ في تأويل: «وتلحن أحيانا» ) اهـ قلت: وما قاله في «العيون» ظاهر.
(2)
بضم الفاء وشد الفوقية، قال في «الروض» :(أي: تكسروا من قوتهم وتوهنوهم، ضرب العضد مثلا، وقال: في أعضاد، ولم يقل: في أعضاء؛ لأنّه كناية عن الرعب الداخل في القلب، ولم يرد كسرا حقيقيا، ولا العضو الذي هو العضو، إنّما هو عبارة عمّا يدخل في القلب من الوهن، وهو من أفصح الكلام) اهـ
وأرسل السّعدين خير مرسل
…
وابن رواحة لهم لينجلي
ما هم عليه، فإذا هم عضل
…
وسرّ خير الخلق ذاك الخذل
وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا بذلك للناس، وإلى هذا الإشارة بقوله:
(وأرسل السّعدين) سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ.
وفاعل أرسل (خير مرسل) صلى الله عليه وسلم (و) أرسل عبد الله (ابن رواحة) معهم، وكذا خوّات بن جبير، ويتعلق بأرسل الجار والمجرور في قوله:(لهم) أي: لبني قريظة، فقال صلى الله عليه وسلم لهم ما ذكر، وإنّما أرسل لهم (لينجلي) أي: ليتضح (ما) أي: الأمر، والموقف الذي (هم) أي: بنو قريظة (عليه) من العهد، أو نقضه.
فخرجوا حتى أتوا بني قريظة، فوجدوهم على أخبث ما بلغه عنهم، نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: من رسول الله؟! لا عهد بيننا وبين محمّد، ولا عقد، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، فقال له سعد بن عبادة:(دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة) .
ثمّ أقبل السّعدان ومن معهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه، ثمّ قالوا: عضل والقارة؛ أي: هم غدروا كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع.
وإلى هذا الإشارة بقوله:
(فإذا هم عضل) بفتح المهملة ثمّ المعجمة: هي قبيلة