الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنّه صلى الله عليه وسلم بعث جماعة من أصحابه عيونا يتجسسون أخبار قريش، وجعل عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أميرا، فخرجوا- رضي الله عنهم يسيرون الليل، ويكمنون النهار، حتى إذا كانوا بالرجيع.. لقيهم سفيان بن خالد الهذلي وقومه- وهم بنو لحيان- في مئة رام، فلمّا أحسّوا بهم.. لجؤوا إلى جبل هناك، فأحاطوا بهم وقالوا لهم: انزلوا ولكم العهد ألّا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم رضي الله عنه: أمّا أنا.. فلا أنزل في ذمة كافر، اللهمّ أخبر عنّا رسولك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما.
ونزل إليهم على العهد: خبيب وزيد بن الدّثنة وعبد الله بن طارق، فأطلقوا أوتار قسيّهم، فربطوا بها خبيبا وزيدا، وامتنع عبد الله، وقال: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم؛ إنّ لي بهؤلاء أسوة- يريد القتلى- فقتلوه.
أمّا خبيب وزيد: فدخلوا بهما مكّة وباعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة، فحبسوهما، حتى إذا انقضت الأشهر الحرم.. خرجوا بهما إلى الحل للقتل.
استشهاد خبيب بن عدي:
فأمّا خبيب رضي الله عنه: فإنّه لما وصلوا به إلى التنعيم المشهور اليوم بمسجد عائشة ليصلبوه.. قال لهم: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين- كما في الصحيح- ثم انصرف إليهم فقال: لولا أن تروا أنّ ما بي جزع من الموت..
لزدت، ودعا وقال لما رفعوه على الخشبة وأوثقوه: اللهمّ؛ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. ثمّ قتلوه رضي الله عنه.
قال العلّامة الزرقاني في «شرح المواهب» : (وفي مرسل بريدة بن سفيان: فلمّا رفع خبيب على الخشبة..
استقبل الدعاء، فلم يحل الحول ومنهم أحد حي غير رجل لبد بالأرض خوفا من دعائه. وروي أنّه قال حين بلغه أنّ القوم اجتمعوا لصلبه:
لقد جمّع الأحزاب حولي وألّبوا
…
قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وكلّهم مبدي العداوة جاهد
…
عليّ لأنّي في وثاق بمضيع
وقد جمّعوا أبناءهم ونساءهم
…
وقربت من جذع طويل ممنّع
إلى الله أشكو غربتي ثمّ كربتي
…
وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش صبّرني على ما يراد بي
…
فقد بضّعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد خيّروني الكفر والموت دونه
…
وقد هملت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت إنّي لميّت
…
ولكن حذاري جحم نار ملفع
ووالله ما أخشى إذا متّ مسلما
…
على أيّ جنب كان في الله مصرعي
ولست بمبد للعدوّ تخشعا
…
ولا جزعا إنّي إلى الله مرجعي
ثمّ قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحرث فقتله.
وعن عروة: أنّه لما وضع فيه السلاح.. نادوه وناشدوه:
أتحب أنّ محمّدا مكانك؟ قال: لا والله؛ ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه، ويقال: إنّ ذلك لزيد بن الدثنة، وأنّ أبا سفيان قال له ذلك، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمّد محمّدا.
أقول: ولا منافاة فمن الممكن أن يقع ذلك لكل من الصحابيين وغايتهم واحدة وهو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن أميّة الضمري قال:
(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدي عينا إلى قريش، فجئت خشبة خبيب بن عدي لأنزله منها، فصعدت على خشبته ليلا، فقطعت عنه وألقيته، فسمعت وجبة خلفي، فالتفت فلم أر خبيبا، وكأنّما ابتلعته الأرض، فلم أر له أثرا حتى الساعة) .