الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند ما انتهى الحصار استشهدا
…
واهتزّ عرش الله حين بردا
قريظة- قال: ذهبوا قتلوا، قال: فإنّي أسألك يا ثابت بيدي عندك إلّا ألحقتني بالقوم، فو الله؛ ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله قبلة «1» دلو ناضح حتى ألقى الأحبة، فقدمه ثابت فضرب عنقه، فلمّا بلغ أبا بكر الصديق قوله:
ألقى الأحبة.. قال: يلقاهم في نار جهنم خالدا مخلدا) .
استشهاد سعد واهتزاز عرش الرّحمن لموته:
(وعند ما انتهى الحصار) أي: عند انتهاء الحصار على بني قريظة وإتمام أمرهم بما قرّت به عين سعد بن معاذ؛ من إجابة الله تعالى له؛ فإنّه قال لمّا أصيب في أكحله من حبان بن العرقة بغزوة الخندق: (اللهمّ؛ إن كنت أبقيت الحرب بيننا وبينهم.. فاجعلها شهادة، ولا تمتني حتى تقرّ عيني في بني قريظة) وكان جرحه يسيل دما، فلم تقطر منه قطرة حتى تمّ أمر بني قريظة.. فمرّت عنز وهو مضطجع، فأصابت الجرح بظلفها، فانبعث الدم وما رقأ حتى مات و (استشهدا، واهتزّ) له (عرش الله حين بردا) أي: مات رضي الله عنه، وأتى جبريل عليه السلام متعمّما بعمامة من إستبرق، قال:
يا محمد؛ من هذا العبد الصالح الذي فتحت له أبواب السماء، واهتزّ له العرش؟ فقام صلى الله عليه وسلم سريعا
(1) بالقاف والباء الموحدة؛ أي: مقدار ما يتناول المستسقي للدلو، وفي رواية (فتلة) بالفاء والتاء المثنّاة فوق.
وخفّ نعشه على عظمته
…
إذ الملائكة من حملته
يجرّ ثوبه إلى سعد فوجده قد مات. رضي الله عنه وأرضاه.
(و) لمّا حملوه على نعشه- وهو السرير الذي يجعل عليه الميت- (خفّ نعشه على عظمته) أي: من عظمة سعد؛ لأنّه كان مع عظمته المعنوية عظيم الجسم (إذ الملائكة من) جملة (حملته) بفتحات، جمع حامل، وأخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بأن له حملة غيركم» .
وقال عليه الصلاة والسلام: «لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا، ما وطئوا الأرض إلّا يومهم هذا» .
وبعث صاحب دومة الجندل ببغلة وجبة من سندس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل أصحابه يعجبون من حسن الجبّة، فقال صلى الله عليه وسلم:«لمناديل سعد في الجنة أحسن من هذه» اهـ
قال الحافظ ابن عبد البر في «الإستيعاب» : (وحديث اهتزاز العرش ثابت من وجوه كثيرة متواترة، رواه جماعة من الصحابة) .
قال رجل من الأنصار:
وما اهتزّ عرش الله من أجل هالك
…
سمعنا به إلّا لموت أبي عمرو
وذكر ابن عبد البر بسنده إلى ابن عباس: (قال سعد:
ثلاث أنا فيهنّ رجل- يعني: كما ينبغي، وما سوى ذلك فأنا رجل من الناس-: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم حديثا قطّ إلّا علمت أنّه حقّ من الله، ولا كنت في صلاة قط فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا كنت في جنازة قطّ فحدثت نفسي بغيرها، تقول ويقال لها، حتى أنصرف عنها.
قال سعيد بن المسيّب- يعني الراوي عن ابن عباس-:
(هذه الخصال ما كنت أحسبها إلّا في نبيّ) .
قال العلّامة الحلبيّ في «سيرته» : (عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه: كنت فيمن حفر لسعد رضي الله عنه قبره، فكان يفوح علينا المسك كلّما حفرنا قبره من ترابه، وجاء:«لو كان أحد ناجيا من ضمّة القبر.. لنجا منها سعد، ضمّ ضمّة، ثمّ فرّج الله عنه» .
وخصّ رسول الله والأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام من ضمّة القبر.
ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت:
يا رسول الله؛ ما انتفعت بشيء مذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمته، وصوت منكر ونكير، فقال:«يا عائشة؛ إنّ ضغطة القبر على المؤمن كضمّ الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو إليها الصّداع، وصوت منكر ونكير عليه كالكحل في العين، ولكن يا عائشة؛ ويل للشاكّين الكافرين، أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغطا يقبض على الصّخر» ) اهـ
وفي رواية: «ضغط البيض على الصخر» .
وترجمة سيدنا سعد بن معاذ طويلة جدا؛ إذ إنّ حياته