الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمّ قريظة إليها جبرئيل
…
ولم يضع سلاحه استدعى رعيل
والله سبحانه وتعالى أعلم
(19) غزوة بني قريظة
بضم القاف، وفتح الراء، وسكون التحتية، وبالظاء المعجمة. قال الزرقاني في «شرح المواهب» : (قال السمعاني: اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة بقرب المدينة، فنسبت إليهم، وقريظة والنّضير أخوان من أولاد هارون.
وذكر عبد الملك بن يوسف: أنّ بني قريظة كانوا يزعمون أنّهم من ذرية شعيب نبيّ الله- قال الحافظ: وهو محتمل- وأنّ شعيبا كان من بني جذام، القبيلة المشهورة، وهو بعيد جدا) اهـ
قلت: وبنو قريظة كانوا يسكنون العوالي من المدينة، ففيها منازلهم.
أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل عليه السلام بقتال بني قريظة:
(ثمّ قريظة) أي: غزوتها بعد الخندق، بل كانت عقبها بلا مهلة؛ فإنّه صلى الله عليه وسلم لما دخل المدينة في اليوم
الذي انصرف فيه من الخندق- وهو عند ابن سعد يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة «1» - خرج لغزوهم باستدعاء جبريل لهم كما قال: (إليها) أي: استدعى إلى بني قريظة (جبرئيل) بالهمز بعدها ياء على إحدى لغاته، فقوله:
(إليها) يتعلق ب (استدعى) الواقع خبرا عن قوله:
(جبريل)، والجملة خبر عن قوله:(ثمّ قريظة)، وقد وقع بينهما الجملة الحالية معترضة وهي قوله:(ولم يضع) أي:
والحال أنّه لم يضع جبريل عليه السلام (سلاحه استدعى) أي: جبرئيل، ومعموله (رعيل) وقف به على لغة ربيعة، والرعيل: الجماعة القليلة، نحو العشرين أو الخمسة والعشرين من الخيل.
روى الإمام البخاري في (باب الجهاد) من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (أنّه لمّا رجع صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل.. أتاه جبريل فقال: قد وضعت السلاح؟! والله ما وضعناه، فاخرج إليهم. قال:
«فإلى أين؟» قال: ههنا، وأشار إلى بني قريظة) اهـ، فخرج النّبي صلى الله عليه وسلم إليهم.
وروى البخاري أيضا من حديث أنس رضي الله عنه قال:
(لكأنّي أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة) .
(1) وفي «الإمتاع» : (لسبع خلون من ذي الحجة) .
وقاده وزلزل الحصونا
…
وقذف الرّعب ولا يدرونا
واستذمر النّبيّ خيل الله
…
وعن صلاة العصر قام النّاهي
(وقاده) أي: قاد جبريل الرعيل إلى بني قريظة (وزلزل) حرّك (الحصونا) لبني قريظة (وقذف الرّعب) والفزع في قلوبهم (و) هم على حين غفلة (لا يدرونا) ذلك.
(واستذمر) أي: استحثّ وحضّ (النبيّ) صلى الله عليه وسلم.
في «القاموس» و «شرحه» : (الذّمر بالفتح: الملامة والحض [معا] ، والتهدد والغضب والتشجيع، وفي حديث عليّ: «ألا وإنّ الشيطان قد ذمر حزبه» أي: حضّهم وشجّعهم) .
ومعمول (استذمر) قوله: (خيل الله) أي: أصحابها قائلا: «يا خيل الله اركبي» «1» لمن بعثه أن ينادي بها، قال الشاميّ:(المنادي هو بلال) .
وخرج صلى الله عليه وسلم وقد لبس الدرع والمغفر والبيضة، وتقلد القوس، وركب فرسه، ثم سار إليهم في المسلمين، وهم ثلاثة آلاف، والخيل ستة وثلاثون فرسا، واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم.
(1) قال بعضهم: هو على المجاز والتوسّع، وقال في «شرح المواهب» عن شيخه:(الأظهر: أنّه نزل الخيل منزلة المقاتلين، حتى كأنّها هي التي يوجد منها الفعل، فخاطبها بطلب الركوب منها، والمراد أصحابها، فلمّا عبر بالخيل.. راعى لفظها، فأسند الفعل إليها؛ أي: فقال اركبي) اهـ، وقيل غير ذلك.
إلّا بهم ولم يعب من أخّرا
…
إلى العشاء إذ يراه ائتمرا
(وعن صلاة العصر) يتعلق بقوله: (قام) ، والواو في الحقيقة داخلة على الفعل، يعني: وقام (الناهي) عن صلاة العصر أن تصلى (إلّا بهم) أي: ببني قريظة، ويشير بهذا إلى قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح عن ابن عمر:
«لا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة» .
(ولم يعب من أخّرا) أي: لم ينسب من أخّر العصر (إلى العشاء) إلى العيب، ولم يعنّفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّهم إنّما أخروها لفهمهم النّهي عن فعلها قبل بني قريظة وإن خرج الوقت، كما هو ظاهر اللفظ؛ (إذ يراه) أي: يرى أنّ من أخرها عن وقتها قد (ائتمرا) أي: فعل ما أمر به، قال ابن عمر في الحديث السابق:(فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فلم يعنّف واحدا منهم) .
قال في «شرح المواهب» : (في رواية ابن إسحاق:
فصلوا العصر بها- أي: ببني قريظة- بعد العشاء الآخرة، فما عابهم الله في كتابه، ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السهيلي وغيره:«في هذا الحديث من الفقه: أنّه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية» ، ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه؛ أي: ممّن كان له أهلية، وفيه كل مجتهد في الفروع مصيب) اهـ
وخيّر ابن أسد قريظته
…
بين ثلاث وازدروا روّيته
قلت: وهو المشار إليه في قول حسان زمانه رضي الله عنه «1» :
كلهم في أحكامه ذو اجتهاد
…
وصواب وكلهم أكفاء
نعم؛ المصيب في القطعيات والمعتقدات واحد لا غير، وقد تكفل علم الأصول بتفصيل ذلك، وذكر أدلة كل، فليراجع في كتبه.
تخيير كعب بن أسد لقومه بين خلال ثلاث، ورفضهم لها:
وقد حاصرهم المسلمون خمسا وعشرين ليلة كما قاله ابن إسحاق (و) لما اشتد عليهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرّعب.. (خيّر) كعب (بن أسد) رئيس بني قريظة (قريظته) بالنصب معمول لخيّر، مضاف لضمير كعب؛ لأنّه رئيسهم، وأشار إلى المخيّر فيه بقوله:(بين ثلاث) من الخلال.
(وازدروا) أي: احتقر بنو قريظة (رويّته) بكسر الواو وشد الياء المفتوحة؛ أي: رأيه؛ فإنّه لما قال لهم:
(يا معشر يهود؛ قد نزل بكم ما ترون، وإنّي أعرض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيّها شئتم.. قالوا: وما هي؟ قال:
نتابع هذا الرجل ونصدقه، فوالله؛ لقد تبيّن أنّه نبيّ مرسل،
(1) المراد به: شرف الدين البوصيري رحمه الله في «همزيته» .
أن يؤمنوا فيأمنوا فقد دروا
…
في كتبهم ما عنه إذ جاء أبوا
وأنّه للّذي تجدونه في كتابكم، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم. فأبوا، قال: فإذا أبيتم عليّ هذه.. فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه رجالا مصلتين «1» السيوف، لم نترك وراءنا ثقلا «2» ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد، فإن نهلك.. نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه، وإن نظهر.. فلعمري؛ لنجدنّ النساء والأبناء.
فقالوا: أيّ عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟! فقال: فإن أبيتم عليّ هذه، فإنّ الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمّد وأصحابه قد أمنونا فيها، فانزلوا لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة. قالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلّا من قد علمت، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ؟! قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما) ذكر ذلك ابن إسحاق.
وأشار الناظم إلى الخلّة الأولى بقوله: (أن يؤمنوا) برسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأمنوا) على دمائهم من القتل، وعلى أموالهم وأبنائهم ونسائهم من الأسر والسّلب (فقد دروا) وعلموا (في كتبهم) كالتوراة (ما) أي: الأمر الذي (عنه) يتعلق بقوله: (أبوا)، وقوله:(إذ جاء) ظرف لقوله: (أبوا) قدّم عليه؛ أي: فقد علم بنو قريظة
(1) جمع مصلت- بكسر اللام وبالصاد المهملة الساكنة- أي: مجردين السيوف من أغمادها.
(2)
بفتح المثلّثة والقاف، ويجوز كسر الثاء.
أو يحصدوا النّساء والصّبيانا
…
فلم يخلّوا خلفهم إنسانا
أو يفتكوا في السّبت إذ يأمنهم
…
جيش العرمرم ولا يأبنهم
نعته صلى الله عليه وسلم الذي أبوا عنه لما جاءهم، وقد ذكر الله عز وجل أنّ اليهود كانت تستنصر الله على الكافرين من مشركي العرب، وتقول إذا حزبهم أمر أو دهمهم عدوّ:
اللهم؛ انصرنا عليهم بالنّبيّ المبعوث في آخر الزمان، الذي نجد صفته في التوراة، فكانوا ينصرون، فقال تعالى في كتابه العزيز المبين: وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.
وقال البغويّ في «تفسيره» : (كانوا يقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظلّ زمان نبيّ يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم) اهـ
فكان ما أخبر الله، ونعاه عليهم؛ من كفرهم حسدا، ونزول اللعنة عليهم بذلك.
وأشار للخلة الثانية بقوله: (أو يحصدوا) بضم عين الفعل وبكسرها، من الحصد بمعنى القطع؛ أي: أو يقتلوا (النّساء والصبيانا) ثمّ يخرجوا إلى محمّد وأصحابه مشاة مقاتلين (فلم يخلّوا) أي: يتركوا (خلفهم إنسانا) من أولئك يخشون عليه، وتقدم جواب هذه الخلة كسابقتها ولاحقتها.
وأشار إلى الثالثة بقوله: (أو يفتكوا) بالضم والكسر للعين، من الفتك، وهو: القتل على غرة؛ أي: أو ينتهزوا