الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة الثانية في المغازي وفضل علمها وتعلّمها
الغزاة: المرة الواحدة من الغزو، والجمع غزوات، مثل: شهوة، وشهوات، والمغزاة كذلك، والجمع المغازي، والفاعل غاز، يقال: غزوت العدوّ غزوا، ويعدّى بالهمزة، فيقال: أغزيته، إذا بعثته يغزو، وإنّما يكون غزو العدو في بلاده، كذا في «المصباح» .
قلت: والمراد هنا بالمغازي ما كان عن قصد منه عليه الصلاة والسلام للكفار بنفسه الشريفة، أعم من أن يكون إلى بلادهم، أو إلى الأماكن التي حلّوها ونزلوها؛ حتى يشمل مثل أحد، والخندق.
وقد جاء في فضل هذا الفن أخبار وآثار كثيرة:
منها: ما روي عن محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزّهري قال: (في علم المغازي خير الدنيا والآخرة) .
وعن سيد أهل زمانه زين العابدين سيدنا علي بن الحسين رضي الله عنهما قال: (كنّا نعلّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلّم السور من القرآن) .
وعن إسماعيل بن محمّد بن سعد بن أبي وقاص الزّهري:
(كان أبي يعلّمنا المغازي والسرايا، ويعدّها علينا، ويقول:
يا بنيّ؛ هذه شرف آبائكم، فلا تضيعوا ذكرها) روى ذلك كله الخطيب البغدادي في «الجامع» ، وابن عساكر في «تاريخه» ، كما ذكره الشامي.
قلت: انظر إلى ما كان لأسلافنا الأماجد من المجد الباذخ، والمدنيّة الإسلامية الحقّة، وانظر إلى عنايتهم في وصايتهم لأبنائهم بالحرص على علم المغازي، والمحافظة عليه؛ فإنّ في ذلك أعظم منبّه يحرك في نفوسهم باعث الجد، والنشاط، والجهاد في سبيل الله، فيزدادون في ذلك حبا، وله تعظيما، فينشأون وقد تربّت فيهم ملكة التقديس لدينهم، والغيرة عليه، والذود عنه، والحرص على إعلاء كلمة الله، الكفيل لهم بسعادة الآخرة والأولى؛ وفي ذلك مجد لا يسامى، وعزة لا تضارع، وبذلك يعرفون عن بيّنة حقيقة الإسلام، ومبادئه، وتعاليمه، وفضائله، وما فيه من حضارة تفوق كل حضارة، ويعرف أولئك المفتونون الذين يولّون وجهتهم إلى الغربيين أنّهم مخدوعون بالعناوين الظاهرة، والبروق الخلابة؛ لأنّهم لم يطّلعوا على الحقائق الإسلامية فيتخلقوا بها.
وإنّ في النظر إلى ما لأسلافنا الكرام القادة في الحرب والسلم من المقدرة الفائقة، والبطولة النادرة، والتضحية بالمهج الغالية في سبيل العقيدة الحقة، والمبادئ الفاضلة..
ما يملأ القلوب إيمانا بفضلهم، وإعجابا بصنعهم، وإكبارا لجلائل أعمالهم، وحرصا على التأسّي بهم.
وفق الله تعالى الأمّة للنظر فيما لسلفها الصالح؛ حتى تفيق من غفلتها، وتنهض من كبوتها، وتتذكر بذلك ما كان لها من عظمة، ومجد، فتعمل لاسترجاعه، وتتبوّأ المكان اللائق بها، آمين.