الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبوا خيثمة وذرّ
…
قد لحقا وجاء أرض الحجر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزاة كبيرة؛ لأنّه كالنكث لبيعتهم، كذلك قال ابن بطّال رحمه الله في هذه المسألة، ولا أعرف لها وجها غير الذي قال) .
وذكر الحافظ وجها غير هذا في تغليظ الأمر على هؤلاء، وهو أنّهم تركوا الواجب بلا عذر؛ لأنّ الإمام إذا استنفر الجيش عموما لزمهم النفير، ولحق اللوم بكل فرد فرد [أن لو تخلف] ، ونقله في «شرح المواهب» عنه، قائلا: فهذا وجه ثان غير الذي ذكر؛ أي: عن ابن بطّال.
قلت: ولمّا كان هؤلاء شاركوا المنافقين في صورة التخلّف عن الغزو بلا عذر وهم برآء من النفاق.. كانت توبتهم على الحال الذي ذكر في الحديث؛ ليميز الله الخبيث من الطيّب، ويظهر قوة إيمان هؤلاء الأصحاب السادة الغرّ الميامين، رضي الله عنهم أجمعين، وجمعنا بهم في مستقر رحمته ودار كرامته بمنّه وفضله، آمين.
قصة إبطاء أبي خيثمة وأبي ذرّ في الخروج:
وأشار الناظم إلى إبطاء أبي خيثمة وأبي ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المسير، ولحوقهما له بعد فقال:
(وأبوا خيثمة) بالتنوين للضرورة (وذر) قد أبطأا عن السير، ولكنهما (قد لحقا) بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:
أمّا أبو خيثمة- واسمه سعد من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج-: فذكر خبره ابن إسحاق، وهو: (أنّه رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين في حائطه، قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيّأت له فيه طعاما، فلمّا دخل.. قام على باب العريش، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضّح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد، وطعام مهيّأ، وامرأة حسناء في ماله مقيم؟ ما هذا بالنّصف! ثمّ قال: والله؛ لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيّئا لي زادا، ففعلتا، ثمّ قدّم ناضحه فارتحله، ثمّ خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، وكان قد أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك.. قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إنّ لي ذنبا فلا عليك أن تخلّف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل، حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك.. قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة «1» فقالوا: يا رسول الله؛
(1) لفظه لفظ الأمر، ومعناه الدعاء كما تقول: أسلم سلّمك الله. اهـ من «الروض»
هو والله أبو خيثمة، فلمّا أناخ.. أقبل فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولى لك يا أبا خيثمة، ثمّ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير) .
قال ابن هشام: وقال أبو خيثمة في ذلك شعرا:
ولمّا رأيت الناس في الدين نافقوا
…
أتيت التي كانت أعفّ وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمّد
…
فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خصيبا في العريش وصرمة
…
صفايا كراما بسرها قد تحمّما
وكنت إذا شكّ المنافق أسمحت
…
إلى الدّين نفسي شطره حيث يمّما
وأمّا أبو ذرّ- واسمه جندب بن جنادة على ما صححه السهيلي-: فسبب إبطائه أنّ بعيره كان أعجف فقال: أعلفه أياما، ثمّ ألحقه عليه الصلاة والسلام، فعلفه أياما، ثمّ خرج فلم ير به حركة، فحمل متاعه على ظهره وسار، وبينما يمشي أبو ذرّ.. إذ نظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله؛ إنّ هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال صلى الله عليه وسلم:«كن أبا ذر» فلمّا تأمّله القوم.. قالوا: