الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشاطروهم مالهم ونزلوا
…
عن الحلائل لهم وأوّل
منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم» .
فتكلّم سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، فقالا:
يا رسول الله؛ بل تقسم بين المهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا، وقالت الأنصار: رضينا وسلّمنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهمّ؛ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار» فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاء الله عليه، وأعطى المهاجرين، ولم يعط أحدا من الأنصار شيئا إلّا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف وأبا دجانة، وأعطى سعد بن معاذ سيف كنانة بن أبي الحقيق.
وقال سيد المهاجرين أبو بكر رضي الله عنه: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلّا كما قال الغنويّ:
جزى الله عنّا جعفرا حين أزلقت
…
بنا نعلنا في الواطئين فزلت
أبوا أن يملّونا ولو أنّ أمّنا
…
تلاقي الذي لا قوه منّا لملّت
ثم ذكر الناظم بعض تفضلات الأنصار في إيثارهم.
فضل الأنصار بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم:
(وشاطروهم) أي: قاسموهم (ما لهم و) حتّى إنّهم (نزلوا) أي: الأنصار (عن الحلائل) أي: الزوجات (لهم)
من سنّه مخيّرا بين اثنتين
…
إبن الرّبيع لابن عوف المكين
فتركوهنّ لهم تعفّفا
…
فعفّ هذاك وذاك أسرفا
يتعلق ب (نزلوا) . فمن كان عنده زوجتان.. كان يخيّر المهاجريّ في واحدة، فينزل له عنها، حتى إذا انقضت عدتها يتزوجها.
(وأوّل من سنّه) أي: النزول عن الحلائل حال كونه (مخيرا بين اثنتين) سيدنا سعد (ابن الرّبيع ل) سيدنا عبد الرّحمن (بن عوف المكين) المنزلة عند الله تعالى، بالهجرة له، لما آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بينهما.
ففي «صحيح البخاريّ» : (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرّحمن بن عوف وسعد بن الرّبيع، فقال سعد لعبد الرّحمن: إنّي أكثر الأنصار مالا، هلمّ أقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمّها أطلقها لك، فإذا انقضت عدّتها فتزوجها، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقك؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلّا ومعه فضل من أقط، وسمن، ثمّ تابع الغدوّ، ثمّ جاء يوم وبه أثر صفرة، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«مهيم» قال: تزوّجت، قال:«كم سقت إليها؟» قال: نواة من ذهب، أو وزن نواة.
(فتركوهنّ لهم) أي: الحلائل لأزواجهنّ (تعففا) مصدر تعفف إذا تنزه. قال السيد محمّد مرتضى في «شرح القاموس» : (التعفف: الصبر، والنزاهة في الشيء) .
(فعف) أي: كف «1» (هذاك) أي: المهاجريّ بعد نزوله عن الحليلة؛ لأنّه لا يجمل. قال في «القاموس» :
(عف الرجل عفا، فهو عف وعفيف: كف عمّا لا يجمل) وهو المراد هنا، وعما لا يحل وهو غير مراد (وذاك) أي:
الأنصاريّ (أسرفا) بالسين المهملة، وألف الإطلاق؛ أي:
جاوز في الإيثار، حتى قصد أن ينزل عن إحدى حليلتيه للمهاجريّ، فإنّ الإسراف ضد القصد.
وهذه الأخلاق من الأنصار- شكر الله سعيهم، ورزقنا حبهم- مظهر عظيم من مظاهر إيمانهم وحبهم لله ورسوله، ولكل من لجأ إليهم فارّا بدينه من بلاد الكفر وحزب الضلال، فرضي الله عن هؤلاء الصحب الكرام الذين تبوءوا الدار والإيمان يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ورزقنا حبهم، وجمعنا بهم في مستقر حرمته، بمنّه وكرمه، إنّه على ذلك قدير، آمين.
***
(1) يحتمل أن تكون العبارة هكذا: (فعفها ذاك) على أنّ الهاء ضمير الحليلة، لا حرف تنبيه، وذاك: هو المهاجري، ولكن لم أر ذلك في نسخة.