الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جعفر بن أبي طالب:
أمّا سيدنا جعفر: فهو ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو عبد الله، وابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشقيق عليّ، أسنّ منه بعشر سنين، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين.
وأمهم فاطمة بنت أسد: أول هاشمية تزوجها هاشميّ، وأسلمت، وهاجرت إلى المدينة، وتوفّيت بها، وصلّى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في قبرها، وكان يكرمها، وفاطمة هذه إحدى الفواطم التي قال صلى الله عليه وسلم لعليّ في ثوب حرير:«قسّمه بين الفواطم الثلاث» والثانية: فاطمة بنته صلى الله عليه وسلم، والثالثة: فاطمة بنت حمزة.
ولفاطمة بنت أسد بنتان؛ أم هانئ، وجمانة.
وجعفر: أحد السابقين الأوّلين إلى الإسلام، ثبت فيما رواه الشيخان: أنّه صلى الله عليه وسلم قال له: «أشبهت خلقي وخلقي» .
وهو أحد الخمسة المشبهين للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، المجموعين في قول بعضهم:
بخمسة شبّه المختار من مضر
…
يا حسن ما خوّلوا من شبهه الحسن!
بجعفر وابن عمّ المصطفى قثم
…
وسائب وأبي سفيان والحسن
آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين صاحب الترجمة ومعاذ بن جبل، كما ذكره الحافظ في «الإصابة» وكان يكنيه أبا المساكين؛ لأنّه كان يحبهم ويحبونه، ويجلس إليهم، ويتحدث معهم في لين جانب ومكارم يفيضها عليهم، ففي الصحيح عن أبي هريرة:(كان جعفر خير الناس للمساكين) .
وقال في «الإصابة» : (قال خالد الحذّاء عن عكرمة:
سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ما احتذى النّعال، ولا ركب المطايا، ولا وطىء التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أفضل من جعفر بن أبي طالب، رواه الترمذيّ والنسائي، وإسناده صحيح.
وروى البغويّ من طريق المقبريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان جعفر يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويخدمهم ويخدمونه، ويحدّثهم ويحدثونه، فكان صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين) .
هاجر إلى الحبشة، وأسلم النجاشيّ ومن تبعه على يديه، وأقام عنده ومعه زوجته أسماء بنت عميس، فولدت له هناك عبد الله بن جعفر، وهو أوّل مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة.
ثمّ قدم من الحبشة هو ومن صحبه من المهاجرين، ومن
دخل في الإسلام هناك، وجاؤوا في سفينتين في البحر، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لهم منها، ولم يسهم لمن لم يحضرها غير أهل السفينتين، ثمّ سكن المدينة إلى أن خرج إلى مؤتة.
وفي «صحيح البخاريّ» عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(كان خير الناس للمساكين جعفر رضي الله عنه، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكّة التي ليس فيها شيء؛ ليشقّها فنلعق ما فيها) .
وعنه أيضا: قال صلى الله عليه وسلم: «رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة» رواه الترمذيّ.
وله من الأولاد من زوجه أسماء بالحبشة: عبد الله، وعون، ومحمّد.
قال الإمام النووي: (والعقب لعبد الله دون أخويه، ويوم ولد له عبد الله.. ولد فيه للنجاشيّ ولد، فسأل جعفرا: ماذا سميت ابنك يا جعفر؟ لنسمي به ابننا، فسمّاه عبد الله، وأرضعته أسماء بلبن ابنها عبد الله، فكانا يتواصلان لتلك الأخوّة، وكان قد أسلم النجاشيّ على يد جعفر) .
ولمّا قدم جعفر على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر.. قال عليه الصلاة والسلام: «لا أدري بأيّهما أنا أشد فرحا: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟» .
ووجد يوم استشهد بجسده تسعون جراحة.
ويروي سعيد بن المسيّب مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثّل لي جعفر، وزيد، وعبد الله في خيمة من درّ فوق أسرّة، فرأيت زيدا وعبد الله، وفي أعناقهما حدود، ورأيت جعفرا مستقيما، فقيل لي: إنّهما حين غشيهما الموت.. أعرضا بوجوههما، ومضى جعفر فلم يعرض» وأمر صلى الله عليه وسلم أن يصنع لأهل جعفر طعام؛ فإنّهم شغلوا بأمر صاحبهم.
قال السّهيلي: (وهذا أصل في طعام التعزية) .
قلت: يعني: يصنعه الناس لأهل الميت في غير كلفة ولا مباهاة، إنّما يحتسبون بذلك الأجر من الله؛ فإنّه قد نزل بأهل الميت ما قد شغلهم، أمّا فتح دار الميت بعمل الطعام، والدعوة للطعام.. فإنّها بدعة سيئة جدا، سادت في كثير، حتى ظنّ أنّها من السنن الشّرعية، أو الواجبات الدينية، وحتى ترى بعض الفقراء الذين يصابون بفقيدهم، ولا يستطيعون أن يقوموا بهذا العمل يبيعون شيئا من مخلفات الميت، وقد يوافق أنّ الميت ترك أطفالا قصّرا، بل كثيرا ما يستدينون المال الذي له بال، وينفقونه في الطعام للزائرين والزائرات في ذلك اليوم، وقد روى ابن ماجه والإمام أحمد بإسناد حسن عن جرير بن عبد الله البجليّ قال:(كنا نعد ذلك- أي: تهيئة أهل الميت الطعام- من النياحة) اهـ
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن النّياحة، فينبغي أن يفهم
الناس هذا الأمر، وهذه البدعة حتى يقتلعوها من جذورها؛ فإنّه لا أضر على الناس من أمثال هذه العادات السيئة، نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى اتباع سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم في أقواله الرشيدة، وأفعاله السديدة.
هذا: والطعام الذي صنع لآل جعفر ذلك اليوم هو- كما روي عن ابنه عبد الله بن جعفر- شعير طحنته سلمى- مولاة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ آدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلا، فأكلوا منه، قال عبد الله: وحبسني النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بيته مع أخويّ ثلاثة أيام» .
ولسيدنا عليّ رضي الله عنه مفتخرا- وما أجدره بذلك-:
محمّد النّبيّ أخي وصهري
…
وحمزة سيّد الشّهداء عمّي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
…
يطير مع الملائكة ابن أمّي
وبنت محمّد سكني وعرسي
…
منوطا لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها
…
فأيّكم له فخر كفخري
سبقتكم إلى الإسلام طرّا
…
صغيرا ما بلغت أوان حلمي
ولسيدنا جعفر يوم توفي ثلاث وثلاثون، أو إحدى وأربعون سنة.