الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل والأحكام المستفادة من الأحاديث
مسألة [1]: حكم شرب الخمر
.
شرب الخمر من كبائر الذنوب، ودلَّ على تحريمه الكتاب، والسنة.
أما من القرآن: فقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91].
ومن السنة: حديث أنس رضي الله عنه عند الترمذي (1295)، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«لعن الله في الخمر عشرة» وذكر منهم: «شاربها» ، وإسناده حسن.
وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عند النسائي (8/ 314) وغيره: «لا يشرب الخمر رجل من أمتي؛ فيقبل الله منه صلاة أربعين يومًا» وإسناده صحيح.
وفي «صحيح مسلم» (2002) من حديث جابر رضي الله عنه أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إنَّ حقًّا على الله لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طينة الخبال يوم القيامة .. » .
وأجمع المسلمون على تحريم الخمر في الجملة.
(1)
مسألة [2]: مقدار الحد على الشارب
.
• من أهل العلم من قال: حدُّه ثمانون جلدة. وهذا قول مالك، والثوري،
(1)
انظر: «المغني» (12/ 493 - 495)«البيان» (12/ 514).
وأبي حنيفة، وأحمد في رواية، والشافعي في قولٍ؛ لأنَّ هذا الذي استقر عليه الأمر في عهد عمر رضي الله عنه بإشارة الصحابة، وعُزِي هذا القول للجمهور.
• وذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنَّ حدَّه أربعون. وهو قول الشافعي في الأصح عنه، وأحمد في رواية، وأبي ثور، وداود الظاهري وأصحابه.
واستدلوا بحديث أنس، وحديث علي رضي الله عنهما اللذين في الباب.
• وذهب طائفة من أهل العلم إلى أنَّ الخمر لا حدَّ فيها، وإنما فيها التعزير. نقله عنهم ابن المنذر، والطبري، ونُقل هذا القول عن الزهري، وأخرج أحمد (2963)، وأبو داود (4476)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يقت النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر حدًّا، شرب رجل، فسكر، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس انفلت منهم، فدخل على العباس، فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فضحك، ولم يأمر فيه بشيء. ولكن في إسناده: محمد بن علي بن يزيد بن ركانة، وهو مجهول الحال.
واستُدِلَّ لهذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في «البخاري» (6777)، قال: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ:«اضْرِبُوهُ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ. قَالَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ» .
وَأَخْرَجَ (6774) عَنْ عُقْبَةَ بنِ الحَارِثِ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ، أَوْ
بِابْنِ النُّعَيْمَانِ شَارِبًا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ بِالْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ. قَالَ: فَضَرَبُوهُ، فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ.
وفي «الصحيحين» عَنْ عَلِيًّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ، فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِي نَفْسِي إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسُنَّهُ.
(1)
وفي «البخاري» (6779) عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيد رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا، وَنِعَالِنَا، وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ، فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ، حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا؛ جَلَدَ ثَمَانِينَ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (6779): وَالْجَوَاب: أَنَّ الْإِجْمَاع اِنْعَقَدَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى وُجُوب الْحَدّ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْر تَحَرَّى مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ السَّكْرَانَ؛ فَصَيَّرَهُ حَدًّا، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا اِسْتَمَرَّ مَنْ بَعْدَهُ، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي الْعَدَد.
قال: وَجَمَعَ الْقُرْطُبِيّ بَيْن الْأَخْبَار بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوَّلًا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ حَدٌّ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ اِبْن عَبَّاس فِي الَّذِي اِسْتَجَارَ بِالْعَبَّاسِ، ثُمَّ شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ عَلَى مَا فِي سَائِر الْأَحَادِيث الَّتِي لَا تَقْدِيرَ فِيهَا، ثُمَّ شُرِعَ الْحَدُّ، وَلَمْ يَطَّلِعْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى تَعْيِينِهِ صَرِيحًا مَعَ اِعْتِقَادهمْ أَنَّ فِيهِ الْحَدَّ الْمُعَيَّنَ، وَمِنْ ثَمَّ تَوَخَّى أَبُو
(1)
سيأتي في «البلوغ» برقم (1253).