الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمّ النّضير هاجها أن جاءهم
…
مستوهبا من دية ما نابهم
واختلف أهل السّير في السنة التي كانت فيها هذه الغزوة فذهب الزّهريّ وجماعة، وصدّر به الإمام البخاريّ تعليقا جزما: أنّها كانت بعد غزوة بدر، وقبل أحد، وقال في (الهدي) :
(الصحيح الذي عليه أهل السير: أنّها بعد غزوة أحد، وللنّبيّ صلى الله عليه وسلم مع اليهود أربع غزوات: أوّلها: غزوة قينقاع بعد بدر، والثّانية: غزوة بني النّضير بعد أحد، والثّالثة: غزوة بني قريظة، بعد الخندق، والرابعة: خيبر، بعد الحديبية، وذهب ابن إسحاق إلى أنّها كانت بعد أحد وبئر معونة، ورجّح المحققون من الحفّاظ قوله، قالوا: وكانت في ربيع الأوّل من السنة الرابعة، على رأس خمسة أشهر من غزوة أحد، وإيّاهم تبع النّاظم فقال:
سبب هذه الغزوة:
(ثم النّضير هاجها) أي: أثار الغزوة المفهومة من المقام، وفاعل هاج: المصدر المنسبك من قوله: (أن جاءهم) بفتح الهمزة؛ أي: مجيئه صلى الله عليه وسلم إياهم حال كونه (مستوهبا) أي: طالبا هبة (من دية) وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف، فيسهل الدفع منهم، وهو بيان لقوله:(ما نابهم) أي: نزل بهم، والمراد: دية العامريّين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضّمري، مرجعه من بعث بئر معونة، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم عقد لهما جوارا، ولم يعلم به عمرو، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
فأصعدوا أحدهم ليلقيا
…
عليه صخرة تريح الأغبيا
«قتلت قتيلين لأدينّهما» وعمرو يرى أنّه أصاب ثأرا بهما، ببعض أصحابه الذين قتلوا ببئر معونة.
فخرج عليه الصلاة والسلام يوم السبت، فصلّى في مسجد قباء ومعه رهط من المسلمين، ثمّ جاء بني النضير فجلس يكلمهم في ذلك، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، ممّا استعنت بنا عليه، وقد آن لك أن تزورنا، وأن تأتينا، اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك، ونقوم فنتشاور، ونصلح أمرنا فيما جئتنا به، ثمّ كان ما أشار إليه الناظم بقوله:
(فأصعدوا أحدهم) وهو عمرو بن جحاش، فإنّه قال:
أنا لذلك، لما اختاروه لعمل السوء (ليلقيا عليه صخرة تريح) اليهود (الأغبيا) ء: جمع غبيّ، وهو الذي لا يفطن ومنه:
وغبيّ من ساءه المنّ والسّلوى
…
وأرضاه الفوم والقثّاء
وذلك بعد أن خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنّكم لن تجدوه على مثل هذا الحال منفردا ليس معه أحد من أصحابه إلّا نحو العشرة، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قاعدا إلى جنب جدار، وفي رواية: قالوا- لما رأوا قلّة أصحابه-: نقتله ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة، فنبيعهم من قريش، فقال سلّام بن مشكم لليهود: لا تفعلوا، فوالله ليخبرنّ بما هممتم به، وإنّه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه، كما أشار لذلك بقوله:
وأخبر ابن مشكم أن يخبرا
…
وزجر الرّهط فلم ينزجرا
وجاءه الخبر من ربّ السّما
…
وفي حصارها العقار حرّما
(و) لما أجمع اليهود غدرا بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم (أخبر) بالبناء للمعلوم؛ أي: أخبرهم سلّام (ابن مشكم) بوزن منبر (أن يخبرا) بالبناء للمفعول؛ أي: بأنّه صلى الله عليه وسلم يخبر من طريق الوحي بما تقدم، وفي رواية: قال لهم: يا قوم؛ أطيعوني في هذه المرة، وخالفوني الدهر، والله لئن فعلتم ليخبرنّ بأنا قد غدرنا به، وإنّ هذا نقض للعهد الذي بيننا وبينه (وزجر الرّهط) بسكون الهاء، وتفتح كثيرا؛ أي: قومه وقبيلته (فلم ينزجرا) أي: الرهط بالألف المنقلبة عن النون الخفيفة.
(وجاءه الخبر) أي: خبر القوم، وما أسرّوه بينهم (من رب السما) ء.
قال ابن إسحاق: (وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من رب السماء، مع جبريل عليه السلام، بما أراد القوم، فقام عليه الصلاة والسلام مظهرا أنّه يقضي حاجته، خوفا أن يفطنوا له؛ فيؤذوا أصحابه؛ ولذلك ترك أصحابه في مجالسهم، ورجع مسرعا إلى المدينة، ثمّ إنّ أصحابه صلى الله عليه وسلم استبطأوه، فقاموا في طلبه، فقال لهم حيي:
لقد عجل أبو القاسم، كنا نريد أن نقضي حاجته ونقريه، وندمت اليهود على ما صنعوا، قال موسى بن عقبة: ونزل في ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَ