الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدخلنا الجنّة إلّا من شرد
…
عنه وعن توحيده أبى وصد
يقرب بالذّراع أو بالباع
…
للمدّني بشبر أو ذراع
ومن أتى يمشي أتاه هروله
…
فضاعف الأجر له وأجز له
جزاء المطيعين لله الجنة:
(يدخلنا) الله تبارك وتعالى معشر الموحّدين (الجنّة) بفضله المحض (إلّا من شرد) أي: فرّ ونفر (عنه وعن توحيده) يتعلق بقوله: (أبى) أي: امتنع عن توحيده (وصدّ) أي: أعرض.
ثمّ ذكر الناظم من تنزلات مولانا عز وجل لعباده المؤمنين، ما يحثّهم على المبادرة لطاعاته، والمسارعة إلى مرضاته، فقال:
قرب العبد من ربه وقرب الرب من عبده:
(يقرب بالذراع) لمن تقرّب إليه شبرا (أو بالباع) لمن تقرّب إليه ذراعا، والباع: قدر مدّ اليدين، ولذا قال:
(للمدّني) بضم الميم وتشديد الدال المفتوحة اسم فاعل، مأخوذ من: ادّنى مشدد الدال، قال السيد محمّد مرتضى في «تاج العروس» : (وادّنى ادّناء: افتعل، من الدنوّ؛ أي:
قرب) (بشبر أو ذراع) وفيه لف ونشر مرتب.
(ومن أتى يمشي) من المتقرّبين إليه (أتاه هرولة) بفتح الهاء: ما بين العدو والمشي، ولفظ الحديث بسند مسلم إلى أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرا.. تقرّبت منه ذراعا، وإذا تقرّب مني ذراعا.. تقرّبت منه باعا- أو بوعا- وإذا أتاني يمشي.. أتيته هرولة» ذكره في موضوع (من أحبّ لقاء الله.. أحب الله لقاءه) .
وذكر في (كتاب الذكر والدعاء) بسنده إلى أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه.. ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ..
ذكرته في ملأهم خير منهم، وإن تقرّب مني شبرا.. تقربت منه ذراعا، وإن تقرّب مني ذراعا.. تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي.. أتيته هرولة» وهذا الحديث كسابقه من أحاديث الصفات، يجب الإيمان به، ويصرف عن إرادة ظاهره؛ لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
قال الإمام أبو زكريا النوويّ في «شرح مسلم» :
(ومعناه: من تقرب إليّ بطاعتي.. تقربت إليه بالرحمة، والتوفيق، والإعانة، وإن زاد.. زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي.. أتيته هرولة؛ أي: صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد: أنّ جزاءه يكون تضعيفه له على حسب تقربه) ولذا قال الناظم: (فضاعف الأجر له وأجز له) أي:
أكثره.
يضاعف الأجر لسبع مئة
…
ففوق يؤجر بحسن النّيّة
ثمّ بيّن أنّ المضاعفة تكون على حسب حال العاملين، وحسن نياتهم وإخلاصهم بقوله:
(يضاعف الأجر لسبع مئة ففوق) بالبناء على الضم؛ أي: ففوق السبع مئة ضعف (يؤجر) العامل (بحسن النية) قال الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.
وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ربه تبارك وتعالى:«إنّ الله كتب الحسنات والسيئات» ثمّ بيّن ذلك بقوله: «فمن همّ بحسنة فلم يعملها.. كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها.. كتبها الله عنده عشر حسنات، إلى سبع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وإن همّ بسيئة فلم يعملها.. كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همّ بها فعملها.. كتبها الله عنده سيئة واحدة» رواه البخاري ومسلم في «صحيحيهما» .
وهذا الحديث عظيم شريف، بيّن النّبيّ صلى الله عليه وسلم به مقدار تفضّل الله عز وجل على خلقه، قال الإمام أبو زكريا النووي: (فانظر يا أخي- وفقنا الله وإيّاك- إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ، وقوله:«عنده» إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله:«كاملة» للتأكيد وشدة الاعتناء بها، وقال في السيئة التي همّ بها ثمّ تركها: «كتبها الله