الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: لم يكمل الشارح رحمه الله تعالى عرض الأحداث حسب تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم حتى الأمد الذي حدده وهو وفاته صلى الله عليه وسلم؛ فقد استمرّ يؤرّخ حسب الولادة الشريفة، ثمّ توقف أن يؤرخ بها بعد البعثة النبوية، وتابع رصده التاريخي حسب البعثة النبوية بعد بلوغه صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره الشريف، وأول حدث دونه هو:
(وفي السنة الثالثة من النبوة: توفي ورقة بن نوفل) .
واستمرّ التاريخ للأحداث حسب البعثة حتى السنة الرابعة عشرة من النبوة، ثمّ توقف في التاريخ بها في السنة الأولى للهجرة.
ثالثا: استأنف بعد ذلك التاريخ للأحداث حسب هجرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنوّرة، وبالتفاوت في الرصد التاريخي للأحداث يحقق الشارح رحمه الله تعالى أمرين مهمين:
الأول: الرصد التاريخي حسب الحدث الأهم حتى يأتي ما هو أهم منه، فيكون له الأوّلية.
الثاني: إبقاء الحدث الأهم حيا في الذاكرة على مدار الفترة الزمنية التي يؤرّخ لها.
حادي عشر: النقد العلمي المهذب:
استدرك الشارح رحمه الله تعالى على الناظم نقاطا علمية عديدة، بأسلوب علمي موضوعي مهذب، من ذلك:
ذكر الناظم أنّ أبا ذرّ الغفاري رضي الله عنه استشهد على يد العصابة من بني غطفان الذين نهبوا لقاح النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله:
وأقبلت امرأة الغفاري
…
قتيل نهب إبل المختار
فاستدرك عليه الشارح رحمه الله بالعبارة التالية:
(وفي كلامه نظر؛ فإنّه إذا كان الغفاري أبا ذرّ فكيف يصفه بأنّه مقتول للذين أغاروا على اللقاح، فإنّ المعروف عند أهل السير أنّ المقتول هو ابن أبي ذرّ الغفاري واسمه: (ذرّ)، ولم يقل أحد: إنّ المقتول أبو ذرّ) (ج 2/ ص 64) .
وفي مناسبة أخرى عندما قدم الناظم رحمه الله الحديث: موت رفاعة بن زيد كهف المنافقين (ج 2/ ص 83) على حادثة الواردة، (وذلك أنّ أجيرا لعمر بن الخطاب من بني غفار يقال له: جهجاه بن مسعود جاء يقود فرسه في موضع الزحام على الماء فازدحم مع سنان بن وبرة الجهني فاقتتلا) (ج 2/ ص 84) .
يقول الشارح تعليقا على تقديم الناظم ما حقه التأخير ترتيبا:
(ولو أخر هذه الحادثة عن حادثة الواردة.. لكان أولى كما صنعه صاحب الأصل الحافظ اليعمري في «سيرته» ، وكذا غيره)(ج 2/ ص 83) .
بمثل هذه العبارة المختصرة المهذبة يعبر الشارح عن نقده واعتراضاته: (وفي كلامه نظر) ، و (لكان أولى) ممّا ينم عن خلق إسلامي رفيع، هو من خصائص العلماء، وأهل الإيمان.
ويأخذ النقد عنده أحيانا صورة أخرى وهو اقتراح عبارات للنظم غير ما عبر به الناظم، من هذا قول الناظم:
خندق خير مرسل بأمر
…
سلمان والحروب ذات مكر
يقول الشارح رحمه الله تعالى: (قلت: ولو أنّ الناظم قال:
خندق خير مرسل وقد أشار
…
سلمان بالخندق نعم المستشار
.. لكان أليق بالأدب في حق الجناب النبوي) (ج 1/ ص 269) .
ويعتذر للناظم أحيانا، ومن الأمثلة على هذا: أنّ الناظم رحمه الله تعالى قدم مقالة سيدنا سعد بن معاذ في غزوة بدر على مقالة المقداد في تجاوبهم لنداء النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وطلب المشورة عليه، في حين أنّ المقداد رضي الله عنه قد
سبقه بمقالته المشهورة، ويعتذر الشارح رحمه الله تعالى عن الناظم بضرورة الشعر ويختم هذا قائلا:(والخطب سهل)(ج 1/ ص 92) .
وبعد:
فكتاب «إنارة الدجى في مغازي خير الورى» شرح العلّامة المحدث، الفقيه الأصولي، فضيلة الشيخ حسن محمّد المشاط المكي قبل هذا وبعده.. مرآة صافية للروح الإسلامية الشفافة، والحسن الإيماني القوي، ومشاعر الحب الصادقة الدفينة، التي يخفق بها قلب الشارح رحمه الله تعالى حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وصحبه الأطهار، رضوان الله عليهم، وسلف الأمّة الصالحين؛ فقد كان حديثه عن السيرة النبوية حديثا يفيض إيمانا، يستجمع له مشاعره وإحساساته؛ إجلالا وإعظاما وخشوعا، حديث المتأثر المتفاعل بما يقول، يحسه سامعه، ويدركه على قسمات وجهه مغرورق العينين، وقد أخضلت الدموع لحيته، فيسري تيار من التأثّر والخشوع بين الحاضرين.
ولست بمحص، أو معدد خصائص هذا الكتاب وميزاته؛ فإنّ القارئ البصير، الصافي الفكر، سيقف على الكثير ممّا لم تتعرض له هذه الدراسة الموجزة؛ إذ استهدفت الإشارة إلى عرض إجمالي، محدد لخصائص هذا الشرح، ولم تكن تستهدف الحصر والاستقصاء.
والله أسأل- وهو خير مسؤول- أن يجزى فضيلة الشيخ حسن بن محمد مشاط شارح هذه المنظومة خير الجزاء؛ على ما بذله في سبيل إعلاء كلمة الدين، ونشر العلوم الشرعية؛ ابتغاء وجه الله، والفوز بالرضا والقبول، ونسأل الله أن يرحم ولده البار الشيخ أحمد حسن مشاط، الذي يسعى حثيثا إلى نشر تراث والده، والتضحية بكل ما يستطيعه في تعميم النفع به، وأن يجعل من ذريته خلف خير، يقتفون آثار الآباء والأجداد، يصلون الحاضر بالماضي، علما وعملا، إنّه سميع قريب مجيب الدعاء، لا يفوتني أن أشكر الآخرين الدكتور السيد قاسم بن محمد
الأهدل، والدكتور صبغة الله نبي قطب الدين تلميذي المؤلف على ما قدماه من جهد في تصحيح الكتاب، وأسأل الله لهما العون، أن يخرجا هذا العمل الجليل إخراجا محققا محررا، حسب أصول التحقيق والبحث العلمي، وصلّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أبد الآبدين.
بقلم تلميذ المؤلف الأستاذ الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان كوالالمبور 16/ 5/ 1413 الموافق 10/ 11/ 1992