الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف بصاحب النظم
ترجم له الأستاذ أحمد بن الأمين العلوي الشنقيطي في كتابه «الوسيط في تراجم أدباء شنقيط» طبعة الجمالية بالقاهرة، سنة (1329 هـ) - (1911 م) فقال:
(أحمد البدوي المجلسي ثم البوحمدي: هو العالم الكبير والنسّابة الشهير، وهو الذي أحيا أنساب العرب، بنظمه «عمود النسب» وقد أجاد فيه ومن تأمّل نظمه علم سعة اطّلاعه واقتداره في ذلك الفن، ونظم أيضا غزوات النّبيّ صلى الله عليه وسلم نظما جيدا، يدل على تبحّره في السيرة) .
وقال: (إنّه ليس من المتقدمين؛ وما أدري في أي تاريخ كان) اهـ
وقال الشيخ غالي بن المختار: قال البساتي الشنقيطي في «وسيلة الخليل إلى بعوث صاحب الإكليل» : (البدوي رحمه الله تعالى: هو أحمد الإمام الشهير بن سيدي محمّد بن أبي أحمد المجلسي) اهـ ولم يزد على ذلك.
أمّا «عمود النسب» فيزيد على ألف بيت، وممّا قاله في طالعته:
حمدا لمن رفع صيت العرب
…
وخصّهم بين الأنام بالنّبي
وعمّهم إنعامه بنسبته
…
فدخلوا بيمنها في زمرته
ودوّخوا بسيفه غلب العجم
…
إذ هم بنو أب وأم بالحرم
إذ الخيول البلق في فتوحهم
…
والرعب والظفر في مسوحهم
هم صفوة الأنام من أحبّهم
…
بحبّه أحبّهم وودّهم
كذاك من أبغضهم ببغضه
…
أبغضهم تبّا له من معضه
أئمّة الدين عماد السنّه
…
لسانهم لسان أهل الجنّه
جمان سلك نسب النّبي
…
ناهيك من سلك ومن بني
ثمّ الصلاة والسلام سرمدا
…
على أجل المرسلين محتدا
وبعد فالعلوم من أعظمها
…
فائدة فكان من أهمها
علم عمود نسب المختار
…
ثم عمود نسب الأنصار
إذ منهما تشعّب الإيمان
…
والنور والحكمة والفرقان
هذا ووجدت في ظهر نسخة خطّية عتيقة من «عمود النسب» كتبت سنة ألف ومئتين وخمس وثمانين، أنّ الناظم توفي تقريبا في العام العشرين بعد الألف والمئتين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فرحمه الله، وجزاه خيرا عن الإسلام والمسلمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
الحمد لله الذي جعل العلوم منحا إلهية، ومواهب اختصاصية، وجعل علم المغازي من بينها نبراسا يهتدي بمشكاته السائرون، وسببا متينا يتوصل به السالكون.
والصلاة والسلام على من أضاءت قبل وجوده إرهاصاته، وأكرم بها من إرهاصات، وأشرقت في أسرّة طلعته آياته، وأعظم بها من آيات، النّبيّ الأمّيّ، الذي أنار الله الدّجى بطلعة أنواره، فهو سيد الكائنات، ومحا ببعثته معالم الشرك، ومحق بصارم سيفه هام أعدائه فهم في الدركات، رسول الملاحم، ونبيّ الرحمة، الذي بوّأه الله المنزلة العليّة، فهو صاحب المقام المحمود، ومنحه مواهب الشرف في المقامات السنيّة، فهو الشاهد المشهود، سيدنا محمّد، الذي ألبسه الله من الحلل السندسية، حلّة لا تريم «1» ، ورتبة لا ترام، فهو سيد الإنس والجن قبل وبعد، بل سائر البرايا والأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله، فقد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، وجاهد في سبيل الله، وقام بنصح الأمّة حقا.. حتى أخذ بحجزها «2» عن الوقوع في المهواة، وعلى آله وصحبه، الذين
(1) لا تريم: لا تبرح، يريد لا تزول ولا تبلى جدتها.
(2)
بضم الحاء وفتح الجيم، بعدها زاي، جمع حجزة، وهي معقد الإزار، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّما مثلي ومثل أمّتي، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم-
هم أشدّاء على الكفار، رحماء بينهم، يبتغون فضلا من الله.
أمّا بعد:
فإنّه لمّا كان (علم المغازي) من العلوم الشريفة التي يتنافس فيها المتنافسون، ويشمّر عن ساعد الجد في تحصيلها العاملون؛ إذ هو علم يحثّ المرء على الاقتداء بخير الأنام، ويدعو إلى التخلّق بحقائق أقواله وأفعاله الموصلة إلى دار السلام، وإنّه لعلم يريك بصورة مكبّرة ذلك العهد النّبوي الأنيق، فتستنشق ريّاه، ويعبق لك شذاه، وتشرب من كأسه المختوم الرحيق، وكان هذا من بعض ثمرات هذا الفن، كما هو بديهي لدى كل خبير حاذق مفن.. عنّ لفهمي القاصر أن أنتسب لذلك الجناب الرفيع النّبوي، بخدمة «منظومة المغازي» للإمام الجليل أحمد بن محمّد البدوي الشنقيطي، وشرحها شرحا يناسب طلبة العلم بديارنا المكّية، التي انبثق منها فجر العلم؛ ليوجّهوا إلى ذلك عنايتهم، ويثبتوه درسا من المقررات؛ فإنّ من القبيح أن يجهل الإنسان أحوال ساداته، فكيف بأحوال سيد السادات؟! بل ينبغي أن تعطّر النوادي بذكر أخباره عليه الصلاة والسلام؛ فإنّها لم تعمر مجالس الخير بعد كتاب الله تعالى بأحسن من أخبار من هو الرحمة المهداة للأنام.
وقد اعتمدت في هذا الشرح على شرح العلّامة الشيخ حمّاد بن الأمين الشنقيطي ابن أخي الناظم على هذا النظم،
- تقحمون فيها» ، ورواه الترمذي في آخر أبواب الأمثال، وقال: حديث حسن صحيح. اهـ
وهو شرح على طريقة المتقدمين غير مزج، يذكر جملة من أبيات النظم، ويتكلّم عليها على عادة علماء ذلك القطر في الإسهاب، والولوج في كل فن وباب.
ثمّ على سيرة أبي محمّد عبد الملك بن هشام، و «الروض الأنف» عليها، للعلامة أبي القاسم عبد الرّحمن السهيلي، وعلى السيرة للحافظ الشمس أبي عبد الله محمّد بن يوسف الشامي، وغير ذلك ممّا تراه هنا معزوّا.
وإنّي أعتذر لأولي البصائر والألباب بكثرة العوائق، وقلة البضاعة، وعدم توافر الأسباب، فإن وقفوا في ذلك على خطأ.. أصلحوه، أو على نقص بعد التأمّل.. ألحقوه، فقلّما يسلم الإنسان من الخطأ، ولا بد أن تقصّر به الخطى، أسأل الله أن يمنّ على العبد الضعيف بإتمام هذا الشرح، ويجعله من الأعمال الموجبة للغفران والصفح، وأن يرزقني به النفع، ويكسوه حلة القبول، ويجعله من العمل الخالص الموصل للمأمول.
وقد صدّرت الشرح بمقدمات شريفة تناسب الموضوع، فعسى الله أن يثيبني على هذا العمل، ويجعله من العمل المتقبّل المرفوع؛ فإنّه عمدتي، وبه ثقتي.