الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووكل الأنصار خير العالمين
…
لدينهم إذ ألّف المؤلّفين
فوجدوا عليه أن منعهم
…
فأرسل النّبيّ من جمعهم
وقال قولا كالفريد المونق
…
عن نظمه ضعف سلك منطقي
فنثر منه، ثمّ ذهب يقله فلم يقدر، فقال له كالأول، فنثر منه، ثمّ احتمله على كاهله وانطلق، فأتبعه صلى الله عليه وسلم بصره تعجّبا منه! ولم يقم عليه الصلاة والسلام حتى فرقه، فلم يبق منه درهم.
موقف الأنصار ورضاهم بما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد خطبته فيهم:
(ووكل) بصيغة الماضي المعلوم؛ أي: سلم (الأنصار خير العالمين) صلى الله عليه وسلم (لدينهم) أي: لقوته ولرسوخه في قلوبهم (إذ ألّف المؤلفين) من قريش وقبائل العرب بالعطايا، ولم يعط الأنصار شيئا.
(فوجدوا عليه) ل (أن منعهم) من ذلك، وقالوا: يغفر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم؟! فحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقالتهم (فأرسل النبيّ من جمعهم) وهو سعد بن عبادة.
فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله (وقال قولا) في نفاسته (كالفريد) هو الدر إذا نظم وفصل بغيره (المونق) الحسن المعجب (عن نظمه) في هذه الأرجوزة، وهو متعلق بقوله:(ضعف سلك) بكسر أوله، في الأصل: الخيط يجعل فيه اللؤلؤ، وهو مضاف إلى
قوله: (منطقي) وفيه استعارة حيث جعل لمنطقه سلكا يدخل فيه ما ينظمه من مسائل الفن، التي هي كالدرر.
وأشار بهذا إلى ما ذكره ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: (لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء.. وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله؛ إنّ هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم؛ لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء، قال:
«فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: يا رسول الله؛ ما أنا إلّا من قومي، قال:«فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة» قال:
فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة.
قال: فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلمّا اجتمعوا.. أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال:
«يا معشر الأنصار؛ ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلّالا فهداكم الله؟ وعالة
فأغناكم الله؟ وأعداء فألّف الله بين قلوبكم؟» قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل، ثمّ قال:«ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؛ لله ولرسوله المنّ والفضل، قال صلى الله عليه وسلم:«أمّا والله؛ لو شئتم.. لقلتم ولصدقتم: أتيتنا..- كذا وكذا- أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا، تألّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الّذي نفس محمّد بيده؛ لولا الهجرة.. لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا.. لسلكت شعب الأنصار، اللهمّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار» قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا، ثمّ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّقوا) .
وفي الصحيح: (أنّهم لمّا سئلوا: «ما حديث بلغني عنكم؟» قال فقهاء الأنصار: أمّا رؤساؤنا.. فلم يقولوا شيئا، وأمّا ناس منا حديثة أسنانهم.. فقالوا: يغفر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشا.. إلخ، ولذلك قال الحافظ في فوائد هذه المقالة، بين هذا الأب الرحيم وأبنائه البررة:
منها: حسن أدب الأنصار في تركهم المماراة، والمبالغة في الحياء، وبيان أنّ الذي نقل عنهم إنّما كان عن شبانهم، لا عن شيوخهم وكهولهم.