الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووقف السّبي إلى أن رجعا
…
من طائف لعلّ أن يسترجعا
(ووقف) أي: حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم (السبي) الذي سباه من هوازن، وكانوا ستة آلاف آدمي، سوى الغنم، والنعم، والأموال، فلم يقسمه، وإطلاق السبي على الجميع على التغليب.
قال ابن التلمساني: (ولا يكون السبي إلّا في النساء) نقله عن الخفاجي في «شرح الشفاء» وأمر بالجميع أن يجمع بالجعرانة (إلى أن رجعا) بألف الإطلاق للقافية (من طائف) أي: من غزوة الطائف، وإنّما فعل ذلك (لعلّ) أي: رجاء (أن يسترجعا) بالبناء للمجهول؛ أي: يسترجع السبي أهله، فيرده لهم، ولكنه عليه الصلاة والسلام لمّا ترجى ذلك، وانتظر أهل السبي بضعة عشر يوما.. لم يفعلوا حتى قسمه في مستحقيه، ووقعت المقاسم مواقعها.
قدوم وفد هوازن على الرسول صلى الله عليه وسلم، وردّه السبي إليهم:
وبعد ذلك قدم وفد هوازن، وهم أربعة عشر رجلا مسلمين، ورأسهم زهير بن صرد الخشمي، وأبو برقان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فقالوا: يا رسول الله؛ إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك.
وقال زهير: يا رسول الله؛ إنّما في الحظائر عماتك وخالاتك، وحواضنك اللّاتي كنّ يكفلنك؛ أي: لأنّ مرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة كانت من هوازن، وقال له
أيضا: ولو ملحنا- أي: أرضعنا- للحارث بن أبي شمر أي: ملك الشام- أو للنعمان بن المنذر ملك العراق، ثمّ نزل منا بمثل ما نزلت به.. رجونا عطفه وعائدته علينا، وأنت خير المكفولين، وأنشده أبياتا يستعطفه صلى الله عليه وسلم بها، وهي:
أمنن علينا رسول الله في كرم
…
فإنّك المرء نرجوه وننتظر
أمنن على بيضة قد عاقها قدر
…
ممزّق شملها في دهرها غير
يا خير طفل ومولود ومنتخب
…
في العالمين إذا ما حصّل البشر
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
…
يا أرجح الناس حلما حين تختبر
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها
…
إذ فوك تملؤه من مخضها الدّرر
إذ كنت طفلا صغيرا كنت ترضعها
…
وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
لا تجعلنّا كمن شالت نعامته
…
واستبق منا فإنّا معشر زهر
يا خير من مرحت كمت الجياد به
…
عند الهياج إذا ما استوقد الشّرر
إنّا لنشكر آلاء وإن كفرت
…
وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر
إنّا نؤمل عفوا منك تلبسه
…
هذي البرية إذ تعفو وتنتصر
فاعف عفا الله عمّا أنت راهبه
…
يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ أحسن الحديث أصدقه، أبناؤكم ونساءكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟» فقالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئا، اردد علينا نساءنا وأبناءنا؛ فهم أحبّ إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال صلى الله عليه وسلم:«إذا أنا صلّيت الظهر بالناس.. فقوموا فقولوا: إنّا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا» .
فلمّا صلّى الظهر.. قاموا فتكلّموا بما أمروا به، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن أثنى على الله بما هو أهله:
وقال صلى الله عليه وسلم: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب.. فهو لكم» فقال المهاجرون والأنصار
رضوان الله تعالى عليهم: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الأقرع بن حابس: أمّا أنا وبنو تميم..
فلا، وقال عيينة بن حصن: أمّا أنا وبنو فزارة.. فلا، وقال العباس بن مرداس: أمّا أنا وبنو سليم.. فلا، فقالت بنو سليم: بلى، ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال العباس بن مرداس: وهّنتموني- أي:
أضعفتموني حيث جعلتموني منفردا- ثمّ ردّ جميع السبي لأهله، إلّا عجوزا صارت إلى عيينة بن حصن، وقال حين أخذها: أرى عجوزا، إني لأحسب أنّ لها في الحي نسبا، وعسى أن يعظم فداؤها، ثمّ ردها بعد ذلك بعشر من الإبل، أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مئة من الإبل، وقال له ولدها: والله؛ ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوهها ببارد، ولا صاحبها بواجد- أي: بحزين لفراقها- ولا درها بناكد- أي: ليس لبنها بغزير- فقال عيينة: خذها، لا بارك الله لك فيها.
قال ابن برهان في «الحلبية» : (وذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم على من أبى أن يرد من السبي شيئا أن يبخس؛ فإنّ ولدها دفع له فيها مئة من الإبل فأبى، ثمّ غاب عنه، ثمّ مرّ عليه معرضا عنه، فقال: خذها بالمئة، فقال:
لا أدفع إلّا خمسين، فأبى، فغاب عنه، ثمّ مرّ عليه معرضا عنه، فقال: خذها بخمسين، فقال: لا أدفع إلّا خمسة وعشرين، فأبى، فغاب عنه، ثمّ مرّ عليه معرضا عنه فقال: