الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا من الخيل سوى اثنتين
…
وقد كفتهم أهبة التّمكين
واستنفر النّفير صخر لهم
…
وجاء خير مرسل ألبهم
(ولا من الخيل) عندهم (سوى اثنتين) :
إحداهما: للمقداد بن عمرو، ويقال لها:(سبحة) بفتح السين المهملة، وإسكان الموحدة، وبالحاء المهملة، ثمّ تاء التأنيث.
والأخرى: لمرثد بن أبي مرثد، ويقال لها:
(السّبل) .
وأمّا خيل النّبيّ صلى الله عليه وسلم.. فإنّما كانت بعد ذلك (و) مع هذه القلة ف (قد كفتهم أهبة) بضم الهمزة وإسكان الهاء، وهو مضاف إلى (التمكين) أي: كفاهم الله تعالى التمكين والمنزلة عنده تعالى، عن الإعداد بالعدد والسلاح.
استنفار أبي سفيان قريشا لإنقاذ العير:
(واستنفر) أي: استفزّ (النفير) بالنصب: معمول ل (استنفر) ؛ أي: الجيش، وفاعله (صخر) أبو سفيان بن حرب (لهم) أي: النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ أي: لحربه (وجاء خير مرسل) بالنصب معمول لجاء، وفاعله (ألبهم) بفتح الهمزة وكسرها: تجمّعهم للحرب، يقال: هم عليه ألب واحد، قال سيدنا حسان رضي الله عنه:
والناس ألب علينا فيك ليس لنا
…
إلّا السّيوف وأطراف القنا وزر
وحاصل ما أشار له الناظم: أنّ أبا سفيان لمّا بلغه من بعض الركبان: أنّه صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه للعير.. خاف خوفا شديدا، فاستنفر النفير- أي: القوم النافرين للحرب- واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري بعشرين مثقالا؛ ليأتي مكة، وأمره أن يجدع بعيره، ويحوّل رحله، ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة، ويخبر قريشا أنّ محمّدا قد عرض لعيرهم هو وأصحابه، وكانت تلك العير فيها أموال قريش، حتى قيل: إنّه لم يبق قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلّا بعث به في تلك العير، فأسرع ضمضم إلى مكة، حتى إذا كان ببطن الوادي.. وقف على بعيره، وقد جدعه؛ أي: قطع أنفه، أو أذنه، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وهو يصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش؛ اللّطيمة، اللطيمة أي: أدركوا اللطيمة، وهي العير التي تحمل الطيب والبز- أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث، فتجهز الناس سراعا وهم يقولون: أيظن محمّد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟! كلا والله، ليعلمنّ غير ذلك، فلم تملك قريش من أمرها شيئا حتى نفروا على الصعب والذلول، وتجهّزوا في ثلاثة أيام، وأعان قويّهم ضعيفهم.
استيثاق الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الأنصار:
ثم فرّع الناظم رحمه الله تعالى على ما ذكره من استنفار
فأخبر النّاس بهم ممتحنا
…
وقال سعد ما رأى وأحسنا
أبي سفيان النفير وإجابة كفار قريش له، قوله:
(فأخبر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس) أي:
أصحابه رضي الله تعالى عنهم (بهم) أي: بقريش ومسيرهم؛ ليمنعوا عيرهم (ممتحنا) مختبرا، فاستشارهم صلى الله عليه وسلم في طلب العير، وحرب النفير، وقال: إنّ الله وعدكم إحدى الطائفتين: إما العير، وإمّا قريشا، فقال أبو بكر وأحسن، وقال عمر بن الخطاب وأحسن.
ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: «أيّها الناس؛ أشيروا عليّ» وإنّما يريد الأنصار؛ لأنّه صلى الله عليه وسلم تخوّف ألّا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلّا ممّن دهمه بالمدينة؛ لأنّهم ليلة بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله؛ إنّا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذن نمنعك ممّا نمنع منه أزرنا، فعند ذلك قام سعد بن معاذ سيد الأوس «1» كما أشار له بقوله:(وقال سعد) في جواب ذلك (ما رأى) أي: القول الذي رآه (وأحسنا) فيه وهو:
(1) أسلم هو وأسيد بن حضير في يوم واحد، على يد مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة، ثمّ جاء سعد إلى قومه، وقال: كيف تعلمون أمري فيكم يا بني عبد الأشهل؟ قالوا: سيدنا، وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة. قال: فإنّ كلام رجالكم، ونسائكم عليّ حرام.. حتّى تؤمنوا بالله ورسوله، فما أمسى في دار بني عبد الأشهل، رجل ولا امرأة.. إلّا وهو مسلم، غير الأصيرم. توفي سعد شهيدا بعد أن أقرّ الله عينه في بني قريظة، وسيأتي شيء من مناقبه عند غزوة الخندق وبني قريظة، رضي الله عنه.
وكان من رويّة المقداد
…
أن رضي السّير إلى الغماد
(والله لكأنّك تريدنا يا رسول الله، قال:«أجل» قال:
قد آمنّا بك، وصدقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا، ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق؛ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته.. لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنّا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعلّ الله يريك منا ما تقرّبه عينك، فسر على بركة الله) .
قال الزرقاني: (وعند ابن عائذ من مرسل عروة، وابن أبي شيبة من مرسل علقمة بن أبي وقاص، عن سعد قال:
ولعلّك يا رسول الله خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فامض لما شئت، وصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحبّ إلينا ممّا تركت، وما أمرت به من أمر، فأمرنا تبع لأمرك، لئن سرت حتى تأتي برك الغماد.. لنسيرنّ معك.
فسرّ عليه الصلاة والسلام بقول سعد رضي الله عنه وأرضاه، ثمّ قال:«سيروا، وأبشروا؛ فإنّ الله قد وعد إحدى الطائفتين، والله؛ لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم» ) .
(وكان من رويّة) بكسر الواو وتشديد الياء، من رويت في الأمر: إذا نظرت فيه؛ أي: وكان من فكرة ورأي
(المقداد «1» ) بن عمرو (أن رضي السير إلى الغماد) بتثليث الغين المعجمة: موضع في أقصى معمور الأرض، أو مدينة في الحبشة، فإنّه رضي الله تعالى عنه قال: والله؛ لو سرت بنا إلى برك الغماد.. لسرنا معك، ولا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، ولكن: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير.
وفي الصحيح: (أنّ ابن مسعود قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا، لأن أكون صاحبه أحب إليّ ممّا عدل به، أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى:
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك، وخلفك، فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسرّه، يعني قوله) اهـ
(1) هو من بني بهراء، حليف بني زهرة، وكان تبنّاه الأسود بن عبد يغوث، ويقال له: المقداد بن الأسود، إلى أن نزل: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ولم يقبل المقداد ذلك التبنّي، بل انتسب إلى أبيه وقبيلته، تزوج ضباعة بنت الزّبير بن عبد المطلب، فولدت له فاطمة بنت المقداد، روى عنها، وهو أحد الأربعة الذين أخبر صلى الله عليه وسلم أنّ الله يحبهم، وألزمه محبتهم قال في «عمود النسب» :
أربعة أخبر خير مرسل
…
بحبه لهم إلهنا العلي
وحبهم ألزمه وهم علي
…
سلمان مقداد أبو ذرّ العلي
وعمر استقلّ جيش الحنفا
…
واستكثر الّذي إليه زحفا
ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ» فقال سعد ما تقدم.
قلت: وعلم من هذا التقرير: أنّ قول المقداد قبل قول سعد رضي الله عنهما، فكان للناظم أن يقدمه، إلا أنّ النظم لم يساعده، والخطب سهل.
(وعمر) بن الخطاب رضي الله عنه (استقلّ) أي: رأى في نظره جيش المسلمين قليلا كما قال: (جيش الحنفا) :
جمع حنيف، وهو المائل عن جميع الأديان إلى دين الإسلام (واستكثر) الجيش (الذي إليه) يتعلق بقوله:(زحفا) بمعنى: مشى، وإنّما قال ذلك؛ شفقة على المسلمين؛ لما رأى من كثرة المشركين غيظا بهم، فقال- كما رواه ابن عقبة-:(يا رسول الله؛ إنّها لقريش، والله ما ذلت منذ عزت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لتقاتلنّك، فتأهّب لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدته) .
ولما سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول صاحبيه:
سعد والمقداد.. ارتحل من واد يقال له: ذفران «1» حين بلغه خروج قريش يريدونه.
(1) بكسر الفاء: واد قريب من الصفراء. اهـ من «الحلبية» .
واستبقوا صخرا لبدر وانتحى
…
وأخذوا واردة وزحزحا
تعرّف الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أخبار قريش:
(واستبقوا) أي: سبق الصحب الكرام معه عليه الصلاة والسلام أبا سفيان (صخر لبدر، و) أما هو.. فإنّه (انتحى) أي: قصد إلى ناحية الساحل خوفا على عيره، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من بدر، فركب هو وأبو بكر رضي الله عنه.. حتى وقفا على شيخ من العرب، فسألاه عن قريش، وعن محمّد وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتّى تخبراني ممّن أنتما، فقال صلى الله عليه وسلم:«إذا أخبرتنا.. أخبرناك» فقال الشيخ: أذاك بذاك؟ قال: «نعم» قال الشيخ: بلغني أنّ محمّدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني.. فهم اليوم بمكان كذا وكذا- للمكان الّذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أنّ قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدق.. فهم اليوم بمكان كذا وكذا- للمكان الذي به قريش- فلمّا فرغ من خبره.. قال: ممّن أنتما؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن من ماء «1» » ، ثمّ انصرفا عنه، قال الشيخ: ما «من ماء» أمن العراق؟!
(1) قال في «النور» : (ظهر لي أنّه أراد: من ماء دافق، والشيخ المشار إليه حمله على المنهل، وقال أبو جعفر الغرناطي في «شرح بديعية ابن جابر» : إنّه تورية، وإنّ ماء قبيلة) اهـ