الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجمعوا له بقايا الزّاد
…
فخوّلوا منها سوى المعتاد
وأشار بهذا البيت إلى ما في الصحيح من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله عنه قال: (عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضّأ منها، فأقبل الناس نحوه، وقالوا ليس عندنا إلّا ما في ركوتك، فوضع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يده في الرّكوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضّأنا، فقلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف..
لكفانا، كنا خمس عشرة مئة) .
قلت: وهذه المعجزة كما لا يخفى أعظم من معجزة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام إذ نبع له الماء من الحجر؛ لأنّه معتاد، قال تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ الآية، وأمّا خروجه من لحم ودم.. فلم يعهد قال الشاعر:
إن كان موسى سقى الأسباط من حجر
…
فإن في الكفّ معنى ليس في الحجر
معجزة أخرى بتكثير الطعام القليل:
(وجمعوا) أي: الصحب الكرام وسادة الأنام (له) أي: لرسول الملك العلام (بقايا الزاد فخوّلوا) بصيغة الماضي المجهول؛ أي: أعطوا (منها) أي: من هذه الآية (سوى المعتاد) ، وذلك أنّه لما رجع عليه الصلاة والسلام من الحديبية، قال بعض الصحابة: يا رسول الله؛ قد أجهدنا وفي
الناس ظهر، فانحره لنأكل من لحومه، وندّهن من شحومه، ونحتذي من جلوده، فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله؛ فإنّ الناس لم يكن فيهم ظهر أمثل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ابسطوا نطاعكم وأعباءكم» ففعلوا، ثمّ قال:«من كان عنده بقية من زاد أو طعام.. فلينشره» ودعا لهم، فقال:
«قربوا أوعيتكم» فأخذ ما شاء الله، ثمّ قال:«فهل من وضوء؟» فجاء رجل بإداوة فيها نطفة من ماء، فأفرغها في قدح، فتوضّؤوا كلهم.
هكذا ذكر هذه القصة في «روض النّهاة» ووقع مثلها في غزوة تبوك.
وذكر ابن كثير في «تاريخه» في موضع تكثير الطعام في السفر عن الحافظ أبي بكر البزّار بسنده إلى خنيس الغفاريّ:
أنّه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تهامة، حتى إذا كنا بعسفان.. جاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله؛ جهدنا الجوع، فأذن لنا في الظّهر أن نأكله، قال:«نعم» فأخبر بذلك عمر بن الخطاب، فجاء رسول الله، فقال:
يا نبي الله: ما صنعت؟ أمرت الناس أن ينحروا الظهر، فعلام يركبون؟ قال:«فما ترى يا بن الخطاب؟» قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم، فتجمعه في ثوب، ثمّ تدعو لهم، فأمرهم، فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب، ثمّ دعا لهم، ثمّ قال:«ائتوا بأوعيتكم» فملأ كل إنسان وعاءه، ثم أذّن بالرحيل، فلما جاوز.. مطروا، فنزل ونزلوا معه،