الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [5]: هل للإمام أن يخلع نفسه من الإمامة
؟
قال ابن كثير رحمه الله: وهل له أن يعزل نفسه؟ فيه خلاف، وقد عزل الحسن ابن علي رضي الله عنه نفسه
(1)
، وسلم الأمر إلى معاوية، لكن هذا لعذر، وقد مُدِح على ذلك. اهـ
قلتُ: وكذلك إن رأى من نفسه عجزًا؛ فله ذلك، وعليه أن يعينها لإنسان كُفءٍ لها، والله أعلم.
(2)
مسألة [6]: خلع الإمام؛ لكفره وفسقه
.
جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في «الصحيحين»
(3)
، قال: بَايَعْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ؛ إِلَّا أَنْ تَرَوا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُم فِيْهِ مِنَ اللهِ بُرْهَانٌ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ لَائِمٍ».
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» [كتاب الإمارة: 41]: وَمَعْنَى الْحَدِيث: لَا تُنَازِعُوا وُلَاة الْأُمُور فِي وِلَايَتهمْ، وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ؛ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ؛ فَأَنْكِرُوهُ عَلَيْهِمْ، وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ، وَأَمَّا الْخُرُوج عَلَيْهِمْ وَقِتَالهمْ؛ فَحَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ،
(1)
انظر «البخاري» رقم (2704).
(2)
وانظر: «البيان» (12/ 12).
(3)
أخرجه البخاري برقم (7056)(7200)، ومسلم برقم (1709).
وَإِنْ كَانُوا فَسَقَة ظَالِمِينَ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث بِمَعْنَى مَا ذَكَرْته، وَأَجْمَعَ أَهْل السُّنَّة أَنَّهُ لَا يَنْعَزِل السُّلْطَان بِالْفِسْقِ، وَأَمَّا الْوَجْه الْمَذْكُور فِي كُتُب الْفِقْه لِبَعْضِ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يَنْعَزِل، وَحُكِيَ عَنْ الْمُعْتَزِلَة أَيْضًا؛ فَغَلَط مِنْ قَائِله، مُخَالِف لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن، وَإِرَاقَة الدِّمَاء، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر؛ اِنْعَزَلَ. قَالَ: وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة. قَالَ: وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ: تَنْعَقِد لَهُ، وَتُسْتَدَام لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل.
قَالَ الْقَاضِي: فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر، وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ، أَوْ بِدْعَة؛ خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة، وَسَقَطَتْ طَاعَته، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ، وَخَلْعه، وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ؛ فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ؛ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر، وَلَا يَجِب فِي الْمُبْتَدِع؛ إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَة عَلَيْهِ؛ فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْز؛ لَمْ يَجِب الْقِيَام، وَلْيُهَاجِرْ الْمُسْلِم عَنْ أَرْضه إِلَى غَيْرهَا، وَيَفِرّ بِدِينِهِ. قَالَ: وَلَا تَنْعَقِد لِفَاسِقٍ اِبْتِدَاء، فَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْخَلِيفَة فِسْق، قَالَ بَعْضهمْ: يَجِب خَلْعه؛ إِلَّا أَنْ تَتَرَتَّب عَلَيْهِ فِتْنَة وَحَرْب. وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء، وَالْمُحَدِّثِينَ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ: لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ، وَالظُّلْم، وَتَعْطِيل الْحُقُوق، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع،
وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضهمْ هَذَا بِقِيَامِ الْحَسَن، وَابْن الزُّبَيْر، وَأَهْل الْمَدِينَة عَلَى بَنِي أُمَيَّة، وَبِقِيَامِ جَمَاعَة عَظيمة مِنْ التَّابِعِينَ، وَالصَّدْر الْأَوَّل عَلَى الْحَجَّاج مَعَ اِبْن الْأَشْعَث، وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِل قَوْله:«أَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله» فِي أَئِمَّة الْعَدْل، وَحُجَّة الْجُمْهُور: أَنَّ قِيَامهمْ عَلَى الْحَجَّاج لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْق، بَلْ لَمَّا غَيَّرَ مِنْ الشَّرْع، وَظَاهَرَ مِنْ الْكُفْر، قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْخِلَاف كَانَ أَوَّلًا، ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاع عَلَى مَنْع الْخُرُوج عَلَيْهِمْ. وَاَللَّه أَعْلَم. اهـ
قال أبو عبد الله غفر الله له: وكذلك لو كفر الإمام؛ فلا خروج عليه إلا مع القدرة على ذلك، كما ذكر أهل العلم، وأما الخروج بدون قدرة فمحرَّمٌ؛ لما فيه من سفك الدماء، وانتهاك الأعراض، واستباحة الأموال بدون تحقيق نفعٍ، وبالله التوفيق.