الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وقد تقدم في شعر أبيه ما يدل على أنّه يسمى زيدا من قبل، فلعلّ المراد- إن ثبت ما ذكر- أنّه عليه الصلاة والسلام أثبت هذا الاسم وقرره ولم يغيّره، كما كان يغير بعض أسماء من أسلم، والله أعلم.
ثمّ قال في «الإصابة» : (قال عبد الرزاق عن معمر، عن الزّهريّ قال: ما نعلم أنّ أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة) .
قلت: وقال غيره: أول من أسلم علي بن أبي طالب، أو خديجة بنت خويلد، أو أبو بكر الصدّيق، أو بلال، وقد أشار إلى هذا الاختلاف والجمع بين الأقوال بما يصير به الخلاف لفظيا.. الحافظ السيوطيّ في «نظم الدرر» بقوله:
واختلفوا أوّلهم إسلاما
…
وقد رأوا جمعهم انتظاما
أول من أسلم في الرجال
…
صدّيقهم وزيد في الموالي
وفي النسا خديجة، وذي الصّغر
…
عليّ، والرق بلال استقر
مناقب زيد:
ومن المناقب التي حفظت لزيد: أنّه ذكر في القرآن باسمه العلم، وليس ذلك لغيره، وما قيل: إنّ السّجلّ في قوله تعالى: كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ هو اسم كاتب.. فضعيف أو غلط كما قاله النووي في «التهذيب» .
قال في «روض النهاة» عن السهيلي: (ولمّا نزلت الآية يعني قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ فامتثلها زيد، وقال:
أنا ابن حارثة. جبر الله وحشته، وشرّفه بأن سمّاه باسمه في القرآن، فقال تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً حتى صار وحيا يتلى في المحاريب، فنوّه به غاية التنويه، فكان في هذا تأنيس له، وعوض من أبوّة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم له، ألا ترى قول أبيّ بن كعب حين قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«إنّ الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك سورة كذا» يعني (سورة لم يكن) فبكى أبيّ، قال: وذكرت هنا لك؟! وكان بكاؤه من الفرح حين أخبر أنّ الله تعالى ذكره، فكيف بمن صار اسمه قرآنا يتلى مخلّدا لا يبيد؟ يتلوه أهل الدنيا إذا قرؤوا القرآن، وأهل الجنة كذلك في الجنان، ثمّ زاده في الآية غاية الإحسان إذ قال: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني:
بالإيمان، فدلّ على أنّه عند الله من أهل الجنان، وهذه فضيلة أخرى، هي غاية منتهى أمنية الإنسان) .
قال في «الإصابة» : (شهد زيد بن حارثة بدرا وما بعدها.
وعن البراء بن عازب أنّ زيدا قال: يا رسول الله؛ آخيت بيني وبين حمزة، أخرجه أبو يعلى.
وعن محمّد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: «يا زيد؛ أنت مولاي،
ومني، وإليّ، وأحب الناس إليّ» أخرجه ابن سعد بإسناد حسن.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«وايم الله؛ إن كان لخليقا للإمارة- يعني زيد بن حارثة- وإن كان لمن أحب الناس إليّ» أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر أيضا: افترض عمر لأسامة أكثر ممّا فرض لي، فسألته، فقال: إنّه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وإنّ أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك. قال الحافظ: صحيح) .
قلت: وهذا من سيدنا عمر تواضع وإظهار لفضيلة أسامة وأبيه، والمؤمن يهضم نفسه.
وذكر الحافظ ابن عبد البر في «الإستيعاب في أسماء الأصحاب» بسنده إلى الليث بن سعد قال: (بلغني أنّ زيد بن حارثة اكترى من رجل بغلا من الطائف، واشترط عليه المكري أن ينزله حيث شاء، قال: فمال به إلى خربة، فقال له:
انزل، فنزل، فإذا في الخربة قتلى كثيرون، قال: فلمّا أراد أن يقتله.. قال له: دعني أصلّي ركعتين، قال: صلّ؛ فقد صلّى قبلك هؤلاء، فلم تنفعهم صلاتهم شيئا، قال: فلمّا صلّيت.. أتاني ليقتلني، قال فقلت: يا أرحم الراحمين؛ قال: فسمع صوتا: لا تقتله، فهاب ذلك، فخرج يطلب صاحبه فلم يجد شيئا، فرجع إليّ، فناديت يا أرحم الرّاحمين
- فعل ذلك ثلاثا- فإذا أنا بفارس على فرس في يده حربة حديد، في رأسها شعلة من نار، فطعنه بها، فأنفذها من ظهره، فوقع ميتا. ثمّ قال لي: لمّا دعوت المرة الأولى:
يا أرحم الرّاحمين.. كنت في السماء السابعة، فلمّا دعوت المرة الثانية: يا أرحم الرّاحمين.. كنت في سماء الدنيا، فلمّا دعوت في المرة الثّالثة.. أتيتك) اهـ
وأشار الناظم في «عمود النسب» إلى هذه القصة بقوله:
والحب زيد اكترى من رجل
…
مطية ونزلا بمنزل
ليس به غير عظام قتلا
…
رجالها الرجل ذا وحملا
عليه فاستغاث زيد بالرحيم
…
وعنه فرج بإهلاك الرجيم
وذكر الحافظ السيوطي وغيره: أنّه لا يعرف أربعة توالدوا صحابة لسوى أبي قحافة، وزيد بن حارثة، وأشار له في «نظم الدرر» بقوله:
وأربع توالدوا صحابه
…
حارثة المولى أبو قحافه
فإنّه ولد لأسامة بن زيد ولد اسمه محمّد، على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وحارثة تقدم أنّه شاهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبو قحافة والد سيدنا أبي بكر