الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
القسامة:
هي مصدر: أقَسَمَ قَسَمًا، وقَسَامَة، ومعناه: حَلَفَ حَلِفًا، والمراد به ههنا اسم للأيمان المكررة في دعوى القتل. هذا قول الفقهاء.
وقال بعض أهل اللغة: إنها اسم للقوم الذين يحلفون، سُمُّوا باسم المصدر، والأصل في القسامة حديث الباب.
(1)
مسألة [1]: القضاء بالقسامة
.
• ذهب أكثر العلماء إلى القضاء بالقسامة، حتى قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث أصلٌ من أصول الشرع، وقاعدة من قواعد الأحكام، وركنٌ من أركان مصالح العباد، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة، والتابعين، وعلماء الأمة، وفقهاء الأمصار من الحجازيين، والشاميين، والكوفيين، وإن اختلفوا في صورة الأخذ به.
وحجتهم في ذلك حديث الباب.
• وقال بعض أهل العلم: لا يعمل بالقسامة. وهو قول سالم، وأبي قلابة، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وسليمان بن يسار، وقتادة، وهو قول عمر بن عبدالعزيز الذي أخذ به بعد قوله بالقول الأول، وإليه يميل البخاري.
(1)
انظر: «المغني» (12/ 188).
واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس: «لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى رجال دماء أُناس وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» ، وفي رواية:«البينة على المدَّعِي، واليمين على من أنكر» .
قال ابن القيم رحمه الله في «أعلام الموقعين» (2/ 312) في بيان عدم التعارض بين الحديثين: وَاَلَّذِي شَرَعَ الْحُكْمَ بِالْقَسَامَةِ هُوَ الَّذِي شَرَعَ أَنْ لَا يُعْطَى أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ الله، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَمْ يُعْطَ فِي الْقَسَامَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَكَيْفَ يَلِيقُ بِمَنْ بَهَرَتْ حِكْمَةُ شَرْعِهِ الْعُقُولَ أَنْ لَا يُعْطِيَ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ عُودًا مِنْ أَرَاكٍ، ثُمَّ يُعْطِيه بِدَعْوَى مُجَرَّدَةٍ دَمَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؟ وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الظَّاهِرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَوْقَ تَغْلِيبِ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ اللَّوَثُ، وَالْعَدَاوَةُ، وَالْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ مِنْ وُجُودِ الْعَدُوِّ مَقْتُولًا فِي بَيْتِ عَدُوِّهِ، فَقَوَّى الشَّارِعُ الْحَكِيمُ هَذَا السَّبَبَ بِاسْتِحْلَافِ خَمْسِينَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ الَّذِينَ يَبْعُدُ أَوْ يَسْتَحِيلُ اتِّفَاقُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى رَمْيِ الْبَرِيءِ بِدمٍ لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ، وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يُرَاقِبُ اللهَ؟.
قال: وَلَوْ عُرِضَ عَلَى جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ هَذَا الْحُكْمُ، وَالْحُكْمُ بِتَحْلِيفِ الْعَدُوِّ الَّذِي وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِهِ بِأَنَّهُ مَا قَتَلَهُ؛ لَرَأَوْا أَنَّ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدْلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَلَوْ سُئِلَ كُلُّ سَلِيمِ الْحَاسَّةِ عَنْ قَاتِلِ هَذَا؛ لَقَالَ: مَنْ وُجِدَ فِي دَارِهِ. وَاَلَّذِي يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبُ أَنْ يُرَى قَتِيلٌ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَعَدُوُّهُ هَارِبٌ بِسِكِّينٍ مُلَطَّخَةٍ
بِالدَّمِ، وَيُقَالُ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَيَسْتَحْلِفُهُ بِاَلله مَا قَتَلَهُ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ، وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى أَحْسَنِ الْأَحْكَامِ، وَأَعْدَلِهَا، وَأَلْصَقِهَا بِالْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، الَّذِي لَوْ اتَّفَقَتْ الْعُقَلَاءُ لَمْ يَهْتَدُوا لِأَحْسَنَ مِنْهُ، بَلْ وَلَا لِمِثْلِهِ.
وَأَيْنَ مَا تَضَمَّنَهُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ مِنْ حِفْظِ الدِّمَاءِ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ تَحْلِيفُ مَنْ لَا يُشَكُّ مَعَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تُفِيدُ الْقَطْعَ أَنَّهُ الْجَانِي؟
قال: وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» لَا يُعَارِضُ الْقَسَامَةَ بِوَجْهٍ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْإِعْطَاءَ بِدَعْوَى مُجَرَّدَةٍ، وَقَوْلُهُ:«وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، حَيْثُ لَا تَكُونُ مَعَ الْمُدَّعِي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى. اهـ
وقال رحمه الله في «تهذيب السنن» (6/ 325) بعد أن ذكر حديث: «لو يُعطى الناس بدعواهم
…
»: فهذا إنما يدل على أنه لا يُعطى أحد بمجرد دعواه دمَ رجلٍ ولا ماله، وأما في القسامة؛ فلم يعط الأولياء بمجرد دعواهم، بل بالبينة، وهي ظهور اللوث، وأيمان خمسين، لا بمجرد الدعوى، وظهور اللوث، وحلف خمسين؛ بينة بمنزلة الشهادة، وأقوى. اهـ
(1)
تنبيه: اللوث هي قرائن تجعل الشخص يغلب على ظنه أنَّ ذلك حصل منه القتل، وربما قالوا: شبهة يغلب على الظن الحكم بها.
(2)
(1)
وانظر: «الفتح» (6899)«المغني» (12/ 202 - )«الفتاوى» (34/ 154 - 155)«البداية» (4/ 263).
(2)
«الفتاوى» (34/ 154)«الفتح» (6899).