الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجنّب الرسول صلى الله عليه وسلم لقاء قريش:
قال ابن إسحاق عند قوله عليه الصلاة والسلام: «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم؟» : (فحدّثني عبد الله بن أبي بكر: أنّ رجلا من أسلم قال: أنا يا رسول الله، قال: فسلك بهم طريقا وعرا أجرل- كثير الحجارة- بين شعاب «1» ، فلمّا خرجوا منه وقد شقّ ذلك على المسلمين، وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: «قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه» فقالوا ذلك، فقال: «والله؛ إنّها للحطّة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها» ) .
قال ابن شهاب: (فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: «اسلكوا ذات اليمين، بين ظهري الحمض»
وكان لا يحمله إن نزلا
…
عليه وحي غيرها ونقلا
أنّ اسمها الجدعاء والعضباء
…
فقد ترادفت لها الأسماء
قال شارحها الشيخ أحمد المأمون اليعقوبي: (وفي «ذخائر العقبى» : «تبعث الأنبياء على الدواب، ويحشر صالح على ناقته العضباء، ويحشر أبناء فاطمة على ناقته العضباء، وأحشر أنا على البراق، ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة» أخرجه الحافظ السلمي، ولا معنى لقول الناظم: «فقط» لأنّه يوهم أن ليس له من الإبل إلّا القصواء، مع أنّه ذكر بعد أنّ له عشرين لقحة) اهـ
(1)
قلت: لعلّ الطريق الوعر الأجرل الذي سلكه نبينا عليه الصلاة والسلام بهم، هو الطريق المشهور بالغائر الذي كانت تسلكه القافلة بالزوار على الجمال، وقد سلكناه بفضل الله تعالى عام زيارتنا لسيد الوجود في الذهاب والإياب سنة (1329 هـ) لا أحرمنا الله من زيارته مرات وكرات، أمين.
فاستنزل النّاس ولا ماء لهم
…
فاستنبطوا بالسّهم ما أعلّهم
بفتح الحاء المهملة، وإسكان الميم، وبالضاد المعجمة:
اسم موضع، في طريق تخرجه على ثنية المرار- بكسر الميم، وتخفيف الراء: طريق في الجبل، يشرف على الحديبية- مهبط الحديبية من أسفل مكة، قال: فسلك الجيش ذلك الطريق: فلمّا رأت قريش قترة الجيش- غباره- قد خالفوا عن طريقهم.. رجعوا راكضين إلى قريش، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا سلك في ثنيّة المرار.. بركت ناقته، فقال الناس: خلأت الناقة- أي: حرنت وبركت بلا علة- فقال صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت، وما هو لها بخلق. ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة- خصلة- يسألونني فيها صلة الرحم.. إلّا أعطيتهم إياها» ) .
ثمّ قال للناس: «انزلوا» قالوا له: يا رسول الله؛ ما بالوادي ماء ننزل عليه، فأخرج سهما من كنانته- جعبته التي فيها النبل- فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش بالرّواء- فار بالريّ، كما في رواية- حتى ضرب الناس بعطن- مبرك الإبل حول الماء- وهذا ما أشار له الناظم بقوله:
(فاستنزل الناس ولا ماء لهم) أي: فطلب من أصحابه النزول، وأمرهم به في مكان، والحال أنّه لا ماء لهم به غير الماء القليل المعبّر عنه بالثّمد الذي نزحوه فلم يبقوا منه شيئا
(ف) لذلك (استنبطوا) أي: استخرجوا (بالسهم) الذي انتزعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنانته وأعطاه لناجية بن جندب الأسلميّ، وهو الذي سلك بهم الطريق، وسماه صلى الله عليه وسلم: ناجية، لما نجا من قريش، وكان قبل يسمى ذكوان، وهو أيضا سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما) أي: الماء الكثير الذي (أعلّهم) أي: سقاهم به، والعلل: الشربة الثانية بعد الشربة الأولى، خلاف النّهل؛ فإنّه الشربة الأولى.
روى الإمام البخاريّ في «صحيحه» من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الطويل، يصدّق كل منهما حديث صاحبه: (أنّه عليه الصلاة والسلام قال- أي:
لكفار قريش الذين يريدون صدّه عن البيت-: «لا يسألوني خطّة يعظمون فيها حرمات الله.. إلا أعطيتهم إيّاها» ثمّ زجرها- أي: راحلته التي بركت- فوثبت، فعدل عنهم، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء «1» يتبرّضه الناس تبرّضا «2» ، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله؛ ما زال يجيش بالرّي حتى صدروا عنه) اهـ
(1) حفرة فيها ماء قليل.
(2)
يأخذونه قليلا قليلا.