الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزعم ابن قيس ان سيحفدا
…
رجالهم خلّته وأنشدا
فكبّر الناس بتكبيره، وركع فركعوا، ورفع فرفعوا.. قال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة قوم، جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس ولا الروم ذوات القرون بأطوع منهم له!
ولمّا عرض عليه الإسلام.. قال: كيف أصنع بالعزّى؟
فسمعه عمر من وراء القبة، فقال له: تخرأ عليها! فقال أبو سفيان: ويحك يا عمر! إنّك رجل فاحش، دعني وابن عمي فإياه أكلم.
ولمّا قالت هند المقالة السابقة، وقد أخذ الإسلام من قلبه كل مأخذ.. قال لها: والله؛ لتسلمنّ أو لأضربنّ عنقك، فأسلمت قبل انقضاء عدّتها، وبايعت، وأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحهما) .
استعداد حماس بن قيس لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم ثمّ انهزامه:
(وزعم) حماس (بن قيس) بن خالد، بكسر أوله، وتخفيف ثانيه، وآخره مهملة، على ما ضبطه الحافظ في «الإصابة» وذكره في القسم الأول من حرف الحاء وقال:
(إنّه الأصح من تسمية ابن عبد البر له خناس بن قيس) .
والزعم يطلق على القول الحق، ومنه حديث:«زعم جبريل» وعلى القول الكذب، ومنه قوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ويطلق أيضا على القول غير الموثوق به ومنه قوله:
إن يغلبوا اليوم فما لي علّه
…
هذا سلاح كامل وألّه
نبّئت قيسا ولم أبله
…
كما زعموا خير أهل اليمن
وحديث الترمذيّ: «بئس مطية الكذب زعموا» فجعله ابن عطية من الثاني، قاله الأبيّ في «شرحه على مسلم» ولعلّ الثاني، أو الثّالث هو المراد هنا؛ أي: كذب في (أن سيحفدا) أي: يخدم (رجالهم) أي: رجال المسلمين (خلّته) بضم الخاء؛ أي: زوجته، أي يأسرهم؛ فيكونوا خولا وخدما لزوجته، ولم تسمّ؛ وذلك أنّه كان يشحذ سلاحه ويصلحه قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له امرأته: لماذا تعدّ سلاحك؟ فيقول: لمحمّد وأصحابه، فتقول: لا أرى محمّدا وأصحابه يقوم لهم شيء، فيقول:
أرجو أن أخدمك منهم.
(وأنشدا) عند ذلك: (إن يغلبوا) بالبناء للفاعل؛ أي:
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليوم فما لي) أي:
فليس لي (علّة) ولا سبب؛ لأنّ (هذا سلاح كامل وألّه) بفتح الهمزة، وبعدها لام مشددة: جمع ألّ بالفتح أيضا، بمعنى: السلاح العريض، يقول في زعمه: إنّه لم يكن هناك سبب لغلبهم لنا؛ فإنّ لدينا من أسباب النصر ما يكفينا من أداة القتال، وما درى أنّ الله ناصر نبيه والمسلمين لا محالة، مهما كان العدوّ، ومهما كانت المعدّات الحربية، قال الله تعالى:
هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وقال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ.
وشهد المأزق فيه حطما
…
رمز (يب) من قومه فانهزما
وجاء فاستغلق بابه البتول
…
فاستفهمته أين ما كنت تقول
ثمّ شهد الخندمة مع صفوان بن أميّة، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، فلمّا لقيهم المسلمون من أصحاب خالد.. ناوشوهم شيئا من القتال، فقتل كرز بن جابر الفهري، وحبيش بن خالد الخزاعي- وكانا في خيل خالد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا- وأصيب من المشركين نحو اثني عشر، ثمّ انهزموا، فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته، ثمّ قال لامرأته: أغلقي عليّ بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فأنشد الأبيات، وإلى هذا أشار بقوله:
(وشهد) حماس (المأزق) بوزن مجلس، أصله:
المضيق، واستعاره الناظم لموضع القتال، قال في «الصحاح» :(المأزق: المضيق، ومنه سمي موضع الحرب مأزقا)«1» (فيه) أي: في موضع القتال (حطما) بالبناء للمفعول؛ أي: كسر (رمز «يب» ) أي: اثنا عشر (من قومه) المشركين، يرمز إليهم، ويشار بالياء والباء من حروف الجمّل (فانهزما) بألف الإطلاق مع قومه.
(وجاء) ابن قيس مبادرا من ساحة القتال إلى داره (فاستغلق) أي: طلب أن تغلق عليه (بابه) بالنصب، معمول لاستغلق (البتول) أي: زوجه البتول، وهو وصف
(1) مادة أزق.
فقال والفزع زعفر دمه:
…
إنّك لو شهدت يوم الخندمه
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه
…
واستقبلتنا بالسّيوف المسلمه
مدح، قال في «روض النّهاة» :(ولعلّ هذه المرة أسلمت؛ لوصفه إيّاها به) .
(فاستفهمته أين ما كنت تقول) من وعدك أنّك تهزم جماعة محمّد، وتجعل لي منهم خدما وخولا.
(فقال) في جواب ذلك (والفزع) أي: والحال أنّ الخوف (زعفر دمه) أي: جعله كلون الزعفران، وإنّما يعتري الإنسان ذلك من أجل شدة الذعر والخوف، والجملة معترضة بين القول ومقوله الذي هو:(إنّك) مخاطبا لامرأته، وهو بكسر الهمزة (لو شهدت يوم الخندمه) اسم جبل بمكة، وقع عنده القتال مع خالد بن الوليد (إذ فرّ صفوان) نجل أميّة (وفرّ عكرمه) بن أبي جهل، ومكانهما في الشجاعة والبسالة بالمقام المعروف، وقد أسلما بعد رضي الله عنهما، وبعد البيت:
وأبو يزيد قائم كالمؤتمه
…
(واستقبلتنا بالسيوف المسلمه)
يقطعن كل ساعد وجمجمه
…
ضربا فلا تسمع إلّا غمغمه
لهم نهيت خلفنا وهمهمه
…
لم تنطقي باللوم أدنى كلمه
وأبو يزيد: هو سهيل بن عمرو، وتقدم أنّه أسلم رضي الله عنه، والمؤتمة: المرأة ذات أيتام، والمسلمة:
وفاز من لاذ به واسترحمه
…
يومئذ إذ هو يوم المرحمه
المسلمون، والغمغمة: الأصوات التي لا تفهم من اختلاطها، والنهيت مكبرا: صوت الصدر، والهمهمة:
الكلام الخفيّ.
*** ثمّ أراد الناظم أن يذكر بعض مظاهر شفقة نبينا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، بقبول من استجار به في ذلك اليوم مع القدرة عليه، وعظيم ما صدر منه من جناية فقال:
(وفاز من لاذ) أي: لجأ (به، واسترحمه) أي: طلب رحمته وعطفه (يومئذ) أي: يوم الفتح لمكة (إذ هو) أي:
ذلك اليوم (يوم المرحمة)«1» لقريش، أعزّها الله فيه.
واعلم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان قد عهد إلى أمرائه حين أمرهم بدخول مكة، أن لا يقاتلوا إلّا من قاتلهم إلّا نفرا سمّاهم؛ فإنّهم يقتلون ولو وجدوا تحت أستار
(1) هذا اليوم سمّاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنّ الكتائب لمّا كانت تمر يوم الفتح بأبي سفيان.. فأقبلت كتيبة لم ير مثلها، فقال: من هذه؟ قال العباس: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة بيده الراية، فقال سعد لأبي سفيان: اليوم يوم الملحمة أي: يوم الحرب، أو يوم القتال- اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذلّ الله قريشا، فقال أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت بقتل قومك؟ قال: «لا» فذكر له قول سعد، فقال:«يا أبا سفيان؛ اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز فيه الله تعالى قريشا» وأرسل إلى سعد، فأخذ الراية من يده، فدفعها إلى ابنه قيس، ورأى صلى الله عليه وسلم أنّ اللواء لم يخرج عنه؛ إذ صار لابنه.