الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيئهم والفيء في الأنفال
…
ما لم يكن أخذ عن قتال
العصر بفناء بني النّضير، وعليّ رضي الله عنه يحمل رايته، فلمّا رأوه صلى الله عليه وسلم.. قاموا على حصونهم، ومعهم النّبل والحجارة، واعتزلهم ابن أبيّ، ولم يعنهم، كما قال الناظم:
(ونقضا) أي: أبطل (نجل أبيّ) عبد الله (عهدهم) أي: عهده إياهم بالمدد والنصرة (ورفضا) وكذلك حلفاؤهم من غطفان، فقال ابن مشكم وكنانة لحييّ: أين الذين زعمت؟ قال: ما أصنع؟ هي ملحمة كتبت علينا، فيئسوا من نصرهم، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم، وقطع نخلهم، وقال لهم عليه الصلاة والسلام:«اخرجوا منها، ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل، إلا الحلقة «1» » .
فنزلت يهود على ذلك، فكانوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وولي إخراجهم محمّد بن مسلمة، وحملوا النساء، والصبيان، وتحملوا أمتعتهم على ست مئة بعير، فلحقوا بخيبر وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال، والحلقة فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاث مئة وأربعين سيفا وحزن عليهم المنافقون حزنا شديدا.
فيئهم للرسول صلى الله عليه وسلم وقد خصّ به المهاجرين برضا الأنصار:
(وفيئهم) أي: بني النضير، وهو مبتدأ خبره: (لخير
(1) بإسكان اللام: هي السلاح كله، وقيل: الدرع والمراد هنا الأول.
أمّا الغنيمة ففي زحاف
…
والأخذ عنوة لدى الزّحاف
لخير مرسل وخصّ فئته
…
وفي رضا أنصاره عطيّته
مرسل) وما بينهما معترض؛ لبيان معنى الفيء والغنيمة المشار إليه بقوله: (والفيء في الأنفال) جمع نفل، كسبب وأسباب؛ أي: الغنيمة (ما) أي: الغنم الذي (لم يكن أخذ عن قتال) بل أوجف عليه المسلمون بلا خيل، ولا ركاب، قال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(أمّا الغنيمة) المقابلة للفيء (ف) هي: ما أخذت (في) حال (زحاف) للجيش، وهو بكسر الزاي (والأخذ) أي: مع الأخذ (عنوة) بفتح العين؛ أي: قهرا باستعانة السيف (لدى الزّحاف) أي القتال.
وكذلك كانت أموال بني النّضير فيئا، وهي (لخير مرسل) صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في الآية.
قال الشهاب القسطلاني في «المواهب» : (ولم يسهم منها؛ أي: من أموال بني النّضير لأحد؛ لأنّ المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإنّما قذف في قلوبهم الرّعب، وأجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين لهم) .
(وخصّ) النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالعطاء من الفيء المذكور (فئته) أي: طائفته المهاجرين، فقسمها بينهم؛
كان التّرحّم على الأنصار
…
أن آثروا به بني نزار
ليرفع بذلك مؤونتهم عن الأنصار؛ إذ كانوا قاسموهم في الأموال، والديار، غير أنّه أعطى سهل بن حنيف، وأبا دجانة لحاجتهما، وأعطى أيضا سعد بن معاذ سيف كنانة بن أبي الرّبيع بن أبي الحقيق وهو سيف له ذكر عندهم (وفي رضا) أي: بسبب رضا (أنصاره) صلى الله عليه وسلم، وهو فاعل للمصدر، ومفعوله قوله:(عطيّته) للمهاجرين ما أفاء الله عليه من أموال بني النّضير؛ أي: بسبب ذلك (كان الترحم) منه عليه الصلاة والسلام (على الأنصار) إذ قال:
«اللهمّ؛ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار» (أن آثروا) أي:
قدّم الأنصار على أنفسهم (به) أي: بالفيء المذكور (بني نزار) أي: المهاجرين.
قال اليعمريّ في «عيون الأثر» : (لما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النّضير.. دعا ثابت بن قيس بن شماس، فقال:«ادع لي قومك» فقال ثابت: الخزرج يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «الأنصار كلها» فدعا له الأوس والخزرج، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم وأموالهم، وإيثارهم على أنفسهم، ثمّ قال: «إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله تعالى عليّ من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في