الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لمّا رآهم:
وخرج عبد الله ورافع ابنا سهل الأنصاريّان يزحفان لجراحهما الكثيرة فضعف رافع فحمله عبد الله على ظهره عقبة، ومشى عقبة، فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«إن طالت بكم مدة كانت لكم مراكب من خيل، وبغال، وإبل، وليس ذلك بخير لكم» وكانت عامة زادهم التمر) .
قال ابن إسحاق: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى حمراء الأسد، فأقام بها الإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، ثمّ رجع إلى المدينة، وكان استعمل على المدينة ابن أم مكتوم، فيما قاله ابن هشام.
تخذيل معبد الخزاعي قريشا عن الرجوع للحرب:
قال ابن إسحاق: (وقد مرّ به- كما حدّثني عبد الله بن أبي بكر- معبد «1» بن أبي معبد الخزاعيّ، وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة «2» نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة، صفقهم معه، لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد «3» يومئذ مشرك، فقال- أي: معبد-: يا محمّد؛ أما والله لقد
(1) فاعل مر.
(2)
بفتح العين المهملة: موضع السر والأمانة.
(3)
قال في «الشامية» : (وجزم أبو عمر، وابن الجوزي في «التلقيح» بإسلام معبد) اهـ
عزّ علينا ما أصابك في نفسك، وفي أصحابك، ولوددنا أنّ الله عافاك فيهم.
ثمّ خرج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتّى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالرّوحاء، وقد أجمعوا الرّجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا- أي-: أصبنا حدّ أصحابه، وقادتهم، وأشرافهم، ثمّ نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرّنّ على بقيتهم، فلنفرغنّ منهم، فلمّا رأى أبو سفيان معبدا.. قال: ما وراءك يا معبد؟
قال: محمّد قد خرج في أصحابه يطلبكم، في جمع لم أر مثله قطّ، يتحرّقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلّف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قطّ، قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فوالله لقد أجمعنا الكرّة عليهم؛ لنستأصل شأفتهم. قال: فإنّي أنهاك عن ذلك، ووالله لقد حملني ما رأيت، على أن قلت فيه أبياتا من شعر، قال: وما قلت؟ قال: قلت:
كادت تهدّ من الأصوات راحلتي
…
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل «1»
(1) الجرد: قصيرة شعر الجلد، والأبابيل: جماعة في تفرقة، وتردي الخيل: إذا ضربت الأرض بحوافرها في سيرها، والتنابلة: القصار، واحدها تنبال، والميل: الذي يميل على السرج ولا يستوي عليه، والمعازيل، واحده معزال: القوم ليس معهم سلاح.
تردي بأسد كرام لا تنابلة
…
عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظلت غدوا أظنّ الأرض ماثلة
…
لمّا سموا برئيس غير مخذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم
…
إذا تغطمطت البطحاء بالجيل «1»
إنّي نذير لأهل البسل ضاحية
…
لكل ذي إربة منهم ومعقول من جيش أحمد لا وخش قنابله
وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال: فثنى ذلك أبا سفيان، ومن معه، ومرّ به ركب من عبد القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة، قال:
ولم؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمّدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمّل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه..
فأخبروه أنّا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه؛ لنستأصل بقيتهم فمرّ الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، وأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حسبنا الله ونعم الوكيل» .
(1) من الغطمة: وهو صوت غليان القدر، وفي نسخة (بالخيل)، والوحش: أرذال الناس وسقاطهم، والقنابل: الطائفة من الناس ومن الخيل، الواحد: قنبل وقنبلة.