الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1168 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ -عَمَّتَهُ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا إلَيْهَا العَفْوَ، فَأَبَوْا، فَعَرَضُوا الأَرْشَ، فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَوْا إلَّا القِصَاصَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ لَا، وَالَّذِي بَعَثَك بِالحَقِّ، لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ» ، فَرَضِيَ القَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ:«إنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مع ذكر مجموعة من المسائل الملحقة
مسألة [1]: القصاص في الجروح والأعضاء
.
يجري القصاص في الجروح، والأطراف، والأعضاء بالنص، والإجماع.
أما من القرآن: فقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة:45].
ومن السنة: حديث أنس المذكور في الباب.
وأما الإجماع: فقد وقع الإجماع في الجملة على القصاص في ذلك.
(2)
مسألة [2]: شروط القصاص في الجروح والأعضاء
.
• اشترط أهل العلم في ذلك شروطًا:
(1)
أخرجه البخاري (2703)، ومسلم (1675).
(2)
انظر: «المغني» (11/ 530 - 531، 536)«البيان» (11/ 358).
الأول: أن تكون الجناية عمدًا محضًا، فأما الخطأ فلا قصاص فيه إجماعًا، وشبه العمد ليس فيه القصاص عند الأكثر، وخالف بعض الحنابلة فأوجب في ذلك القصاص، وكذا الحنفية.
وحجة الجمهور أنَّ النفس لا يقاد فيه بالخطإ وشبه العمد؛ فما دون النفس من باب أولى.
الثاني: التكافؤ بين الجارح والمجروح، والتكافؤ يحصل بما يبيح نفسه بنفسه، بمعنى أنه إذا قتله قِيد به، فلا قصاص بين الكافر والمسلم.
• وذهب الجمهور إلى أنه لا قصاص بين الحر والعبد، وقد تقدم أن الراجح خلافه.
الثالث: إمكان الاستيفاء من غير حيف، ولا زيادة؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126]، وقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، ولا خلاف في ذلك كما قال ابن قدامة.
ولذلك فأهل العلم يمنعون القصاص في الجروح التي يُخشى على الجاني إذا استوفي منه أن يتضرر بأكثر مما جنى، أو يؤدي به إلى الموت، كالمنقلة، والمأمومة، والدامغة.
وكذلك يقولون: إذا كان القطع في الأطراف مما دون المفصل؛ فلا قصاص،
وإنما له الدية.
• واختلفوا هل له القصاص فيما دون ذلك، كأن يقطع طرفه من الساعد، فيطالب بالقصاص من الرسغ، أو يقطع من العضد فيطالب بالقصاص من المرفقين، ونحو ذلك.
ففيه وجهان للحنابلة، والصحيح أنَّ له القصاص بذلك، وهو مذهب الشافعية، بل إن أمكن أن يقاص من موضع القطع فله ذلك.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله في «السيل» (ص 874): والحاصل أنَّ القصاص ثابت في الجروح، وهي تشمل ما كان ذا مفصل، وما كان غير ذي مفصل إذا أمكن الوقوف على مقداره، بحيث يمكن المقتص أن يقتص من الجاني بمثل الجناية الواقعة منه، وسواء كانت الجناية موضحة، أو دونها، أو فوقها. اهـ
ورجَّح الإمام ابن عثيمين أنه إذا أمكن القصاص بدون زيادة؛ فيقاص ولو كان من غير المفصل، وهو الصحيح، والله أعلم.
الرابع: اشترط أهل العلم التكافؤ في الأطراف، فلا تقطع الصحيحة بالمشلولة، ولا الكاملة بناقصة الأصابع، وعليه عامة أهل العلم.
وخالف داود الظاهري، فقال بالقطع، وحجة الجمهور قوله تعالى:{فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وتعذرت المماثلة هنا؛ فعليه الدية.