الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وناشهم سلمة بن الأكوع
…
وهو يقول اليوم يوم الرّضّع
الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح ممّا ذكره أصحاب السّير، يعني: من أنّها سنة ستّ في ربيع الأوّل، أو في جمادى الأولى، أو في شعبان قبل الحديبية) «1» .
سبب هذه الغزوة:
ثمّ أشار للغزوة مع بيان سببها فقال: (خرج) صلى الله عليه وسلم (في إثر) بكسر الهمزة؛ أي: أثر- بفتحها- كما في «المختار» (لقاحه) بوزن كتاب، جمع لقحة: القريبة العهد بالنّتاج والولادة.
وكانت عشرين لقحة ترعى بالغابة، وكان أبو ذرّ فيها، وابنه وامرأته، فأغار عليها عيينة بن حصن الفزاريّ في أربعين فارسا من غطفان، فاستاقوها، وقتلوا ذرّا ابن أبي ذرّ، وكان راعي اللقاح، وأسروا المرأة.
فخرج عليه الصلاة والسلام لذلك (وجد) معطوف على قوله: (خرج) أي: خرج، وأسرع في السير في خمس مئة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وخلّف سعد بن عبادة في ثلاث مئة يحرسون المدينة.
بسالة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في استنقاذ اللقاح:
(وناشهم) أي: تناول المغيرين (سلمة) بن وهب (بن الأكوع) وقيل: سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع:
(1) وكانت هلال ذي القعدة سنة ست.
سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة الأسلميّ، يكنى أبا إياس، بايع تحت الشجرة، قيل: إنّه الذي كلّمه الذئب، كان شجاعا، فاضلا، راميا يسبق الفرس، روى عنه ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، وقال إياس: ما كذب أبي قطّ، مات بالمدينة سنة أربع وسبعين، استلب يومئذ وحده قبل أن تلحق به الخيل من العدوّ ثلاثين بردة، وثلاثين درقة، وقتل منهم بالنبل كثيرا، فكلّما هربوا.. أدركهم، وكلّما راموه.. فاتهم (وهو يقول: اليوم يوم الرضّع) جمع راضع؛ أي: اللئيم، أي: اليوم يوم حين اللئام- بفتح حاء حين- أي: يوم هلاكهم، والراضع: هو الذي رضع اللؤم من ثدي أمه، فصار سجيته التي لا تفارقه، أو الذي يرضع ما بين أسنانه حرصا على الشبع؛ ليستكثر من التجشع، يعني: أنّ سلمة كان إذا رماهم.. يقول:
خذها وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرضّع
روى البخاري ومسلم عن سلمة: (خرجت قبل أن يؤذّن بالأولى «1» ، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام لعبد الرّحمن بن عوف، فقال:
أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: من أخذها؟ فقال: غطفان وفزارة. قال: فصرخت ثلاث
(1) يعني: صلاة الصبح، وفي «مسلم» :(أنّه تبعهم من الغلس إلى غروب الشمس) اهـ
صرخات: يا صباحاه! قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي- أي: لم ألتفت يمينا ولا شمالا- وكان شديد العدو- حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميا، وأقول:
أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
فأرتجز، حتى استنقذت اللّقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة.
قال: وجاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم والناس، فقلت:
يا نبيّ الله؛ إنّي قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال:«يا ابن الأكوع؛ ملكت فأسجح» «1» قال: ثمّ رجعنا ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته، حتى دخلنا المدينة) اهـ
وقال في «شرح المواهب» عن مسلم وابن سعد: (قال يعني سلمة-: (فأقبلت أرميهم بنبلي وأرتجز، فألحق رجلا منهم، فأمكنه سهما في رجله، فيخلص السهم إلى كعبه، فما زلت أرميهم وأعقرهم، فإذا رجع إليّ فارس منهم.. أتيت شجرة فجلست في أصلها ثمّ رميته، فعقرت به، فإذا تضايق الجبل فدخلوا في مضايقه.. علوت الجبل فرميتهم بالحجارة،
(1) أسجح- بهمزة قطع فسين ساكنة ثم جيم وبعدها حاء- بمعنى: سهل، والسجاحة: السهولة، والمعنى: قدرت فاعف.
وفرض الهادي له سهمين
…
لسبقه الخيل على الرّجلين
واستنقذوا من ابن حصن عشرا
…
وقسم النّبيّ فيهم جزرا
فما زلت كذلك حتى ما خلق الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير.. إلّا خلّفته وراء ظهري، ثمّ أتبعهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا؛ يتخففون منها.
فأتوا مضيقا، فأتاهم عيينة ممدّا لهم، فجلسوا يتغدّون، وجلست على رأس قرن، فقال: من هذا؟ قالوا: لقينا من هذا البرح- الشدة والأذى- ما فارقنا السّحر حتى الآن، وأخذ كل شيء في أيدينا، وجعله وراء ظهره، فقال عيينة: لولا أنّه يرى وراءه طلبا.. لترككم، ليقم إليه أربعة منكم، فصعدوا في الجبل، فقلت لهم: أتعرفونني؟ فقالوا: ومن أنت؟! قلت: ابن الأكوع، والذي أكرم وجه محمّد؛ لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، فقال رجل منهم:
أظن، فرجعوا، فما برحت مكاني، حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ
(وفرض الهادي) صلى الله عليه وسلم (له) أي:
لسلمة بن الأكوع (سهمين) سهم الراجل والفارس (لسبقه الخيل على الرجلين) قال سلمة: (فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الراجل والفارس جميعا) .
أمر عيينة بن حصن:
(واستنقذوا) أي: استخلص أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم (من) عيينة (ابن حصن) المعروف بالأحمق
المطاع في قومه، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:«إنّ شر الناس من ودعه الناس اتقاء شره» .
وقال فيه: «أداريه؛ إنّي أخشى أن يفسد علي خلقا كثيرا» .
وقال فيه: «إنّا لنبشّ في وجوه قوم، وإنّ قلوبنا لتلعنهم» .
ودخل يوما المسجد، فكشف ثيابه، وبال فيه، فصاح المسلمون، فقال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«لا تزرموه» أي: لا تقطعوا عليه بوله، فأمر بماء فصبّ على البول.
ودخل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بغير إذن، فلمّا قال له:«أين الإذن؟» قال: ما استأذنت على أحد قبلك من مضر، وقال: ما هذه الحميراء التي معك يا محمد؟ قال:
«هي عائشة بنت أبي بكر» فقال: طلّقها، وأنا أنزل لك عن أجمل منها، أم البنين بنت حذيفة، في أشياء كثيرة تذكر من جفائه.
(عشرا) من اللّقاح، وكانت عشرين؛ أي: ونجا العدوّ بعشر، كذا قاله الناظم تبعا لأصله، وقال الواقدي وابن سعد، وذكره في «المواهب» عنهما، وهو مخالف لقول سلمة في «الصحيحين» :(إنّه استنقذ جميع اللّقاح) قال الشاميّ: (وهو المعتمد لصحة سنده) .