الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
(7)}
تفسير الآية، ونزولها
84030 -
قيل لمجاهد بن جبر -من طريق سفيان-: {فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} و {أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون: 1] عُني به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إنما عُني بهما الإنسان
(1)
. (15/ 517)
84031 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- {فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} ، يقول: استَيْقِن فقد جاءك مِن الله البيان
(2)
[7227]. (15/ 508)
[7227] ذكر ابنُ تيمية (7/ 76، 77) أنّ المفسرين حَكَوا هذا القول من قتادة على أنّ مراده به أن الخطاب في قوله: {فما يكذبك بعد بالدين} للرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنّ لفظ قتادة ليس صريحًا في ذلك، بل يحتمل أن يُراد به خطاب الإنسان، فإن كان أراد به ذلك فالمعنى صحيح، وإنْ أراد أنّ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالمعنى باطل وفاسد لفظًا ومعنى، فلا يقال للرسول:«فأي شيء يجعلك مُكذِّبًا بالدين؟» وإن ارتأت به النفس؛ لأنّ هذا فيه دلائل تدل على فساده، وبيَّن أنّ هذا المعنى هو الذي أوجب نفور مجاهد عن أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أحسن باستعاذته منه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يُكذِّب بالدين، بل هو الذي أخبر بالدين وصدَّق به.
_________
(1)
أخرجه ابن جرير 24/ 523، وبنحوه من طريق منصور، وابن أبي حاتم -كما في تفسير ابن كثير 8/ 457 - . وعزاه السيوطي إلى الفريابي، وعبد بن حميد.
(2)
أخرجه ابن جرير 24/ 524، وابن عساكر 1/ 216 - 217 ببعضه مفرقًا. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.
84032 -
عن محمد بن السّائِب الكلبي -من طريق معمر- {فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} : إنما يعني: الإنسان، يقول: خلقتُك في أحسن تقويم، فما يُكذِّبك أيها الإنسان بعد بالدين؟!
(1)
. (ز)
84033 -
قال مقاتل بن سليمان: {فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} يقول: ما يُكذِّبك، أيها الإنسان، يعني: عدي بن ربيعة {بِالدِّينِ} يعني: بالبعث بعد الصورة الحسنة والشباب، وبعد الهَرم، وفيه نزلت هذه الآية، يقول: يُكذِّبك بالقيامة، فيقول الله: الذي فعل ذلك به قادر على أن يَبعثه فيُحاسبه
(2)
[7228]. (ز)
[7228] اختُلف في معنى {ما} على قولين: الأول: أنها بمعنى: أي شيء يُكذِّبك؟ الثاني: أنها بمعنى: مَن الذي يُكذِّبك؟ وفي المخاطب أيضًا بـ {يكذبك} قولان: أحدهما: أنّ المخاطب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. الآخر: أنّ المخاطب بذلك الإنسان الكافر.
وذكر ابنُ القيم (3/ 339) أنّ مَن قال بأنّ {ما} بمعنى: أي شيء، تعيَّن على قوله أن يكون الخطاب للإنسان، والمعنى: فأي شيء يجعلك بعد هذا البيان مُكذِّبًا بالدين، وقد وضحت لك دلائل الصدق والتصديق؟! ومَن جعلها بمعنى: فمن الذي يُكذِّبك، جعل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن بيَّن ابنُ عطية (8/ 649) أنّ الدين بمعنى الجزاء، ذكر أنه على القول بأنّ المُخاطَب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون «الدين بمعنى: جميع دينه وشرعه».
وقد رجّح ابنُ جرير (24/ 524) أنّ {ما} بمعنى: مَن، وأنّ المُخاطَب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول مَن قال: معنى {ما} معنى: مَن. ووجّه تأويل الكلام إلى: فمَن يُكذِّبك -يا محمد- بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين؟! يعني: بطاعة الله، ومجازاته العباد على أعمالهم» . ولم يذكر مستندًا. وذكر أنّ بعض أهل العربية تأوَّل أنّ المعنى: «فما الذي يُكذِّبك بأنّ الناس يدانون بأعمالهم؟ وكأنه قال: فمَن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبيّن له خَلْقنا الإنسان على ما وصفنا» .
وكذا رجح ابنُ تيمية (7/ 74 - 77) أنّ المُخاطَب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنّ الصواب ما ذكره ابنُ جرير عن بعض أهل العربية (الفراء والأخفش) مِن أنّ المعنى: فمَن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبيّن له أنّا خلقنا الإنسان على ما وصفنا. وانتقد أن يكون المُخاطَب: الإنسان الكافر مستندًا إلى النظائر، واللغة، والدلالة العقلية، وعلّل ذلك بـ «أنّ الإنسان في السورة إنما ذُكِرَ مُخبَرًا عنه لم يُخاطَب، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أُنزِل عليه القرآن، والخطاب في هذه السور له كقوله:{ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3]، وقوله:{ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1]
…
والإنسان إذا خوطب قيل له: {يا أيها الإنسان} [الانفطار: 6، الانشقاق: 6]. وأيضًا فبتقدير أن يكون خطابًا للإنسان يجب أن يكون خطابًا للجنس، كقوله:{يا أيها الإنسان إنك كادح} [الانشقاق: 6]، وعلى قول هؤلاء إنما هو خطاب للكافر، خاصة المُكذِّب بالدين، وأيضًا فإنّ قوله:{فما يكذبك بعد بالدين} إمّا أن يكون معناها: فما يجعلك مُكذِّبًا بالدين، أو يكون معناها: فما يجعلك كاذبًا بالدين، والأول فاسد من جهة العربية، والثاني فاسد مِن جهة المعنى، فإنّ الدين هو الجزاء الذي كَذَّب به الكافر، والكافر كذَّب به لم يُكذَّب هو به. وأيضًا فلا يُعرَف في المُخبِر أن يقول: كذبت به، بل يقال: كذبته، وأيضًا: فالمعروف في كذَّبه أي: نسبه إلى الكذب، لا أنه جعل الكذب فيه، فهذا كلّه تكلُّف لا يُعرَف في اللغة».
وقد أجاب ابنُ القيم (3/ 338 - 339) عن الإشكال اللغوي الذي أورده ابن تيمية، فذكر أنّ قول القائل:«كذّب بكذا. معناه: كذّب المُخبِر به، ثم حذف المفعول به لظهور العلم به حتى كأنه نسي، وعدَّوا الفعل إلى المُخبِر به، فإذا قيل: مَن يُكذِّبك بكذا؟ فهو بمعنى: كذَّبوك بكذا سواء. أي: نسبوك إلى الكذب في الإخبار به» . ثم ذكر إشكالًا على القول بأنّ المُخاطَب الإنسان، وأجاب عنه، فقال:«بل الإشكال في قول مجاهد والجمهور، فإنّ الخطاب إذا كان للإنسان وهو المُكذِّب -أي: فاعل التكذيب- فكيف يقال: له ما يُكذِّبك؟ أي: يجعلك مُكذِّبًا. والمعروف كذبه إذا جعله كاذبًا لا مُكذّبًا، ومثل فسَّقَهُ إذا جعله فاسقًا لا مُفسِّقًا لغيره. وجواب هذا الإشكال: أنّ صدّق وكذّب بالتشديد يراد به معنيان: أحدهما النسبة، وهي إنما تكون للمفعول كما ذكرتم. والثاني: الداعي والحامل على ذلك، وهو يكون للفاعل. قال الكسائي: يقال: ما صدّقك بكذا أو ما كذّبك بكذا، أي: ما حملك على التصديق والتكذيب. قلتُ: وهو نظير ما أجرأك على هذا، أي: ما حملك على الاجتراء عليه، وما قدّمك وما أخّرك، أي: ما دعاك وحملك على التقديم والتأخير، وهذا استعمال سائغ موافق للعربية» .
ورجّح ابنُ القيم (3/ 338 - 339) أنّ الخطاب في الآية للإنسان، فقال:«وقوله سبحانه: {فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} أصح القولين أنّ هذا خطاب للإنسان، أي: فما يُكذِّبك بالجزاء والمعاد بعد هذا البيان وهذا البرهان، فتقول: إنك لا تُبعث ولا تُحاسب، ولو تفكّرتَ في مبدأ خَلْقك وصورتك لعلمتَ أنّ الذي خلقك أقدر على أن يعيدك بعد موتك وينشئك خَلْقًا جديدًا، وأنّ ذلك لو أعجزه لأعجزه وأعياه خَلْقك الأول» .
_________
(1)
أخرجه عبد الرزاق 2/ 383، وابن جرير 24/ 524. وذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين 5/ 146 - .
(2)
تفسير مقاتل بن سليمان 4/ 752.