الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال فيه أكرم البريّة
…
خبيث جيفة خبيث ديّة
عمرو بن عبد ودّ اذ قام له
…
حيدرة بسيفه خردله
(فقال فيه أكرم البريّة) عليه من ربه أزكى صلاة عطرية ردا عليهم، وجوابا لقولهم: هو (خبيث جيفة) لموته كافرا محاربا لله ولرسوله (خبيث ديّة) بالتشديد للياء للوزن؛ لعدم حلّها؛ إذ لا دية في مثل هذه الصورة، زاد في المواهب:
«فلعنه الله، ولعن ديته، ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أرب لنا في ديته» .
مقتل عمرو بن عبد ودّ بسيف علي:
(عمرو بن عبد ودّ) العامريّ (إذ قام له) مبارزا (حيدرة) لقب لسيدنا عليّ بن أبي طالب القائل:
أنا الذي سمّتني أمّي حيدره
…
أكيلكم بالسيف كيل السّندره «1»
(بسيفه) يتعلق بقوله: (خردله) أي: قطع أعضاءه.
قال اليعمريّ في «العيون» : (كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر، حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد، فلمّا كان يوم الخندق.. خرج معلما، ليرى مكانه، فلمّا وقف هو وخيله.. قال: من يبارز؟ فبرز له عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر ابن سعد في هذا الخبر: أنّ عمرا كان ابن
(1) أي: أقتلكم قتلا واسعا ذريعا، والسندرة: مكيال واسع، قيل: يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي.
تسعين سنة، فقال عليّ: أنا أبارزه، فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم سيفه وعمّمه، وقال:«اللهمّ؛ أعنه عليه» ) .
وعن ابن إسحاق من غير رواية البكّائي: (أنّ عمرا لما نادى يطلب من يبارزه.. قام عليّ رضي الله عنه وهو مقنّع في الحديد، فقال: أنا له يا نبيّ الله، فقال له:«اجلس إنّه عمرو» ثمّ كرر عمرو النداء، وجعل يؤنّبهم ويقول: أين جنّتكم التي تزعمون أنّه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون لي رجلا؟ فقام عليّ فقال: أنا يا رسول الله، فقال له:
«اجلس، إنّه عمرو» ثمّ نادى الثّالثة، وقال:
ولقد بححت من الندا
…
ء لجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المشجّع
…
وقفة الرجل المناجز
وكذاك أنّي لم أزل
…
متسرّعا قبل الهزاهز
إنّ الشجاعة في الفتى
…
والجود من خير الغرائز
فقال عليّ رضي الله عنه: أنا له يا رسول الله، فقال:
«إنّه عمرو» فقال: وإن كان عمرا، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى إليه علي وهو يقول:
لا تعجلنّ فقد أتا
…
ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نية وبصيرة
…
والصدق ينجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن أقيم
…
عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى
…
ذكرها عند الهزاهز
فقال عمرو: من أنت؟ فقال: أنا عليّ، قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، قال: غيرك يا ابن أخي، من أعمامك من هو أسنّ منك، فإنّي أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكنّي والله ما أكره أن أهريق دمك، فغضب ونزل، وسل سيفه كأنّه شعلة نار، ثمّ أقبل نحو عليّ مغضبا، ويقال: إنّه كان على فرسه، فقال له علي: كيف أقاتلك وأنت على فرسك؟ ولكن انزل معي، فنزل عن فرسه، ثمّ أقبل نحوه، فاستقبله عليّ بدرقته، فضربه عمرو فيها، فقدّها، وأثبت فيها السيف. وأصاب رأسه، فشجّه، فضربه علي على حبل العاتق، فسقط وثار العجاج، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير، فعرف أنّ عليّا قد قتله) .
قال ابن هشام: وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ويوم بني قريظة: (حم لا ينصرون) .
وفضّ جمعهم نعيم الأشجعي
…
إذ نمّ بينهم بكلّ مجمع
تخذيل نعيم بن مسعود للأحزاب عن المسلمين:
(وفضّ) بتشديد الضاد المعجمة (جمعهم) أي: فرّق جمع العرب وبني قريظة، وهو مفعول ل (فض) مقدم على فاعله، الذي هو (نعيم) بالتصغير، ابن مسعود بن عامر (الأشجعيّ إذ نمّ) أي: لأنّه سعى بالنميمة المطلوبة في مثل هذا الموطن (بينهم بكل مجمع) من مجامع الكفار:
بني قريظة، وقريش، وغطفان؛ فإنّه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله؛ إنّي أسلمت، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنا ما استطعت، فإنّ الحرب خدعة «1» » فخرج حتّى أتى بني قريظة، وكان لهم نديما في الجاهلية، فقال لهم: يا بني قريظة؛ قد عرفتم ودّي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم، فقال لهم: إنّ قريشا وغطفان ليسوا كما أنتم: البلد بلدكم، وبه أموالكم وأبناؤكم، ونساؤكم، لا تقدرون أن تحوّلوا منه إلى غيره، وإنّهم جاؤوا لحرب محمّد وأصحابه، وقد ظاهر تموهم
(1) قال الحافظ: (بفتح المعجمة، وبضمها مع سكون الدال المهملة فيهما، وبضم أوله، وفتح ثانيه، صيغة مبالغة، كهمزة ولمزة، قال النووي: اتفقوا على أنّ الأولى أفصح، حتى قال ثعلب: بلغنا: أنّها لغة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وبذلك جزم أبو ذرّ الهروي والقزاز) اهـ
عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن رأوا نهزة..
أصابوها، وإن كان غير ذلك.. لحقوا ببلادهم، وخلّوا بينكم وبينه ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا معهم حتّى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، يكونون ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمّدا، حتى تناجزوه، فقالوا: لقد أشرت بالرأي.
ثم أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودّي لكم، وفراقي محمّدا، وإنه قد بلغني أمر، رأيت حقا عليّ أن أبلّغكموه، نصحا لكم، فاكتموه عني، قالوا: نفعل، قال:
إنّ معشر يهود ندموا على ما صنعوا، وأرسلوا إلى محمّد: إنّا قد ندمنا على ما فعلنا، أيرضيك أن نأخذ لك من أشراف قريش وغطفان رجالا فتضرب أعناقهم، ثمّ نكون معك على من بقي منهم، حتّى نستأصلهم؟ فأرسل إليهم: نعم، قال نعيم:
فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا فلا تدفعوا إليهم رجلا واحدا.
ثمّ أتى غطفان فقال: إنكم أصلي وعشيرتي، وأحبّ الناس إليّ، ولا أراكم تتهمونني، قالوا: صدقت، ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل، فقال لهم مثل ما قال لقريش، وكانت ليلة السبت من شوال، سنة خمس، وكان من صنع الله لرسوله: أنّ أبا سفيان ورؤوس غطفان أرسلوا إلى بني قريظة عكرمة في نفر من القبيلتين فقالوا: إنّا لسنا بدار مقام، وقد هلك الخفّ والحافر، فأعدّوا للقتال حتى نناجز محمّدا، ونفرغ ممّا بيننا وبينه.