الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1104 -
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي المُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا-: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
1105 -
(2)
وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا، وَأَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ، فَأَمَرَهَا، فَتَحَوَّلَتْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(3)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: المطلقة الرجعية هل لها السكنى والنفقة
؟
لا خلاف بين أهل العلم في أنَّ المطلقة الرجعية لها السكنى، والنفقة؛ لأنها ما زالت زوجة له، ولقوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1] إلى قوله: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق:1 - 2].
(4)
مسألة [2]: المطلقة البائن هل لها السكنى، والنفقة
؟
• اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لها السكنى، وليس لها النفقة.
وهو قول عامة الفقهاء السبعة، ومالك، والثوري، والشافعي وأصحابهم،
(1)
أخرجه مسلم برقم (1480)(44).
(2)
حصل تأخير خمسة أحاديث من هذا الموضع إلى موضع آخر سيأتي قريبًا.
(3)
أخرجه مسلم برقم (1482).
(4)
انظر: «شرح مسلم» (1481).
وحجتهم في وجوب السكنى عموم قوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق:1]، وبقوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6].
واستدلوا بعدم وجوب النفقة بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] دلَّ على أن غير ذات الحمل لا نفقة لها، وبحديث فاطمة بنت قيس، وقد عُزي هذا القول للجمهور.
القول الثاني: لها السكنى والنفقة. وهو قول أبي حنيفة، وآخرين، وصح عن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهما، واستدلوا على ذلك بأنها إذا وجب عليها السكنى؛ فيجب لها النفقة، وإلا فكيف تحبس، وقال به شريح، والنخعي، وغيرهم.
القول الثالث: لا سكنى لها ولا نفقة. وهو قول فاطمة بنت قيس، وجابر بن عبد الله، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهم، وقال به عطاء، وطاوس، والحسن، وعمرو بن ميمون، وعكرمة، وإسحاق، وأحمد، وأبو ثور، وداود الظاهري، وغيرهم. واستدل أصحاب هذا القول بحديث فاطمة بنت قيس الذي في الباب:«لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةٌ» .
وقد أُجيب عن حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بأجوبة عديدة، منها: أنَّ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال كما في «صحيح مسلم» (1480): لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة، لا ندري أحفظت أم نسيت.
وبقول عائشة رضي الله عنها في «الصحيحين»
(1)
: لا خير لها أن تذكر ذلك. تعني فاطمة. وقالت عائشة كما في «البخاري» (5326): إنَّ فاطمة كانت في مكان وحش، فخيف على ناحيتها، فأرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: كانت فاطمة سيئة الخلق مع أهل زوجها، فأمرها رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالانتقال. أشار إلى ذلك مروان كما في «البخاري» (5323)، وصرح بذلك سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار.
وقد أُجيب عن هذه المطاعن: بأنها صحابية جليلة من المهاجرات الأُوَل، فلم لا يقبل خبرها، وإن كانت امرأة، فقد قُبلت أخبار كثيرة من النساء، وهي تحكي قصة حصلت لها، وصاحب القصة أحفظ لها من غيره. وأما كونها خالفت القرآن في ذلك، فَرُدَّ بنقيضه، وقالوا: بل وافقت القرآن؛ فإنَّ الآيات من أول سورة الطلاق سياقها في المطلقة الرجعية، ولو فرض العموم في قوله تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ} ؛ لكان حديث فاطمة مخصصًا للآية، ولا تعارض بين عام وخاص.
وأما قولهم: إنما كان ذلك لفحش من لسانها. فتأويل بعيد، فكيف لم ينكر عليها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذا الفحش، ويقول لها: اتقي الله، وكفي لسانك عن أذى أهل زوجك. وكيف يعدل عن هذا إلى قوله:«لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةٌ» .
وأما قولهم: إنها كانت في مكان وحش. فهو تأويل أقوى مما قبله، ولكن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين في الألفاظ الأخرى أنَّ السكنى ليس لها على الزوج من الأصل،
(1)
انظر: «البخاري» (5325)، ومسلم (1481)(54).
فلعلها -أعني فاطمة رضي الله عنها - ظنَّت في بداية الأمر أنه يجب عليها السكنى، فاستأذنته في التحول، فأذن لها، وبين لها عدم وجوب ذلك، ولا تعارض في ذلك، والله أعلم.
ومن أقوى ما استدلوا به على السكنى أنهم قالوا: الآية في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} المقصود بها المطلقة ثلاثًا، ويدل عليه تخصيص الحامل بالنفقة بقوله {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]، والرجعية تجب لها النفقة حاملًا، أو حائلًا، فما فائدة تخصيص الحامل بالنفقة؟
قال ابن القيم رحمه الله في «الزاد» : فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَخْصِيصِ نَفَقَةِ الرّجْعِيّةِ بِكَوْنِهَا حَامِلًا؟ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَقْتَضِي أَنّهُ لَا نَفَقَةَ لِلرّجْعِيّةِ الْحَائِلِ، بَلْ الرّجْعِيّةُ نَوْعَانِ قَدْ بَيّنَ اللهُ حُكْمَهُمَا فِي كِتَابِهِ، حَائِلٌ: فَلَهَا النّفَقَةُ بِعَقْدِ الزّوْجِيّةِ؛ إذْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَزْوَاجِ. أَوْ حَامِلٌ: فَلَهَا النّفَقَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا فَتَصِيرُ النّفَقَةُ بَعْدَ الْوَضْعِ نَفَقَةَ قَرِيبٍ لَا نَفَقَةَ زَوْجٍ، فَيُخَالِفُ حَالُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ حَالَهَا بَعْدَهُ؛ فَإِنّ الزّوْجَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَحْدَهُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا، فَإِذَا وَضَعَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطّفْلِ، وَلَا يَكُونُ حَالُهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا كَذَلِكَ بِحَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطّفْلِ؛ فَإِنّهُ فِي حَالِ حَمْلِهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، فَإِذَا انْفَصَلَ كَانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ، وَانْتَقَلَتْ النّفَقَةُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ، فَظَهَرَتْ فَائِدَةُ التّقْيِيدِ وَسِرّ الِاشْتِرَاطِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ كَلَامِهِ. اهـ
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (11/ 300 - )«ابن أبي شيبة» (5/ 146 - )«زاد المعاد» (5/ 522 - 542).