الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليقبلهما (بأم سلمة) أم المؤمنين رضي الله عنها، فكلمته أم سلمة، فقالت: يا رسول الله؛ ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، قال:«لا حاجة لي بهما؛ أمّا ابن عمي.. فهتك عرضي، وأمّا ابن عمّتي وصهري.. فهو الذي قال لي بمكة ما قال» يعني قوله: والله؛ لا آمنت بك حتى تتّخذ سلّما إلى السماء، فتعرج فيه وأنا أنظر، ثمّ تأتي بصكّ وأربعة من الملائكة، يشهدون أنّ الله أرسلك، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك.
وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه لأبي سفيان فيما حكاه أبو عمر: (ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ فإنّه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا، ففعل ذلك أبو سفيان، فقال له صلى الله عليه وسلم: «لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» ) .
خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة بجيشه:
هذا: ولمّا رجع أبو سفيان إلى مكة ولم ينل مطلوبه، وقبل عليه الصلاة والسلام عذر حاطب في كتابه لأهل مكة..
خرج قاصدا مكة لعشر مضين من رمضان بعد العصر سنة ثمان، وهو صائم والناس معه صيام، ولمّا بلغ الكديد- ماء
وأقبلت جنود صفوة الأمم
…
أمامه حتّى انتهوا إلى الحرم
بين قديد وعسفان- أفطر؛ وذلك بعد أن استخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين بن عتبة الغفاريّ، على الصحيح الذي رواه ابن إسحاق وغيره.
وأشار الناظم إلى مسيره إلى مكة تتقدمه جنود الله وعسكر الإسلام، حتى وصل إلى بيت الله الحرام بقوله:
(وأقبلت جنود) جمع جند، هو: العسكر والأعوان (صفوة) مثلث الأول، ككلّ ما كان على هذا الوزن واويّ اللام.
والمراد بصفوة (الأمم) : رسول الله الأعظم صلى الله عليه وسلم، وصفه بالصفوة وليست من أسمائه المشهورة؛ لأنّ الله تعالى اصطفى العرب من الناس، واصطفى قريشا من العرب، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، فمن ثمّ كان الصفوة، والصفوة: خلاصة الشيء، فهو خلاصة الشرف، بل والكمالات كلها (أمامه) صلى الله عليه وسلم.
قال في «الإمتاع» : (وكان المهاجرون سبع مئة، ومعهم ثلاث مئة فرس، وكانت الأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمس مئة فرس، ومزينة ألفا، ومعها مئة فرس، ومئة درع، وأسلم أربع مئة، ومعها ثلاثون فرسا، وجهينة ثمان مئة، ومعها خمسون فرسا، وبنو كعب بن عمرو خمس مئة، وخرج يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر) اهـ
وضربت له هناك قبّه
…
أرضى بها الله وأرضى حزبه
وأخذوا في السير (حتى انتهوا إلى الحرم) أي: مكة شرفها الله تعالى؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم حرّمها بقوله:
«مكة حرام، لا تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنّما أحلّت لي ساعة من نهار» .
(وضربت له هناك) أي: بالحجون من أرض الحرم بمكة (قبة) يستظل «1» بها (أرضى بها الله، وأرضى حزبه) جنده أو قومه الذين هم على رأيه، أو طائفته.
قال في «روض النّهاة» : (وكل ذلك محتمل هنا؛ إذ يصح أن يكون أراد قريشا؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم أرضاهم ذلك اليوم بأفعاله الكريمة وأقواله الحميدة. كقوله: «اليوم يوم المرحمة» وقوله: «ما تروني فاعلا بكم؟» قالوا:
خيرا؛ أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال:«اذهبوا، فأنتم الطّلقاء» ولأنّه صلى الله عليه وسلم لم يسبّ أحدا، ولم يغنم ناطقا ولا صامتا وهو فيما هو فيه من المقدرة، وجهد أصحابه في المعيشة، وقد ردّ المفتاح على أهله قبل من بني عبد الدار.
ويصح أن يكون المراد بالحزب الأنصار، وهم قومه الذين
(1) لأنّه عليه الصلاة والسلام دخل مكة على الصحيح من أعلاها، ودخل خالد من أسفلها كما سيأتي، قال في «شرح المواهب» :(ولم يزل بالحجون، لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد لكل صلاة من الحجون، وكان أبو رافع ضرب له به قبة من أدم، ومعه أم سلمة وميمونة) .
فاحترم الحرم إذ هو الحرم
…
محرّم مؤمّن ممّن هجم
على رأيه، وأرضاهم أيضا ذلك اليوم بقوله صلى الله عليه وسلم:«المحيا محياكم، والممات مماتكم» وأن يكون المراد به المهاجرين والأنصار؛ لأنّهم جنده.
وأرضى المهاجرين أيضا بعفوه عن قريش، وقد شفّع عثمان، وعبد الرّحمن بن عوف منهم، هذا كله على أنّ الضمير في (حزبه) يعود على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويحتمل عوده على لفظ الجلالة قال تعالى: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ وقد ظهر لقريش اليوم استمرار الغلب عليهم منذ يوم بدر، فأذعنوا وأسلموا.
(فاحترم الحرم) أي: مكة، فلم يسفك بها دما (إذ هو) أي: مكة، وذكّر الضمير؛ مراعاة للخبر الذي هو (الحرم) وقوله:(محرّم) خبر بعد خبر، كقوله:(مؤمّن ممّن هجم)«1» وأغار عليه.
والآيات في القرآن على تأمينه كثيرة، قال تعالى:
وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
وقال تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.
(1) هجم من باب دخل، يقال: هجم على الشيخ: دخل بغير إذن. اهـ