الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيمن ابن أمّه والعبدري
…
شيبة رام غدر خير مضر
وهو الذي نادى بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عالي الصوت:(يا معشر الأنصار، يا معشر أصحاب السّمرة) كما تقدم.
(وفضله) أي: فضل بن العباس، أضيف إليه؛ لأنّه أكبر أولاده، وبه كان العباس يكنى، وهو من أبهى قريش، ومن ثمّ قيل: من أراد البهاء والسخاء والفقه.. فليأت دار العباس، فالبهاء للفضل، والسخاء لعبيد الله، والفقه لعبد الله.
و (أسامة) بن زيد، الحب بن الحب (الأكياس) جمع كيّس بتشديد الياء المكسورة، صفة مدح لأولئك السادة، بمعنى الظرفاء العقلاء، ومن أجل ذلك ثبتوا، فكان ثباتهم وثبوتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهرا من مظاهر كياستهم.
(وأيمن ابن أمه) أي: ابن أم أسامة؛ لأنّ أيمن بن عبيد وأسامة، أمهما بركة الحبشية مولاته عليه الصلاة والسلام، وقتل يومئذ كما قاله ابن إسحاق، يعني: بعد أن ثبت.
قصة شيبة بن عثمان العبدري وإسلامه بعد قصده الغدر بالرسول صلى الله عليه وسلم:
(و) ممّن ثبت: (العبدري)«1» المنسوب إلى بني عبد الدار واسمه (شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة بن
(1) هذا يسمى عندهم بالنحت كالعبشمي لبني عبد شمس، وعبقسي لعبد قيس وغير ذلك.
فصدّه عمّا نوى فضربه
…
نبيّنا في صدره فجذبه
عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار؛ فإنّه (رام) أي: طلب وقصد، و (بابه: قال) (غدر) هو ترك الوفاء؛ أي: أن يغدر بالنّبيّ (خير مضر) صلى الله عليه وسلم.
(فصده) أي: منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمّا) أي: عن الغدر الذي (نوى) أي: قصده بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، والفتك به، حين خرج إلى هوازن، حتى يكون بزعمه قد أخذ بثأر قريش جميعها، فأعلم الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك (فضربه نبينا) أي: وضع يده الميمونة، ومسحها على شيبة (في صدره) أي: صدر شيبة (فجذبه) أي: جذب شيبة إليه، وأعاذه بالله من الشيطان، فما هي إلّا لحظة وقد هدى الله شيبة إلى الإسلام بتلك اليد المباركة، حتى كان في صفوف الثابتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحمون الإسلام.
قال شيبة محدثا عن إسلامه: (ما رأيت أعجب ممّا كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات، قال: لمّا كان يوم الفتح.. دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة قلت:
أسير مع قريش إلى هوازن بحنين، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمّد غرّة، فأثأر منه، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول لم يبق من العرب والعجم أحد إلّا اتّبع محمّدا..
ما اتّبعته أبدا، وكنت مرصدا لما خرجت له، لا يزداد الأمر في نفسي إلّا قوة.
فلمّا اختلطت الناس.. اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، وأصلتّ السيف فدنوت أريد منه ما أريد، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره، فرفع لي شواظ من النار كالبرق يكاد يمسحني، فوضعت يدي على بصري خوفا عليه، والتفتّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يناديني:«يا شيب؛ ادن مني» فدنوت منه، فمسح صدري، ثمّ قال:«اللهمّ؛ أعذه من الشيطان» قال: فو الله؛ لهو كان ساعتئذ أحبّ إليّ من سمعي، ومن بصري ونفسي، وأذهب الله ما كان بي.
ثمّ قال: «يا شيب؛ ادن مني فقاتل» فتقدمت أمامه أضرب بسيفي، والله أعلم أنّي أحب أن أقيه بنفسي كل شيء، ولو لقيت أبي تلك الساعة حيا.. لأوقعت به السيف، فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع المسلمون، فكروا كرة رجل واحد، وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستوى عليها فخرج في إثرهم، حتى تفرّقوا في كل وجه، ورجع إلى معسكره، فدخل خباءه، فدخلت عليه، ما دخل عليه غيري؛ حبا لرؤية وجهه، وسرورا به، فقال:«يا شيب؛ الذي أراد الله بك خير ممّا أردت بنفسك» ثمّ حدّثني بكل ما أضمرته في نفسي ممّا لم أكن أذكره لأحد قط، فقلت:
فإنّي أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّك رسول الله، ثمّ قلت:
استغفر لي، قال:«غفر الله لك» ودفع إليه وإلى ابن عمه عثمان مفاتيح الكعبة وقال: «خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة، لا ينزعها منكم إلّا ظالم» ) .