الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة الثالثة في أشهر من ألف في المغازي
اعلم: أنّ أسلافنا الأماجد- جزاهم الله وأثابهم على صنيعهم- قد ألّفوا في هذا الفن كتبا لا تحصى، فيذكر لنا العلّامة الشمس الشامي في سيرته كغيره أنّ أوّل من ألّف في المغازي أبو عبد الله عروة بن الزّبير بن العوام أحد الفقهاء السبعة، وأئمّة التّابعين بالمدينة، المتوفى بها سنة (93 هـ) .
ثمّ تلاه تلميذه أبو محمد موسى بن عقبة بن أبي عياش، المتوفى بالمدينة، سنة (141 هـ) ، ومحمّد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزّهري، المتوفى سنة (124 هـ) .
قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله: (مغازي موسى بن عقبة أصح المغازي، وأجمعها) .
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (ليس في المغازي أصح من كتابه، مع صغره، وخلوّه من أكثر ما يذكر في كتب غيره) .
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (عليكم بمغازي موسى بن عقبة؛ فإنّه ثقة) .
وأشهرها مغازي أبي بكر محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني، المتوفى سنة (151 هـ) ببغداد، وقد اختلفت كلمة القوم فيه، فمنهم من تكلّم فيه، ومنهم من
أثنى، والمعتمد: أنّه صدوق يدلّس، وإذا صرّح بالتحديث.. فهو حسن الحديث.
قال الإمام الشافعي: (من أراد أن يتبحّر في المغازي..
فهو عيال على ابن إسحاق) .
وقد اعتمد عليه في هذا الباب أئمّة لا يحصون، ورواها عنه جمع، ويقع عند بعضهم ما ليس عند بعض.
وقد اعتمد أبو محمّد عبد الملك بن هشام المعافري، الحميري البصري، المتوفى بمصر سنة (213 هـ) رحمه الله تعالى، على رواية أبي محمّد زياد بن عبد الله بن الطّفيل العامري البكّائي- بفتح الموحّدة، وتشديد الكاف- المتوفى سنة (183 هـ) ، وهو صدوق، ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، فرواها ابن هشام عنه، وهذّبها، ونقّحها، وزاد فيها زيادات كثيرة، واعترض أشياء سلّم له كثير منها، بحيث نسبت السيرة إليه، فقيل:«سيرة ابن هشام» «1» .
وممّن ألّف فيها من العلماء المتأخّرين، الحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي- بفتح الكاف-
(1) قال شيخنا في «الرسالة المستطرفة» : (ولأبي القاسم عبد الرّحمن بن عبد الله السهيلي صاحب التصانيف، المتوفى بمراكش سنة (581 هـ) كتاب «الروض الأنف» في شرح غريب ألفاظها، وإعراب غامضها، وكشف مستغلقها، استخرجه من نيف ومئة وعشرين مصنفا، فأجاد فيه، وأفاد) اهـ، وقد طبع بمصر على نفقة سلطان المغرب الأقصى المولى عبد الحفيظ رحمه الله مع «السيرة الهشامية» . يقوم الآن بتحقيقها وإخراجها إخراجا علميا حديثا، الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم البنا، أستاذ اللغة العربية بالدراسات العليا للغة العربية بجامعة أم القرى.
الحميري، المتوفى شهيدا سنة (634 هـ)، وسماها:
«الاكتفا في المغازي وسيرة الثلاثة الخلفا» ، وشرحها الشيخ أبو عبد الله محمّد بن عبد السّلام البناني، الفاسي، المتوفى سنة (1163 هـ) شرحا نفيسا.
ومنهم الحافظ أبو الفتح محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد اليعمري الأندلسي، الشهير بابن سيد الناس، المتوفى بمصر سنة (734 هـ) فجأة، سماها:«عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير» ، واختصر منها:«نور العيون في تلخيص سيرة الأمين المأمون» ، وعليه تعليق للحافظ برهان الدين الحلبي، سمّاه:«نور النّبراس» .
ومنهم الحافظ العلّامة أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر الدمشقي، الشهير بابن قيّم الجوزية، المتوفى بدمشق سنة (751 هـ) وسمّاها:«زاد المعاد، في هدي خير العباد» حقّق فيها وأجاد.
ومنهم الحافظ زين الدين عبد الرّحيم بن الحسين العراقي، المتوفى بمصر سنة (806 هـ) نظم ألفيّة حافلة في البعوث، والمغازي، والسير، والشمائل، وشرحها المناوي شرحين: كبيرا، وصغيرا، وكذلك شرحها العلّامة نور الدين علي بن زين العابدين محمّد بن عبد الرّحمن بن علي، الشهير بالأجهوري، المتوفى بمصر سنة (1066 هـ) في مجلد كبير.
ومنهم الشهاب القسطلاني «1» المتوفى بمصر سنة (923 هـ)
(1) ضبطه بعض الفضلاء بضم القاف والطاء المهملة مشدد اللام، وقال: نسبة إلى قسطلة، بضمها وشد اللام أيضا بلدة بالمغرب. اهـ، لكن رأيت في ثبت العلّامة البديري الدمياطي
سماه: «المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية» ، وهو سفر جامع، خدمه الناس بالقراءة والشرح والاختصار، وكتب عليه فخر المالكية الشيخ محمّد الزرقاني، المتوفى سنة (1122 هـ) شرحا لا يجود الزمان بمثله، ذكر فيه أن نصف الكتاب، يعني المواهب مأخوذ من «فتح الباري» للحافظ ابن حجر بعزو، وبغير عزو.
ومنهم الحافظ عماد الدين يحيى بن أبي بكر بن محمّد العامري، المتوفى سنة 893 هـ باليمن سماها:«بهجة المحافل وبغية الأماثل» لخّص فيها المعجزات والمغازي والبعوث والشمائل، وشرحها العلّامة جمال الدين محمّد بن أبي بكر الأشخر اليمني، المتوفى سنة (991 هـ) .
ومنهم العلّامة الحافظ محمّد بن يوسف بن علي شمس الدين الشامي الدمشقي الحنفي، المتوفى بمصر سنة (942 هـ) سمّاها:«سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد» ، وهي أجمع السير، وأوسعها مادة، حتى إنّه يقول في طالعة هذا الكتاب:
(اقتضبته من أكثر من ثلاث مئة كتاب، وتحرّيت فيه الصواب، ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، وأنّ ما في الكتاب من الأبواب نحو ألفي باب) .
ويذكر لنا العلّامة المؤرخ عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن
- المسمّى «الجواهر الغوالي في الأسانيد العوالي» : أنّ شيخه النور الشبراملسي ضبطه بفتح القاف، وقال: إنّه نقل هذا الضبط من القسطلاني نفسه. والله أعلم. انتهى من «المنهل العذب لكل وارد في بيان فضل عمارة المساجد» للشيخ حسن سبط إبراهيم سقا، قلت: وضبطه الزرقاني في «شرح المواهب» عند ترجمة القطب القسطلاني: أنّه بضم القاف، منسوب إلى قسطلينة من أعمال إفريقية بالمغرب، عن القطب الحلبي، وبعضهم ضبطه بفتح القاف وشد اللام. اهـ منه
العماد، المتوفى بمكة سنة (1089 هـ) في «شذراته» :(أنّه جمعها من ألف كتاب، وأقبل الناس على كتابتها، ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه، وختم كل باب بإيضاح ما أشكل فيه مع بيان غرائب الألفاظ، وضبط المشكل، والجمع بين الأحاديث التي قد يظن أنّها من المتناقضات، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء)«1» .
ومنهم العلّامة علي بن إبراهيم الحلبي نور الدين بن برهان الدين الشافعي، المتوفى بمصر سنة (1044) سمّاها:
«إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» وتعرف ب «السيرة الحلبية» ، لخّص فيها «سيرة اليعمري» ، و «سيرة الشامي» على أنموذج لطيف، واصطلاح له فيها شريف.
قال شيخنا أبو الإقبال سيدي محمّد عبد الحي الكتّاني في «التراتيب الإدارية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية» :
(ومن أعجب ما ألّف في الإسلام «الدرّة السنيّة في المعالم السّنّيّة» للقاضي أبي عبد الله محمّد بن عيسى بن محمّد بن أصبغ الأزدي، المعروف بابن المناصف القرطبي، المتوفى سنة (620 هـ) بمراكش، وهو نظم عجيب نحو سبعة آلاف بيت من الرجز، منه:
وإنّ أولى ما تحلّى المسلم
…
بعد كتاب الله أو يقدّم
علم بأيّام رسول الله
…
من لدن النّشء إلى التّناهي
(1) طبع منها ثمانية أجزاء.
وحفظ ما يحقّ ألّا يجهلا
…
من أمره وحاله مفصّلا
فلنقتضب من ذاك ما لا يسع
…
في الحقّ أن يجهل ذاك الأورع
وما يكون شرف المجالس
…
جلا العلا للحافظ المدارس
تعلو به الرّتبة عن يقين
…
في شرف الدّنيا وحكم الدّين)
قلت: ومنظومتنا هذه هي فصل الخطاب، والآية في الإعجاب، لا تدع شاذّة ولا فاذّة من عيون المغازي إلّا أتت عليها بأبدع أسلوب وأسلس تعبير، فهي الفريدة في بابها، الممتعة لطلّابها، وها هي ذي بين أيدينا ترفل في أثواب حسنها، مدبّجة بكلام الحفاظ والمهرة، من نقدة أهل هذا الشأن، فليحكم لها أو عليها.
ثم اعلم: أنّ أهل السير لا يتقيّدون بالصحيح من الأخبار، بل يذكرون الصحيح والسقيم، والبلاغ والمرسل، والمنقطع دون الموضوع، ومن أجل ذلك قال العلّامة العراقي في «ألفيّته» في المغازي والسير:
وليعلم الطالب أنّ السّيرا
…
تجمع ما صحّ وما قد أنكرا
وقد قال الإمام أحمد بن حنبل كغيره من الأئمّة: (إذا روينا في الحلال والحرام.. شدّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها.. تساهلنا) والله أعلم.
وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود فنقول:
متن منظومة المغازي
قال الناظم رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن أرسل خير مرسل
…
لخير أمّة بخير الملل
وأفضل الصّلاة والسّلام
…
على لباب صفوة الأنام
وآله أفنان دوحة الشّرف
…
وصحبه والتّابعي نعم السّلف
ما أرهفت وأرعفت يراعه
…
في مهرق ينابع البراعه
وجلجل الرّعد وسحّ مزنه
…
وهبّ شمأل وماس غصنه
وبعد فالعلم أهمّ ما الهمم
…
تنافست فيه وخير مغتنم
وخيره والعلم تسمو رتبته
…
من فضل ما دلّت عليه سيرته
فهاك منها نبذة ليست تمل
…
ولم تكن بمعظم القصد تخل
أرجوزة على عيون الأثر
…
جلّ اعتماد نظمها في السّير
وشدّ ما اجترأت في ذا الهدف
…
إذ لم أكن أهلا لصوغ النّتف
فكيف بالعقد لما كان انتثر
…
عن كثرة وفي المهارق ابذعر
لكن تطفّلت على بركته
…
وجاهه بنظم بعض سيرته
لعلّها بالنّظم هلهلا على
…
من رامها نظما تكون أسهلا
ولحضوره بكلّ ذهن
…
عن ذكره بمضمر أستغني
والله أسأل سداد النّظر
…
وعصمة الخاطر من ذا الخطر
وأن يكون لي ولا عليّا
…
وعند كلّ أحد مرضيّا
وأن يكون للثّواب قانصا
…
لوجهه عز وجل خالصا
ممّا يلبّس به إبليس
…
وللهوى في طيّه تدليس
بجاه أفضل الورى محمّد
…
صلّى عليه الله طول الأبد
أوّل غزوة غزاها المصطفى
…
ودّان فالأبواء أو ترادفا
ثمّ بواط خرجوا لعير
…
أميّة بن خلف السّفسير
ثمّ العشيرة إلى عير أبي
…
سفيان في ذهابها للأرب
فبدر الأولى بإثر ناهب
…
سرح المدينة مغذّ هارب
كرز بن جابر وبعد استنقذا
…
لقاحه ممّن عليه استحوذا
فبدر الكبرى لعير صخر
…
آئبة من شأمها بالكثر
واعتقبوا في ذلك المسير
…
كلّ ثلاثة على بعير
ولم يكونوا أوعبوا للحرب
…
إذ ما غزوا لغير نهب الرّكب
وليس عندهم من السّيوف
…
غير ثمان للعدا حتوف
ولا من الخيل سوى اثنتين
…
وقد كفتهم أهبة التّمكين
واستنفر النّفير صخر لهم
…
وجاء خير مرسل ألبهم
فأخبر النّاس بهم ممتحنا
…
وقال سعد ما رأى وأحسنا
وكان من رويّة المقداد
…
أن رضي السّير إلى الغماد
وعمر استقلّ جيش الحنفا
…
واستكثر الّذي إليه زحفا
واستبقوا صخرا لبدر وانتحى
…
وأخذوا واردة وزحزحا
عنها النّبيّ الضّرب إذ قال هما
…
واردة النّفير واستفتاهما
وعند ما أمن صخر أرسلا
…
إلى النّفير أن يؤوب قفّلا
وردّ الاخنس المسوّد على
…
حلف بني زهرة وازداد علا
وابن هشام قال لا أو نردا
…
بدرا فننحر ونرهب العدا
فطاوعوه ومضوا وباتوا
…
بشرّ ما بات به بغاة
عن كثب وأصبحوا بوحل
…
ثبّطهم وبات خير مرسل
بخير ليلة وأصبح على
…
أثبت أرض للخطا وارتحلا
فنزلوا أدنى المياه للعدا
…
وغوّروا جميعهنّ ما عدا
قليبهم وجعلوا الأواني
…
في جدول فهي لهم دواني
وأقبلت بالخيلا والكبريا
…
إلى المصارع الزّحوف الأشقيا
لو طاوعوا عتبة أو حكيما
…
أو ابن وهب ما رأوا أليما
لكونهم إلى القفول أرشدوا
…
من بعد ما أشفوا على ما وردوا
وقال عمرو وبأنفه شمخ
…
ثانية سحر عتبة انتفخ
واستنشد ابن الحضرميّ الثّأرا
…
فحشّ حربا بينهم وشرّا
فقام للوليد نجل عتبة
…
حيدرة وحمزة لشيبة
نجل ربيعة وعتبة أخوه
…
قام له عبيدة إذ رشّحوه
وقطعت قدمه واحتملوه
…
وهو أسنّ الجيش فيما نقلوه
وهو إذا أخذت في نعم النّسب
…
عبيدة بن الحارث بن المطّلب
وشهد المشهد هذا أخواه
…
أعني الحصين والطّفيل مشبهاه
وابن غزيّة سواد استنتلا
…
من صفّه ورام أن يعتدلا
نبيّنا فمسّه في كشحه
…
وقال إذ آلم مسّ قدحه
أوجعتني نخسا فأعطني القود
…
وجدّ في أن كان باشر الجسد
وخفق النّبيّ حين المعركه
…
وفي عريشه رأى الملائكه
على ثنايا جبرئيل النّقع
…
ولم يقاتل في سواها الجمع
وقيل: لم تقاتل الملائكه
…
إذ ريشة منهم لقوم مهلكه
لكنّهم لعدد ومدد
…
وطبلهم هناك طول الأبد
وجاء أنّ جبرئيل يحضر
…
من مات مؤمنا وقوم أنكروا
نزوله بعد رسول الله
…
والحقّ أن ليس له تناهي
وراقب الجمعين شخصان لكي
…
ينتهبا من مدبري الجمعين شي
فرأيا الملك وهو منطلق
…
فانشقّ واحد والاخر صعق
وابن معاذ مبتني العريش
…
وحارس النّبيّ من قريش
يكره إبقاء الأسارى ويرى
…
إهلاكهم أوّل قتل أجدرا
وهكذا عمر كان وهي من
…
موافقاته الّتي بعد تعنّ
عن قتل آله نهى إذ خرجوا
…
وفي خروجهم عليه حرج
وعن أبي البختري إذ لم يؤذه
…
وصكّ نبذهم سعى في نبذه
وجاءه المجذّر بن ذيّاد
…
وقال عنك قد نهى خير العباد
فقال والزّميل قال المصطفى
…
لم ينه عن قتل الزّميل الحنفا
فقال والنّخوة تأبى والإبا
…
عن تركه جبنا وحكّم الظّبا
لا يسلم ابن حرّة زميله
…
حتّى يموت أو يرى سبيله
وإذ نهى عن قتل عمّه هفا
…
أبو حذيفة وقال سخفا
وكفّرت هفوته الشّهاده
…
يوم اليمامة لها أراده
وإذ رآه المصطفى تضجّرا
…
من جرّ عتبة أبيه اعتذرا
بأنّه كان يرى أنّ أباه
…
يحجزه عن ميتة السّوء حجاه
وإذ معاذ بن عمرو بن الجموح
…
أطنّ ساق ابن هشام الطّموح
فطرح ابنه الهزبر عكرمه
…
عاتقه وجرّه في الملحمه
ألصق خير مرسل فالتصقا
…
عاتقه لمّا عليه بصقا
فرعون الامّة النّبيّ عرّفا
…
بجحشه ركبته إذا اختفى
بين الهوالك وكلّم النّبي
…
جثثهم موبّخا للخشب
وعاين النّاس المصارع الّتي
…
أخبرهم بها مقيم الملّة
فحقّق الله له ما وعدا
…
وأوهن الكفر وأيّد الهدى
لهم من الله كتاب سابق
…
لذاك ما شهدها منافق
يوم له ما بعده في الكفر
…
وقد أتى منوّها في الذّكر
بأنّه العذاب واللّزام
…
وأنّه البطش والانتقام
وأنّه الفرقان بين الكفر
…
والحقّ والنّصر سجيس الدّهر
في الأجر والمغنم قسّم النّبي
…
لنفر عن الزّحاف غيّب
لطلحة ولسعيد أرسلا
…
للرّكب ينظران أين نزلا
ولابن عفّان ولابن الصّمّة
…
وابن جبير كسرا عن همّة
وابن عديّ عاصم العجلاني
…
خلّفه خير بني عدنان
على العوالي وعلى المدينه
…
أبا لبابة الرّبيط الزّينه
ثامنهم ردّ من الرّوحاء
…
وهو ابن حاطب إلى قباء
وابن عمير مصعب مرّ على
…
شقيقه مستأسرا للفضلا
فحضّهم أن شدّدوا إنّ له
…
أمّا مليّة تفكّ كبله
وابن الرّبيع صهر هادي الأمّة
…
إذ في فداه زينب أرسلت
بعقدها الّذي به أهدتها
…
له خديجة وزفّفتها
سرّحه بعقدها وعهدا
…
إليه أن يردّها له غدا
فردّها وبعد ذاك تجرا
…
لنفسه وساكني أمّ القرى
فانتهب الأصحاب عير القلّب
…
فجاء واستجار بابنة النّبي
فصرّحت ولم تجمجم البتول
…
بأن أجارته وأمضاه الرّسول
فردّ ماله عليه أجمع
…
تلك الصّهارة بها يستشفع
أوصى به من حيث الاكرام ابنته
…
لكن نهاها أن تكون بعلته
وما ارتضى من بعد إسلام ابنته
…
وكفره بقاءها في عصمته
لو أنّه يحلّ أو يحرّم
…
بمكّة عنها الحليل يحسم
وسئل الإيمان كي يحوزا
…
مال قريش وبه يفوزا
فهاب أن يبدأ بالخيانه
…
إيمانه ويدع الأمانه
فردّها لأهلها وأسلما
…
وآب إذ إلى قريش أسلما
فردّها إليه خير مرسل
…
بالعقد الاوّل على القول الجلي
وأمّه هالة أخت صهرته
…
والمصطفى رضي عن صهارته
والمسلمون خيّروا بين الفدا
…
وقدرهم في قابل يستشهدا
وبين قتلهم فمالوا للفدا
…
لأنّه على القتال عضدا
وأنّه أدّى إلى الشّهادة
…
وهي قصارى الفوز والسّعادة
وهو بقدر وسعهم والمملق
…
من خطّه عشرة يحذّق
ومن مشاهير الأسارى عمرو
…
نجل أبي سفيان ثمّ الصّهر
والعمّ وابنا أخويه وهما
…
عقيل نوفل وبعد أسلما
وخالد أخو أبي جهل وقد
…
أسلم أيضا وسهيل الأسد
ومكرز ركز في مركزه
…
حتّى أتى فداؤه لعزّه
وابن أبيّ وأبو وداعه
…
أوّل مفديّ من الرّباعه
وخالد بن الأعلم الّذي افتخر
…
فكان قبل كلّ هوهة عجر
ومن مشاهير الممات حنظله
…
منبّه وصنوه وابنان له
وهم نبيه حارث والعاصي
…
أحد رهط غير ذي خلاص
من مكّة لكونه مستضعفا
…
في زعمه ويوم بدر زحفا
مع قريش وتوفّت ظالمي
…
أنفسهم ملائك الملاحم
وهم عليّ بن أميّة الرّدي
…
والحارث بن زمعة بن الأسود
وابنان للفاكهي والوليد
…
وأين هم من ابنه المجيد
سميّه وأخوي فرعونا
…
شقيق او للأمّ ذاقا الهونا
سلمة عيّاش المستضعفين
…
قنت لاستنقاذهم طه الأمين
واستشهدت ستّ من المهاجرين
…
عبيدة المذكور في المبارزين
ثمّ عمير بن أبي وقّاص
…
وابن البكير عاقل ألشّاصي
وذو الشّمالين ومهجع عمر
…
صفوان بيضاء الّذي بها اشتهر
واثنان للأوس ابن عبد المنذر
…
مبشّر سعد ابن خيثم الجري
وستّة الخزرج هم يزيد
…
عوف معوّذ أخوه الصّيد
حارثة وابن المعلّى رافع
…
ثمّ عمير بن الحمام النّازع
لربّه وهو يقول أفما
…
بيني وبين جنّة إلّا الحما
فلسليم فلقينقاع
…
المتصدّين إلى القراع
هم كشفوا إزارها عن مسلمه
…
فهاج حرب بينهم والمسلمه
لو آمنت من اليهود كلّها
…
زهاء عشرة اهتدوا لأجلها
عادوا للافساد فعاد الله
…
وقينقاع العمّه العزاه
أوّل من غدر من يهودا
…
وابن أبيّ سأل القرودا
نبيّنا وهم أسارى سطوته
…
فأطلقوا وطردوا من طيبته
ومنهم الشّاهد عبد الله
…
نجل سلام العظيم الجاه
فغزوة السّويق في إثر أبي
…
سفيان أن حرّق نخل يثرب
وغال نفسين وكان آلى
…
لا يقرب النّساء أو ينالا
وكان يلقي جرب السّويق
…
مخافة اللّحوق في الطّريق
فسمّيت بذاك ثمّ بعدها
…
قرقرة الكدر لقوم عندها
وبعدها ذو أمر وغطفان
…
كلاهما تدعى به وتستبان
لغطفان وجموع ثعلبه
…
جمعها دعثور صاحب الظّبه
وهو الّذي وجد خير مرسل
…
يجفّ ثوبين له بمعزل
فسلّها وقال من يمنعكا
…
فصدّه جبريل عمّا انتهكا
وفيه أو في غورث أو النّضير
…
إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أنزلت على البشير
وبعدها غزوة بحران إلى
…
أمّ القرى أو لسليم الجهلا
فأحد بربح عير صخر
…
تأهّبوا ليتروا من بدر
وخرجوا ب (يه) ظعن وهم
…
جيم ألوف والخيول لهم
راء وما للمسلمين فرس
…
وفي زروع قيلة إحتبسوا
وقيل: فيهم فرس تحت أبي
…
بردة النّدب وأخرى للنّبي
وقد رأى في نومه خير الأمم
…
أن كان في ذباب سيفه ثلم
وأنّه أدخل في درع يده
…
وبقرا يذبح أيضا وجده
فالثّلم ألعمّ وأمّا البقر
…
يذبح فهو النّفر المعفّر
من صحبه ودرعه الحصينه
…
أدخل فيها يده المدينه
واستكرهوا خير الورى فأخرجوه
…
وبعد ما استلأم فيها استثبطوه
فراح نحو أحد وابتكرا
…
وخام عنه ابن أبيّ وامترا
واستلّ سيف رجل ذبّ فرس
…
فقال شم سيفك والحرب افترس
وكان لا يعتاف إلّا أنّه
…
يعجبه الفأل إذا عنّ له
ومرّ في طريقه بالحاثي
…
في أوجه القوم وكان راثي
أجاز أبناء يه واستصغرا
…
من دونهم والجيش ذالا انبرى
وقال من يأخذ هذا السّيفا
…
بحقّه فناله واستوفى
أبو دجانة وخال إذ مشى
…
ومشيه من بغضه جلّ حشا
واستأصلوا أهل اللّوا فانهزموا
…
وشمّرت عن سوقهنّ الحرم
مولولات إثرهم ورغبا
…
في المغنم الرّماة حين استلبا
وخالف الرّماة أمر المصطفى
…
بالصّبر والثّبات خلف الحنفا
فتركوا ظهورهم لخالد
…
فكرّ راجعا بكلّ حارد
وحالت الرّيح ودارت الرّحى
…
وذاق من خالفه ما اجترحا
وصرخ الصّارخ أن مات النّبي
…
فارتهبوا لذاك كلّ الرّهب
وقال إذ ذلك: «لو كان لنا»
…
من دهش قائلهم فافتتنا
ونجل مطعم جبير إذ قتل
…
حمزة عمّه طعيمة احتفل
لقتله بأن عليه ذمّرا
…
وحشيّه يومئذ وحرّرا
ودقّه في شدقه ابن حرب
…
فقال: «ذق عقق» أي ذق حربي
أبلى بلاء حسنا قزمان
…
على الحفاظ فله الخسران
وعكسه الأصيرم المخردل
…
ليس له غير القتال عمل
وثبتت مع النّبيّ اثنا عشر
…
بين مهاجر وبين من نصر
منهم أبو دجانة وابن أبي
…
وقّاص الّذي افتداه بالأب
وطلحة وفيه شلّت يده
…
إذ اتّقى النّبل بها يصمده
وتحته جلس أن جهضه
…
درعاه والجراح فاستنهضه
والعمران وعليّ وعفا
…
إلهنا عن الّذي منهم هفا
وثبتت نسيبة المبايعه
…
قبل وعن خير الورى مدافعه
وجرحت فيه وشلّت يدها
…
وللتّبرّك الورى تقصدها
في حفرة وقع خير مرسل
…
فناشه طلحة والصّهر علي
إذ عتبة هشّ رباعيته
…
وشقّ من شقوته شفته
وشجّه ابن قمئة وابن شهاب
…
صلّى عليه الله ما سحّ سحاب
وازدرد الدّمّ أبو الخدريّ
…
وانتزع الحلقة في النّبيّ
أبو عبيدة فكان أثرما
…
بساقط الثّنيّتين أعلما
بملء درقة من المهراس
…
جاء ليشرب شفيع النّاس
حيدرة فعافه ورحضا
…
عن وجهه الدّمّ ففاز بالرّضا
قتادة ذو العين ردّها النّبي
…
بقوسه وقد تشظّظت حبي
أوّل من عرفه فبشّرا
…
به ابن مالك قريع الشّعرا
فعاودوه وتساقطوا عليه
…
ونهضوا للشّعب إذ أووا إليه
فبايعوا على الممات المجتبى
…
صلّى عليه الله ما هبّ الصّبا
وبعد ما اطمأنّ في الشّعب علت
…
عالية من فوقهم فأنزلت
صلّى بهم وقعدوا وقعدا
…
ظهرا لما من الجراح أجهدا
واستبدلت هند من اللآلي
…
قلائدا من آنف الرّجال
وطوّقت وحشيّها الفريدا
…
وأدبرت تردّد النّشيدا
نحن جزيناكم بيوم بدر
…
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
…
ولا أخي وعمّه وبكر
كلا المجدّع وسعد المفتدى
…
سأل ربّ العرش منهم أسدا
أمّا المجدّع فللشّهاده
…
وسعد الفتك به أراده
وإذ أبو رهم الغفاريّ نحر
…
بريقه في الحين قام مستمر
واستشهد اللّذان قد تخلّفا
…
لكبر فلحقا وزحفا
هما حسيل اليماني أسلمه
…
حذيفة إذ أهلكته المسلمه
وثابت بن وقش المستشهد
…
أخوه وابناه وكلّ وتد
وابن الرّبيع سعد اللّذ سألا
…
نبيّنا عنه فألفي على
شفا الشّهادة فأرسل الرّضا
…
إلى النّبيّ بالسّلام والرّضا
وذو الوصايا الجمّ للبشير
…
وهو مخيريق بني النّضير
ومصعب شمّاس والمجدّع
…
بحمزة المهاجرون أربع
حنظلة الغسيل نجل الفاسق
…
زوج جميلة ابنة المنافق
أجنب منها فاستخفّه القتال
…
عن شقّه أو عن جميع الاغتسال
وقال صخر إذ رآه قتله
…
شدّادهم حنظلة بحنظله
واستشهد الأعرج عمرو بن الجموح
…
وعن حياة المصطفى أبا الفتوح
سأل صخر وانثنى يغرّد
…
موعدكم بدر وقال الموعد
وارتقبوا إن يجنبوا فهم قفل
…
أو يسرجوا فهم لطيبة نسل
وبأبيّ مرّ بعد ابن عمر
…
وهو الّذي رماه خالق البشر
مسلسلا صديان فاستسقاه
…
والسّقي عنه ملك نهاه
ومرّ أيضا بأبي جهل لدى
…
بدر به أضرّ لاعج الصّدى
وبعدها غزوة حمراء الأسد
…
كانت لإرهاب صبيحة أحد
وأمر النّبيّ أن لا يخرجا
…
إلّا الّذي بالأمس كان خرجا
ولابن عبد الله جابر سمح
…
بالغزو إذ لأخواته جنح
بالأمس، إذ قال أبوه يا بني
…
ما كنت أؤثرك بالغزو علي
وفتكوا بجدّ عبد الملك
…
لأمّه سبط أبي العاص الذّكي
وهو الممثّل بعمّ أحمد
…
وبمعاوية يعرف الرّدي
وبالّذي عليه قبل أشفقا
…
نبيّنا ثمّ ارتجى أن يطلقا
ثانية أن كان ذا بنات
…
وهو أبو عزّة ذو الهنات
ثمّ النّضير هاجها أن جاءهم
…
مستوهبا من دية ما نابهم
فأصعدوا أحدهم ليلقيا
…
عليه صخرة تريح الأغبيا
وأخبر ابن مشكم أن يخبرا
…
وزجر الرّهط فلم ينزجرا
وجاءه الخبر من ربّ السّما
…
وفي حصارها العقار حرّما
والحشر أنزلت بها ونقضا
…
نجل أبيّ عهدهم ورفضا
وفيئهم والفيء في الأنفال
…
ما لم يكن أخذ عن قتال
أمّا الغنيمة ففي زحاف
…
والأخذ عنوة لدى الزّحاف
لخير مرسل وخصّ فئته
…
وفي رضا أنصاره عطيّته
كان التّرحّم على الأنصار
…
أن آثروا به بني نزار
وشاطروهم مالهم ونزلوا
…
عن الحلائل لهم وأوّل
من سنّه مخيّرا بين اثنتين
…
إبن الرّبيع لابن عوف المكين
فتركوهنّ لهم تعفّفا
…
فعفّ هذاك وذاك أسرفا
ثمّ إلى محارب وثعلبه
…
ذات الرّقاع ناهزوا المضاربه
ولم يكن حرب وغورث جرى
…
فيها له الّذي لدعثور جرى
مع النّبيّ وعلى المعتمد
…
جرت لواحد بلا تعدّد
ثمّ لميعاد ابن حرب بدر
…
وكعّ عنها نجل حرب صخر
فدومة الجندل هاجها زمر
…
بدومة يظلمن من بهنّ مر
ثمّت لمّا أجليت يهود
…
وأوغرت صدورها الحقود
وحزّبت عساكرا عناجها
…
إلى ابن حرب وقريش تاجها
وجعلوا كي يتروا خير الورى
…
لغطفان نصف تمر خيبرا
خندق خير مرسل بأمر
…
سلمان والحروب ذات مكر
كم آية في حفره كالشّبع
…
من حفنة وسخلة للمجمع
وكم بشارة لخير مرسل
…
من الفتوح تحت ضرب المعول
وكعب بن أسد إذ فتنه
…
عن عهده حييّ أعطى رسنه
فغدرت قريظة لغدره
…
يومئذ إذ هو أسّ نجره
وأرسل السّعدين خير مرسل
…
وابن رواحة لهم لينجلي
ما هم عليه، فإذا هم عضل
…
وسرّ خير الخلق ذاك الخذل
قالت جنوب للشّمال انطلق
…
ننصر خير مرسل في الخندق
فقالت الشّمال إنّ الحرّه
…
لم تسر باللّيل فذاك عرّه
فأرسل الله الصّبا والملكه
…
فنصرا نبيّه في المعركه
وغطفان رام أن يخوّلوا
…
ثلث تمر طيبة ليعدلوا
وأنف السّعدان من صلح النّبي
…
وحكّما حدّ شفار القضب
معتّب نجل قشير قالا
…
وعدنا النّبيّ أن ننالا
كنوز قيصر وكسرى ونرى
…
أحدنا اليوم يخاف المخترى
ونوفل من طيشه ونزقه
…
أوثب طرفه حفير خندقه
فوقعا فيه وأعطى فديته
…
إخوانه فاستوهبوه جثّته
فقال فيه أكرم البريّة
…
خبيث جيفة خبيث ديّة
عمرو بن عبد ودّ إذ قام له
…
حيدرة بسيفه خردله
وفضّ جمعهم نعيم الأشجعي
…
إذ نمّ بينهم بكلّ مجمع
وعند ما إلى التّشتّت الزّمر
…
أجمع أمرهم دعا خير البشر
من يأت بالخبر عنهم يكن
…
غدا رفيقنا ومنهم يأمن
فلم يقم إليه غير ابن اليمان
…
من شدّة الذّعر ومن برد الزّمان
وقال خير الخلق لن تغزوكم
…
قريش بعد اليوم والغزو لكم
وشغل النّبيّ زحف الخندق
…
عن ظهره وعصره للشّفق
ثمّ قريظة إليها جبرئيل
…
ولم يضع سلاحه استدعى رعيل
وقاده وزلزل الحصونا
…
وقذف الرّعب ولا يدرونا
واستذمر النّبيّ خيل الله
…
وعن صلاة العصر قام النّاهي
إلّا بهم ولم يعب من أخّرا
…
إلى العشاء إذ يراه ائتمرا
وخيّر ابن أسد قريظته
…
بين ثلاث وازدروا رويّته
أن يؤمنوا فيأمنوا فقد دروا
…
في كتبهم ما عنه إذ جاء أبوا
أو يحصدوا النّساء والصّبيانا
…
فلم يخلّوا خلفهم إنسانا
أو يفتكوا في السّبت إذ يأمنهم
…
جيش العرمرم ولا يأبنهم
وضاقت الأرض بهم لرعبهم
…
وجهلوا كيف النّكاية بهم
واستنبؤوا أبا لبابة الخبر
…
فرقّ للعهد الّذي بهم غبر
أن جأرت في وجهه الصّبيان
…
واستعطفت رحمته النّسوان
ففتنوه وانتحى عن بلد
…
عصى به وشاط نحو المسجد
فقام فيه برهة مرتبطا
…
معذّبا لنفسه مورّطا
فتاب من هفوته الله عليه
…
وحلّه خير الأنام بيديه
وحكّم النّبيّ فيهم سعد الاوس
…
إذ غاظهم إطلاقه عن كلّ بؤس
لابن أبيّ حلفاء الخزرج
…
وكان في التّحكيم حسم الهرج
وحملوا سعدا على حمار
…
من المدينة إلى المختار
وعند ما انتهى إلى النّديّ
…
سوّده خير بني لؤيّ
على الجميع أو على الأنصار
…
لا غيرهم عند بني نزار
وراودته قومه أن يحكما
…
بغير ما حكم فيهم فاحتمى
لدمهم خندق أفضل لؤي
…
ومعهم في كلّ كربة حيي
وعندما انتهى الحصار استشهدا
…
واهتزّ عرش الله حين بردا
وخفّ نعشه على عظمته
…
إذ الملائكة من حملته
ثمّ غزا لحيان جرّاء الرّجيع
…
فاحتضنوا بكلّ باذخ منيع
بعث الرّجيع ستّة أو عشره
…
لحيان حيّ من هذيل غدره
والعضل والقارة نجلا الهون
…
نجل خزيمة سعوا في الهون
وأربعوا بئر معونة الغرر
…
إبن الطّفيل عامر فيهم خفر
أبا براء وكلا البعثين
…
قد أرسلا ليرشدا للدّين «1»
فغزوة الغابة وهي ذو قرد
…
خرج في إثر لقاحه وجد
وناشهم سلمة بن الأكوع
…
وهو يقول اليوم يوم الرّضّع
وفرض الهادي له سهمين
…
لسبقه الخيل على الرّجلين
واستنقذوا من ابن حصن عشرا
…
وقسم النّبيّ فيهم جزرا
وأقبلت إمرأة الغفاري
…
قتيل نهب إبل المختار
وهي على راحلة من ذي الإبل
…
قد نذرت إهلاكها حين تصل
ومرّ في طريقه بالمالح
…
بيان «2» ذا اللّقب غير صالح
فغيّر اسمه وغيّر الإله
…
صفته وبعد ذلك اشتراه
طلحة بالفيّاض سمّاه النّبي
…
إذ قد تصدّق به ليثرب
(1) في بعض نسخ المنظومة زيادة بيتين بعد هذا البيت:
وعامر استنجد رعلا ذكوان
…
عصيّة فأنجدوا ذا الخسران
جزاء نجل بنتهم طعيمه
…
وقد أتى ولم تعنه قومه
(2)
في بعض نسخ المنظومة: بيسان.
فالطّلحات خمسة سوى العلم
…
فطلحة الجود ابن عمّه الخضم
وطلحة الخير وطلحة النّدى
…
إلى الحسين وابن عوف أسندا
وطلحة الدّراهم العتيق
…
جدّ أبيه بالعلا حقيق
سادسها طلحتها الخزاعي
…
أجودهم كلّا بلا نزاع
في سنة وهب ألف جاريه
…
فأولدت عفاته جواريه
ألف غلام باسمه سمّى الإما
…
جميعهم لمثلها فهيئما
وبعدها انتهبها الأولى انتهوا
…
لغاية الجهد وطيبة اجتووا
فخرجوا وشربوا ألبانها
…
ونبذوا إذ سمنوا أمانها
فاقتصّ منهم النّبي أن مثّلوا
…
بعبده ومقلتيه سملوا
ثمّ المريسيع أو المصطلق
…
كلاهما على الغزاة يطلق
لم ينفلت منهم أنيس وسبا
…
غير رجال عشرة قد نهبا
أعمارهم وسبيت جويريه
…
ووهب السّبي لها لتدريه
وأسلموا بعد وفي من فسّقا
…
أرسله الهادي لهم مصدّقا
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ انزل وهم
…
خزاعة مصطلق جدّ لهم
وأفزعت ريح خيار النّات
…
فقال لا باس بموت عات
فوجدوا كهف المنافقينا
…
رفاعة يومئذ دفينا
وهو النّفاق في الشّيوخ لا الشّباب
…
والخير كلّ الخير في عصر الشّباب
ووردت واردة العرمرم
…
فافتتن الوارد في المزدحم
فاستصرخ الأنصار فارط لهم
…
لطمه من ناله معروفهم
واستصرخ المهاجرين اللّذ كسر
…
عصا النّبي جهجاه عامل عمر
وقال فيها ابن أبيّ منكرا
…
وعاه زيد موقنا وما امترى
وحلف الفاجر ما قال المقال
…
وصدّقته للمكانة رجال
فأنزل الله لئن رجعنا
…
إلى المدينة ليخرجنّا
وعرك النّبيّ أذن الواعي
…
زيد بن أرقم ذي الاستماع
أن شهد الله على المنافقين
…
بالكذب المحض وأولاه اليقين
والإفك في قفولهم ونقلا
…
أنّ التّيمّم بها قد أنزلا
ثمّ الحديبية ساق البدنا
…
معتمرا وما بحرب اعتنى
ومن سوى المخلّفين استنفرا
…
عرمرما وصدّ عن أمّ القرى
وما انثنى بالجيش حتّى اقعنسست
…
عن مكّة ناقته إذ حبست
فاستنزل النّاس ولا ماء لهم
…
فاستنبطوا بالسّهم ما أعلّهم
وعلّهم أيضا بهذي الغزوة
…
ما كان عن صبابة في ركوة
وجمعوا له بقايا الزّاد
…
فخوّلوا منها سوى المعتاد
وكم قليل غير ذاك كثّرا
…
وكم قليب بالمعين فجّرا
وبايعوه بيعة الرّضوان
…
إذ قيل قد عدوا على عثمان
وعقروا جمله الثّعلب إذ
…
أرسله تحت الخزاعيّ المغذ
وكان ممّن بعثوه يسترد
…
نبيّنا مكرز عروة الحرد
والحارثيّ المتألّه الّذي
…
هو لهم بردّ أحمد بذي
ولم تزل بينهم المراجعه
…
حتّى أتى سهيلهم فاسترجعه
لولا نبيّ الرّحمة الموفّق
…
للرّشد في آرائه لمزّقوا
أسلم بعد عوده بالعظما
…
أكثر ممّن كان قبل أسلما
وفسّروا بذلك الفتح المبين
…
وفيه إبقاء على المستضعفين
وبعثوا جمل عمرو بن هشام
…
هديا وإنكاء إلى البيت الحرام
ونحروا وحلقوا وحملت
…
شعورهم للبيت ريح قد غلت
وأغلظوا في الصّلح حتّى أبرما
…
ومنه ردّ من أتاه مسلما
وهم عليهم بعد ردّهم وبال
…
إذ أخذوا الطّرق على صهب السّبال
وانتدبوا لقوله في النّدب
…
سيّدهم هذا محشّ حرب
واستعطفوا خير الورى بالرّحم
…
في صرفهم إليه عن أرضهم
و (سورة الفتح) لدى القفول
…
أنزلها الله على الرّسول
ثمّ لخيبر ورشّح النّبي
…
حيدرة وبالعقاب قد حبي
وفاز بالفتح وكان ترّسا
…
بباب حصن لا يزاح إذ رسا
وغلّ قاتل سليل مسلمه
…
لصنوه محمّد وأسلمه
وغال مرحبا وقدّ حجرا
…
من يابس الصّخر به تمغفرا
وعامر بن الأكوع استنشده
…
خير الورى وقال إذ أنشده
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
وإذ ترحّم للانشاد عليه
…
هلك من رجوع سيفه إليه
واستشعر الفاروق أن يستشهدا
…
وأخبر الهادي به باد بدا
وقتلت تسعون من يهودا
…
واستشهدت (يه) ولا مزيدا
ومرّ راجعا إلى وادي القرى
…
فشاطرت يهوده خير الورى
وأهلكوا غلامه ذا الشّمله
…
أغلّها فهي عليه شعله
ثمّ إلى الرّوم النّبيّ استنفرا
…
بمؤتة جيشا عليه أمّرا
زيد بن حارثة ثمّ جعفرا
…
فابن رواحة ولأيا انبرا
ورفعت للهاشميّ المعركه
…
فعاين الّذي أتوا وأدركه
ثمّ إلى الفتح الخزاعيّ ذمر
…
عشرة آلاف فعزّ وانتصر
وهو الّذي تهلّلت لنصره
…
سحابة ومن بليغ شعره
يا ربّ إنّي ناشد محمّدا
…
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
لدعوة النّبيّ أخّر الخبر
…
عن مكّة فلم يورّ بل جهر
وخاب صخر إذ أتى يرأب ما
…
أثآه غدر قومه فانفصما
وحاطب إبن أبي بلتعة
…
أرسل إذ زحوفه شرعت
إلى قريش رقعة مع مره
…
فأودعتها قرنها تلك المره
فأخبر الهادي بها فأرسلا
…
من جاءه كرها بها وامتثلا
وللنّبيّ عرض ابن عمّته
…
ونجل عمّه عزيز فئته
وعنهما أعرض جرّا مأثمه
…
فاستشفعا له بأمّ سلمه
وأقبلت جنود صفوة الأمم
…
أمامه حتّى انتهوا إلى الحرم
وضربت له هناك قبّه
…
أرضى بها الله وأرضى حزبه
فاحترم الحرم إذ هو الحرم
…
محرّم مؤمّن ممّن هجم
وحين حلّ بإزاء الحرم
…
أمر أن يوقد كلّ مسلم
نارا فأبصر أبو سفيانا
…
وكان يرتقبه النّيرانا
فارتاع فانسلّ إذن عمّ النّبي
…
فالتقيا فجا به عن كثب
وزعم ابن قيس ان سيحفدا
…
رجالهم خلّته وأنشدا
إن يغلبوا اليوم فما لي علّه
…
هذا سلاح كامل وألّه
وشهد المأزق فيه حطما
…
رمز (يب) من قومه فانهزما
وجاء فاستغلق بابه البتول
…
فاستفهمته أين ما كنت تقول
فقال والفزع زعفر دمه:
…
إنّك لو شهدت يوم الخندمه
إذ فرّ صفوان وفرّ عكرمه
…
واستقبلتنا بالسّيوف المسلمه
وفاز من لاذ به واسترحمه
…
يومئذ إذ هو يوم المرحمه
كابن أبي سرح وزير الخلفا
…
وناخس البكر ببنت المصطفى
وهلكت لنخسه وألقت
…
ذا بطنها والبرح منه لاقت
بحرقه أمر ثمّ رجعا
…
لقتله والنّار عنه دفعا
وبعد ما أشفى على الإحراق
…
تداركته رحمة الخلّاق
فحقن الله بالاسلام دمه
…
سبحانه من راحم ما أرحمه
أحنى وأرأف من الأمّ بنا
…
وهكذا رسوله كان لنا
يدخلنا الجنّة إلّا من شرد
…
عنه وعن توحيده أبى وصد
يقرب بالذّراع أو بالباع
…
للمدّني بشبر أو ذراع
ومن أتى يمشي أتاه هروله
…
فضاعف الأجر له وأجزله
يضاعف الأجر لسبع مئة
…
ففوق يؤجر بحسن النّيّة
من لطفه أنّ صحائف الذّنوب
…
وهي عظيمة تروّع القلوب
لا تزن التّهليل في بطاقه
…
كأنّها الظّفر في الدّقاقه
بسبّه من سبّه آنسه
…
نبيّنا أن عيّروه نخسه
صلّى عليه الله ما أحلمه
…
عن سيّىء الحوب وما أكرمه
وكأبي سفيان وابن عمّته
…
وكابن عمّه وأهل بكّته
واختلفوا فيها فقيل أمّنت
…
والحقّ عنوة وكرها أخذت
وأخبر النّبيّ بارىء النّسم
…
بقولهم يسكن بعدها الحرم
وبالّذي قالوه إذ لم يرهقا
…
تداركته رحمة فأشفقا
وبالّذي قالوه في المؤذّن
…
وبالّذي به فضالة عني
وأخذ المفتاح ثمّ ردّه
…
عن رغم قومه الّذين عنده
ثمّ إلى وادي حنين انحدر
…
عن مكّة من الألوف اثنا عشر
فوجدوا هوازنا تأهّبوا
…
بكلّ مخرم لهم وألّبوا
وبينما الجيش إليهم ينحدر
…
بغلس شدّوا إليه وهو غر
فاستنفروا بهم لذلك الرّكاب
…
وأدبرت تخدي بهم غلب الرّقاب
واستنزلوا وادّرعوا وهي تمر
…
مرّ جهام بالبهاليل نفر
فاقتحموا عنها وآبوا للنّبي
…
وزحزحوا عنه زحوف العرب
فأرسل الله جنود الفرج
…
وقبضة التّرب قضت بالفلج
وثبتت مع النّبيّ طائفه
…
من أهل بيته وممّن ألفه
حيدرة والعمران وأبو
…
سفيان جعفر ابنه المنتخب
وعمّه ربيعة العبّاس
…
وفضله أسامة الأكياس
وأيمن ابن أمّه والعبدري
…
شيبة رام غدر خير مضر
فصدّه عمّا نوى فضربه
…
نبيّنا في صدره فجذبه
ووقف السّبي إلى أن رجعا
…
من طائف لعلّ أن يسترجعا
أعطى عطايا شهدت بالكرم
…
يومئذ له ولم تجمجم
وكيف لا ومستمدّ سيبه
…
من سيب ربّ ذي عناية به
أعطى عطايا أخجلت دلح الدّيم
…
إذ ملأت رحب الفضا من النّعم
زهاء ألفي ناقة منها وما
…
ملأ بين جبلين غنما
لرجل وبله ما لحلقه
…
منها ومن رقيقه وورقه
منها أفاد العمّ ما ناء به
…
فهال منه عمّه عن ثوبه
ووكل الأنصار خير العالمين
…
لدينهم إذ ألّف المؤلّفين
فوجدوا عليه أن منعهم
…
فأرسل النّبيّ من جمعهم
وقال قولا كالفريد المونق
…
عن نظمه ضعف سلك منطقي
وأدرك الفلّ بأوطاس السّري
…
عمّ أبي موسى الشّجاع الأشعري
وغال تسع إخوة مبارزه
…
وفرّ عاشر لدى المبارزه
وإذ توى دوّخهم حفيده
…
وجاء بالفلّ وهم عبيده
فلثقيف وهي في حصون
…
بطائف أقبل من حنين
فسألوه الكفّ عن قطع الكرم
…
بالله والرّحم فارتادوا الكرم
فهابه والمنجنيق ضربا
…
وسئل الدّعا عليهم فأبى
ونوفل استشاره في أمره
…
فقال هم كثعلب في جحره
ثمّ لروم بتبوك استنفرا
…
(لام) ألوف عام عسر اعترى
ومعهم لحربه ألّب له
…
غسّان لخم وجذام عامله
وحضّ الاغنيا على الحملان
…
ونكصوا دون مدى عثمان
على بعير عشرة تعتقب
…
وعزّ مطعم وعزّ مشرب
يقتسم النّفر تمرة ومن
…
فرث الأباعر شراب قد يعن
وقعد الباكون والمعذّرون
…
وعسكرت فربّت المنافقون
وقعد الثّلاثة الّذينا
…
تاب عليهم ربّنا يقينا
كعب بن مالك مرارة الرّبيع
…
وابن أميّة هلال الرّفيع
وأبوا خيثمة وذرّ
…
قد لحقا وجاء أرض الحجر
فذبّ عن مياهه وأمرا
…
أن لا يمرّ أحد كما يرى
فعقّه المخنوق فوق مذهبه
…
ومن وفود طيّىء أتته به
فأصبح النّاس ولا ماء لهم
…
فأرسل الله سحابة تؤم
على تخلّف بطيبة علي
…
خصّ بسهمين بسهمه العلي
وسهم جبريل وكان حضرا
…
وبذله به النّبيّ أمرا
وقال إذ أضلّ راحلته
…
مجرمهم ما قال فابتهته
ونزلت يومئذ في مخشن
…
وصحبه كُنَّا نَخُوضُ فاعتن
انارة الدّجى في مغازي خير الورى صلى الله عليه وسلم شرح العلّامة المحدّث الأصوليّ الفقيه القاضي حسن بن محمّد المشّاط
قال الناظم رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن أرسل خير مرسل
…
لخير أمّة بخير الملل
[شرح الخطبة والمقدمة]
(حمدا) بالنصب: معمول لفعل محذوف؛ أي: أحمد الله حمدا، فالجملة فعليّة، اختارها لدلالتها على التجدّد والحدوث، ومعنى الحمد معروف، والمحمود هو الله تعالى، ويتعدى الحمد باللّام، كما قال:(لمن) أي: لله الذي (أرسل خير مرسل) على الإطلاق بإجماع من يعتد به، وهو سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وقال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.
ويتعلق بأرسل قوله: (لخير أمة) قيل: هي أمّته صلى الله عليه وسلم، وقيل: الصحابة خصوصا، وعليهما اختلف العلماء في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ الآية، ويتعلق بمرسل قوله:(بخير الملل) بكسر الميم وفتح اللام، جمع ملة، وهي الحنيفية السّمحة، ملّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وعلم من كونه صلى الله عليه وسلم خير مرسل: أنّه خير الخلق على الإطلاق، وهذا ممّا لا يمتري فيه إلّا معاند أو كفور؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:«أنا سيّد ولد آدم ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذ آدم فمن سواه إلّا تحت لوائي، وأنا أوّل شافع، وأوّل مشفّع ولا فخر» رواه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه.
وما ذكره الزمخشري في «كشّافه» فلتة اعتزالية؛ فقد انعقد الإجماع على خلافه، بل تفضيل الملائكة على الأنبياء عند المعتزلة فيما سواه صلى الله عليه وسلم، فهم مع أهل السنّة في تفضيله مطلقا.
قال في «إضاءة الدّجنّة» :
وما نحا «الكشاف» في التكوير
…
خلاف إجماع ذوي التنوير
وحسبنا في فضله صلى الله عليه وسلم على كل مخلوق حديث الشفاعة العظمى في ذلك الموقف الهائل العظيم.
والأنبيا تقول نفسي نفسي
…
سواه فالفضل له كالشّمس
اللهمّ؛ شفّعه فينا، واجعله مقبلا علينا، راضيا عنّا يا كريم.
واعلم: أنّ عموم أدلة رسالته صلى الله عليه وسلم كثيرة في القرآن والسنّة، قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً
وأفضل الصّلاة والسّلام
…
على لباب صفوة الأنام
لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً، وقال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً، وقال تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا حتى إنّه أرسل للملائكة؛ ليعلّمهم أدب العبودية لحضرة الرب، لا ليؤمنوا؛ لأنّهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
ثمّ أتبع الناظم ذلك بالصلاة والسلام على النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أداء لبعض ما يجب له؛ إذ هو الواسطة بين الله والخلق، وجميع النعم الواصلة إلينا إنّما هي ببركته، وعلى يديه التي أعظمها الهداية للإسلام؛ وامتثالا لقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، فقال:
(وأفضل الصلاة والسلام على) سيدنا محمّد (لباب) أي خالص (صفوة) أي: صفوة الصفوة من (الأنام) أي:
الخلق.
روى الطبراني في «الأوسط» عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله عز وجل اختار خلقه، فاختار منهم بني آدم، ثم اختار بني آدم، فاختار منهم العرب، ثمّ اختار العرب، فاختار منهم قريشا، ثمّ اختار قريشا، فاختار منهم بني هاشم، ثمّ اختار بني هاشم فاختارني منهم، فلم أزل خيارا من خيار، ألا من أحبّ العرب..
فبحبّي أحبّهم، ومن أبغض العرب.. فببغضي أبغضهم» .
وآله أفنان دوحة الشّرف
…
وصحبه والتّابعي نعم السّلف
(وآله) : هم أقاربه المؤمنون من بني هاشم عند المالكية، أو بني المطّلب كما هو قول آخر لهم كالشافعية، (أفنان) : جمع فنن، كأسباب وسبب؛ أي: أغصان (دوحة) : هي الشجرة العظيمة (الشرف) شبّه الآل بذلك في العظم، مع أنّهم أعظم من ذلك؛ لأنّه قد يكون المشبّه به دون المشبّه، كما قال أبو تمام- لمّا امتدح بعض الأمراء بقوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
…
في حلم أحنف في ذكاء إياس
وقيل له: أتشبّه الأمير في الحلم بأجلاف العرب؟! -:
لا تنكروا ضربي له من دونه
…
مثلا شرودا في النّدى والباس «1»
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره
…
مثلا من المشكاة والنّبراس
يعني قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الآية.
(وصحبه) : هم من آمن بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، واجتمع معه أوان حمل الدّعوة ولو مرة.
وهم عدول كلّهم لا تشتبه
…
النّووي أجمع من يعتدّ به
(والتابعي) : وهو من لقي الصحابي ولو بلا طول،
(1) مقول لقوله: (قال أبو تمام) .
ما أرهفت وأرعفت يراعه
…
في مهرق ينابع البراعه
كالصحابي معه صلى الله عليه وسلم، قال العراقي: (وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة والتابعين بقوله:
«طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي، طوبى لهم، وحسن مآب» رواه الطبراني في «الكبير» ، والحاكم في «المستدرك» ) .
وقد تحذف نون الجمع اختيارا كما في السبع: وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ بنصب الصلاة، وفي نسخة بحذف أداة التعريف، وإضافة تابعي إلى لفظة (نعم السلف) على حدّ: نعم السير على بئس العير، كأنّه قال: وتابعي الصحابة الذين هم نعم المتبوع، فالمدح إذن خاص بالصحابة، قاله في «روض النهاة» .
(ما) : هي مصدرية (أرهفت) : رققت (وأرعفت) :
أسالت (يراعه) : قصب تبرى منه الأقلام، وقد تنازعه الفعلان قبله على المفعولية (في مهرق) بوزن مكرم:
الصحيفة، وتنازع الفعلان، قوله:(ينابع البراعه) على الفاعلية، وهو جمع ينبوع، يقال للماء الكثير، قال في «روض النهاة» :(وعبّر به عن العلم) والبراعة: الغلبة في العلم والفهم وغيرهما.
وجلجل الرّعد وسحّ مزنه
…
وهبّ شمأل وماس غصنه
وبعد فالعلم أهمّ ما الهمم
…
تنافست فيه وخير مغتنم
(و) ما (جلجل) صوّت (الرعد) هو الملك، أو صوته.
روى أبو عيسى في سننه بسنده إلى ابن عباس قال:
(أقبلت يهود إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالوا:
يا أبا القاسم؛ أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: «ملك من الملائكة موكّل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله» قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟
قال: «زجره بالسحاب إذا زجره، حتى ينتهي إلى حيث أمر» قالوا: صدقت) وهو قطعة من حديث قال فيه الترمذي:
حديث حسن صحيح غريب، والمخاريق: جمع مخراق، وهو في الأصل: منديل يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، والمراد هنا: آلة تزجر بها الملائكة السحاب.
(وسحّ) صبّ (مزنه) ماء مطر الرعد، (و) ما (هبّ) ريح (شمأل) بفتح الشين، وإسكان الميم، وفتح الهمزة، على إحدى لغاته العشر، ولا تكاد تهب ليلا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في غزوة الخندق، (و) ما (ماس) تبختر، ومال (غصنه) أي: الشمأل، أضيف إليه للملابسة، ومراده: أن يصلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وصحبه وأتباعه مدة دوام ما ذكر، يعني على التأبيد؛ لأنّهم يذكرون مثل هذا في معنى التأبيد، لا محض التقييد.
(وبعد فالعلم أهم) أي: أعظم (ما) أي: شيء (الهمم تنافست) وافتخرت (فيه) لأنّه بالعلم يكون الإنسان إنسانا
وخيره والعلم تسمو رتبته
…
من فضل ما دلّت عليه سيرته
(وأنت بالروح، لا بالجسم إنسان) وبه يكون الوصول إلى الله تعالى، وقد أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالازدياد منه، بقوله عز وجل: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، وكفى بذلك شرفا (و) هو (خير مغتنم) يغتنمه الإنسان؛ لأنّه ينتفع به حتى بعد موته، فيصل إليه ثمرة ما كان نشره منه في حياته، وينتفع به في قبره.
ولما كان من عادة المؤلفين أن يفضلوا الفن المؤلف فيه على غيره، ترغيبا للطالبين، وتنشيطا للقارئين.. قال الناظم مستدلا على أفضليته بما دلّ عليه، كما قال العلّامة أحمد بن المقّري في «إضاءة الدّجنة» :
وكلّ علم للمزيّة اكتسب
…
فالفضل من معلومه له انتسب
(وخيره) أي: خير العلم مبتدأ (والعلم تسمو) أي:
تعلو، من سما يسمو (رتبته) : وهي جملة معترضة بين المبتدأ وخبره (من) أجل (فضل ما دلّت عليه) ذلك العلم (سيرته) خبر المبتدأ، يعني: أنّ خير العلم هو علم السيرة؛ بفضل مدلوله؛ فإنّه يدل على سيرته صلى الله عليه وسلم، وعلى سيرة أصحابه، وتراجمهم رضي الله تعالى عنهم؛ وذلك يفيد مزيد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأصحابه الذي هو إكسير الإيمان، ألا لا إيمان لمن لا محبة له، ومن أعظمها التمكن من الاقتداء بهم، المشروط في
فهاك منها نبذة ليست تملّ
…
ولم تكن بمعظم القصد تخلّ
أرجوزة على عيون الأثر
…
جلّ اعتماد نظمها في السّير
السعادة الأبدية.
قال صاحب «العشريات» :
سعادتنا مشروطة باتّباعه
…
وهل يثبت البنيان إلّا على الأسّ
ويودّ الواقف على أحوالهم لو كان
بمحضر منهم؛ حتى يكون خديما لهم، ينافح عنهم في القتال، وأعظم بذلك فضيلة بعد الإيمان بالله عز وجل، فهذا العلم من العلم الموصل إلى الله تعالى، كما نصّ على ذلك الأئمة الأعلام، وقد تقدم في المقدمة شيء من ذلك (فهاك) فخذ (منها) من سيرته (نبذة) جملة يسيرة (ليست تمل) أي: لا توقع القارئ في الملل والسآمة؛ ليسارتها، (ولم تكن بمعظم) بالإضافة إلى قوله:(القصد)، ومتعلق بقوله:(تخل) أي: ولم تكن تخل بمعظم القصد، وهذه الجملة كالاحتراس ممّا يوهم قوله:(نبذة) أنّها مخلة بالمراد، فأفاد أنّها مع كونها قليلة فهي وافية بالمطلوب، وهذا بمعنى قول غيره: إنّها ليست بالطويل المملّ، ولا بالمختصر المخلّ.
ثمّ أبدل من قوله: (نبذة) قوله: (أرجوزة) فهي منصوبة، والهمزة فيها مضمومة، من الرجز بفتحتين: ضرب من الشعر، وزنه مستفعلن ست مرات، والأرجوزة: القصيدة
وشدّ ما اجترأت في ذا الهدف
…
إذ لم أكن أهلا لصوغ النّتف
المنظومة من بحر الرجز، تجمع على أراجيز.
وقوله: (على «عيون الأثر» ) خبر مقدم لقوله: (جلّ اعتماد نظمها) أي: هذه الأرجوزة غالب اعتماد نظمها على «عيون الأثر (في) المغازي و (السير) » للحافظ أبي الفتح بن سيد الناس اليعمري الإشبيلي، ولد في ذي القعدة، سنة إحدى وسبعين وست مئة بالقاهرة، وسمع الكثير من الجم الغفير، وتفقّه على مذهب الشافعي، وأخذ الحديث عن والده وابن دقيق العيد، ولازمه سنين كثيرة، وتخرج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه.
قال في «الشذرات الذهبية» : (وولي دار الحديث بجامع الصالح، وصنف «السيرة الكبرى» وسماها:«عيون الأثر» ، واختصره في كراريس، وسماه:«نور العيون» توفي بمصر سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، ودفن بالقرافة عند الإمام العارف عبد الله بن أبي جمرة، رحمهما الله تعالى.
(وشدّ) بالبناء للفاعل بمعنى قوي، وفاعله المصدر المنسبك بما المصدرية في قوله:(ما اجترأت) أي: اجترائي (في ذا) في هذا (الهدف) محركة كما في «القاموس» : كل مرتفع من بناء، أو كثيب رمل، أو جبل.
قال السيد مرتضى في شرحه: (ومنه سمّي الغرض هدفا، هو المنتضل فيه بالسهام) .
وقال في «روض النهاة» : (قال عبد الرّحمن بن أبي بكر لأبيه- بعد أن أسلم- رضي الله عنهما: استهدفت لي يوم
فكيف بالعقد لما كان انتثر
…
عن كثرة وفي المهارق ابذعر
بدر، فصرفت عنك- وكان عبد الرّحمن من أرمى قريش- فقال له أبو بكر: أمّا إنّك يا بني، والله لو استهدفت لي..
لقتلتك) اهـ
وإنّما قوي تجاسري في هذا النظم الذي هو هدف وغرض للخطأ (إذ لم أكن أهلا) أي: مستوجبا ومستحقا (لصوغ النّتف) أي: النظم القليل، وأصل الصوغ بناء الشيء على تحسين، والنتف: جمع نتفة، كغرفة وغرف، قال في «القاموس» :(النتفة بالضم: ما تنتفه بإصبعك من النبت، وغيره، والجمع نتف كصرد) اهـ
وفي «الحاشية الكبرى» للدمنهوري على «الكافي» عن الفراء: (أنّ العرب تسمي البيت الواحد يتيما، والبيتين والثلاثة نتفة) .
(فكيف) الحال (بالعقد) بفتح العين؛ أي: النظم (لما كان انتثر) لأنّ العقد هو نظم المنثور، عكس الحل عند علماء البيان (عن كثرة) يتعلق بقوله:(انتثر)(و) الحال أنّ ذلك الكثير المنتثر ابذعرّ وتفرق (في المهارق) بفتح الميم: جمع مهرق، بمعنى الصحيفة، فهو يتعلق بقوله:(ابذعر) بفتح الذال المعجمة، والعين المهملة، قال الشيخ حماد الشنقيطي: (وهذا منه رحمه الله تعالى تواضع، وهو عادة المؤلفين قبله لا سيّما هو سجيته التواضع، واستحقار نفسه، ولولا ذلك.. لشدت إليه الرحال من كل أرض، وهو محطها
لكن تطفّلت على بركته
…
وجاهه بنظم بعض سيرته
لعلّها بالنّظم هلهلا على
…
من رامها نظما تكون أسهلا
ولحضوره بكلّ ذهن
…
عن ذكره بمضمر أستغني
في العلم، لا سيّما في علم النحو والعربية والأدب، بل والكتاب والحديث والفقه) .
(لكن تطفّلت) من التطفل، وهو الإتيان بلا دعوة، وأصله: طفيل بن زلال، كشداد، الذي يدعى طفيل الأعراس والعرائس، قال الشيخ مرتضى في «شرح القاموس» :(كان يأتي في الولائم بلا دعوة، وكان يقول: وددت أن الكوفة بركة مصهرجة، فلا يخفى عليّ منها شيء) .
قلت: وللخطيب البغدادي مؤلف في التطفيل، ذكر فيه الكثير من أخبارهم ونوادرهم الغريبة.
(على) مائدة (بركته) صلى الله عليه وسلم، (وجاهه) الرفيع العظيم المعظم، ويتعلق بتطفلت قوله:(بنظم بعض سيرته) العطرة عليه ألف ألف صلاة وسلام.
(لعلّها) أي: السيرة (بالنظم) حال كونه (هلهلا) ؛ أي: رقيقا سلسا (على من رامها) ؛ أي: قصدها من أهل العلم (نظما تكون أسهلا) لأنّ النظم أقرب حفظا، وأدنى استحضارا وأبقى.
(ولحضوره) علة لقوله: (أستغني) والواو داخلة عليه، ويتعلق بالحضور قوله:(بكل ذهن) وقوله: (عن ذكره) وقوله: (بمضمر) يتعلقان بقوله: (أستغني) أي:
والله أسأل سداد النّظر
…
وعصمة الخاطر من ذا الخطر
وإنّما أستغني عن ذكر اسمه الشريف في كلام لم يذكر فيه، بضمير يعود عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنّه حاضر بكل ذهن، وهو أعظم من الحضور الحسي، فمن ذلك قوله فيما يأتي:
عن قتل آله نهى إذ خرجوا
…
وفي خروجهم عليه حرج
وهذا بيان لاصطلاحه في نظمه.
(والله) بالنصب معمول مقدم لقوله: (أسأل) أي:
لا أطلب إلّا من الله (سداد) بفتح السين، هو الصواب، أمّا بالكسر: فهو ما يسد به الشيء، وهو غير مراد هنا، وهو مضاف إلى (النظر) من إضافة الصفة للموصوف؛ أي:
لا أطلب النظر والصواب في جميع أموري إلا منه تعالى (و) لا أسأل إلّا منه (عصمة الخاطر) أي: العصمة ممّا يخطر في القلب.
قال في شرح القاموس: (الخاطر: ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر) .
(من ذا) أي: بسبب هذا التأليف (الخطر) أي:
الخطير؛ أي: أطلب أن يعصمني من وسوسة الشيطان فيه بالعجب والرياء، ونحو ذلك من أمراض القلب الخفية، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من ذلك كله بمنّه وكرمه، آمين.
وأن يكون لي ولا عليّا
…
وعند كلّ أحد مرضيّا
وأن يكون للثّواب قانصا
…
لوجهه عز وجل خالصا
ممّا يلبّس به إبليس
…
وللهوى في طيّه تدليس
بجاه أفضل الورى محمّد
…
صلّى عليه الله طول الأبد
(و) أسأله تعالى (أن يكون) هذا التأليف نافعا (لي) فأثاب عليه؛ لكونه خالصا لوجه الله تعالى (ولا) يكون شرا (عليّا) فأعاقب عليه (و) أسأله تعالى أيضا: أن يكون (عند كل أحد مرضيا) حتى يقع النفع به.
(وأن يكون للثواب) والأجر منه تعالى (قانصا) أي:
صائدا، من قنص بمعنى صاد، وبابه ضرب؛ أي: محصلا للثواب (لوجهه عز وجل يتعلق بقوله: (خالصا) والإخلاص: هو ترك حب المحمدة على العمل، أو هو سرّ بين العبد وربه، لا يطلع عليه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، أو إفراد المعبود بالعبادة
…
أقوال.
(ممّا يلبس به) يتعلق بقوله خالصا؛ أي: وأسأل الله تعالى: أن يكون خالصا ممّا يخلط به (إبليس، و) خالصا ممّا (للهوى في طيّه) يتعلق بقوله: (تدليس) أي: وممّا للهوى تدليس، وغش في طيّه؛ أي: باطنه، متوجها إلى الله تعالى في ذلك بحرمته صلى الله عليه وسلم، ومتّبعي هديه وآثاره، كما قال:
(بجاه) أي: بحرمة (أفضل الورى) وخيرهم على الإطلاق إجماعا- كما تقدم- سيدنا (محمّد صلى عليه الله) وعلى آله وحزبه (طول الأبد) أي: الدهر، وهذا كقول الآخر