الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيه: القائلون بتحريم الخليطين، وكذا الانتباذ في الأوعية، وكذا بتحريم النبيذ بعد ثلاث، لا حدَّ عندهم على من تناول ذلك؛ إلا أن يسكر.
مسألة [6]: حكم شرب الطِّلاء
.
نُقل عن جماعة من الصحابة أنهم أباحوا شرب (الطِّلاء) إذا طُبِخ وذهب ثُلثاه، وعن بعضهم إذا ذهب نصفه.
قال البخاري رحمه الله في «صحيحه» [باب: (10) من كتاب الأشربة]: وَرَأَى عُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ الْبَرَاءُ، وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اشْرَبْ الْعَصِيرَ مَا دَامَ طَرِيًّا. اهـ
قلتُ: والآثار المذكورة قد بين الحافظ من وصلها في «الفتح» ، و «التغليق» ، وأسانيدها ثابتة، وانظر «مصنف ابن أبي شيبة» (7/ 528).
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» بعد أن ذكر من وَصَلَ الآثار المذكورة: وَالطِّلَاء بِكَسْرِ المُهْمَلَة وَالْمَدّ: هُوَ الدِّبْس، شُبِّهَ بِطِلَاءِ الْإِبِل، وَهُوَ الْقَطِرَان الَّذِي يُدْهَن بِهِ، فَإِذَا طُبِخَ عَصِير الْعِنَب حَتَّى تَمَدَّدَ أَشْبَهَ طِلَاء الْإِبِل، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالَة غَالِبًا لَا يُسْكِر.
قال: وَقَدْ وَافَقَ عُمَرَ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ عَلَى الْحُكْم الْمَذْكُور أَبُو مُوسَى
(1)
، وَأَبُو
(1)
أخرجه النسائي (5721) أخبرنا سويد، قال: أنبأنا عبد الله، عن هشيم، قال: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي موسى الأشعري، أنه كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
الدَّرْدَاء
(1)
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُمَا، وَعَلِي
(2)
، وَأَبُو أُمَامَةَ
(3)
، وَخَالِد بْن الْوَلِيد
(4)
وَغَيْرهمْ أَخْرَجَهَا اِبْن أَبِي شَيْبَة وَغَيْره، وَمِنْ التَّابِعِينَ: اِبْن المُسَيِّب، وَالْحَسَن، وَعِكْرِمَة، وَمِنْ الْفُقَهَاء: الثَّوْرِيّ، وَاللَّيْث، وَمَالِك، وَأَحْمَد، وَالْجُمْهُور، وَشَرْط تَنَاوُله عِنْدهمْ مَا لَمْ يُسْكِر، وَكَرِهَهُ طَائِفَة تَوَرُّعًا.
ثم ذكر من وصل أثر أبي جحيفة، والبراء.
ثم قال: وَوَافَقَ الْبَرَاء، وَأَبَا جُحَيْفَةَ جَرِير
(5)
، وَأَنَس
(6)
، وَمِنْ التَّابِعِينَ اِبْن الْحَنَفِيَّة، وَشُرَيْح.
قال: وَأَطْبَقَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ يُسْكِر؛ حَرُمَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي «الْأَشْرِبَة» : بَلَغَنِي أَنَّ النِّصْف يُسْكِر؛ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَرَام.
(1)
أخرجه النسائي (5720) أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن سعيد بن المسيب، أن أبا الدرداء، كان يشرب ما ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه. وهذا إسنادٌ صحيحٌ، رجاله ثقات.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 529) من طريق أبان بن عبد الله البجلي، عن رجل سماه، عن علي رضي الله عنه، وإسناده ضعيف؛ لجهالة الراوي عن علي رضي الله عنه، ثم وجدت عن علي رضي الله عنه طريقًا أخرى صحيحة عند النسائي (5718) بمعناه.
(3)
حسن: أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 531) حدثنا حماد بن خالد، عن معاوية بن صالح، عن سالم بن سالم قال: دخلت على أبي أمامة، وهو يشرب طلاء الرُّب. وهذا إسناد حسن، وسالم بن سالم، هو أبو شداد الحمصي، شهد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه، كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1365).
(4)
صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 532) حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا إسماعيل، عن مغيرة، عن شريح؛ أن خالد بن الوليد كان يشرب الطلاء بالشام. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات
…
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 543)، وفي إسناده جرير بن أيوب البجلي، وهو متروك، وقد اتهم.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 543)، وفي إسناده عبيدة بن معتب الضبي، وهو ضعيف.
قال الحافظ: وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ أَعْنَاب الْبِلَاد، فَقَدْ قَالَ اِبْن حَزْم: إِنَّهُ شَاهَدَ مِنْ الْعَصِير مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى الثُّلُث يَنْعَقِد وَلَا يَصِير مُسْكِرًا أَصْلًا، وَمِنْهُ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى النِّصْف كَذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا إِذَا طُبِخَ إِلَى الرُّبْع كَذَلِكَ. بَلْ قَالَ: إِنَّهُ شَاهَدَ مِنْهُ مَا يَصِير رُبًّا خَاثِرًا لَا يُسْكِر، وَمِنْهُ مَا لَوْ طُبِخَ لَا يَبْقَى غَيْر رُبْعه لَا يَخْثُر وَلَا يَنْفَكّ السُّكْر عَنْهُ. قَالَ: فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَل مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَة مِنْ أَمْر الطِّلَاء عَلَى مَا لَا يُسْكِر بَعْد الطَّبْخ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس بِسَنَدٍ صَحِيح أَنَّ النَّار لَا تُحِلّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمهُ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق عَطَاء عَنْهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ يُرِيد بِذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الطِّلَاء. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَصِير مِثْل الْعَسَل، وَيُؤْكَل وَيُصَبّ عَلَيْهِ الْمَاء فَيُشْرَب.
ثم ذكر أثر ابن عباس رضي الله عنهما: اشرب العصير ما دام طريًّا.
قال: وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي ثَابِت الثَّعْلَبِيّ قَالَ: كُنْت عِنْد اِبْن عَبَّاس، فَجَاءَهُ رَجُل يَسْأَلهُ عَنْ الْعَصِير؟ فَقَالَ: اِشْرَبْهُ مَا كَانَ طَرِيًّا. قَالَ: إِنِّي طَبَخْت شَرَابًا وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْء. قَالَ: أَكُنْت شَارِبه قَبْل أَنْ تَطْبُخهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ النَّار لَا تُحِلّ شَيْئًا قَدْ حُرِّمَ
(1)
. وَهَذَا يُقَيِّد مَا أُطْلِقَ فِي الْآثَار الْمَاضِيَة، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُطْبَخ إِنَّمَا هُوَ الْعَصِير الطَّرِيّ قَبْل أَنْ يَتَخَمَّر، أَمَّا لَوْ صَارَ خَمْرًا فَطُبِخَ؛ فَإِنَّ الطَّبْخ لَا يُطَهِّرهُ، وَلَا يُحِلّهُ إِلَّا عَلَى رَأْي مَنْ يُجِيز تَخْلِيل الْخَمْر، وَالْجُمْهُور
(1)
حسن: أخرجه النسائي (5729) أخبرنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبد الله، عن أبي يعفور السلمي، عن أبي ثابت الثعلبي، به. وهذا إسناد حسن، وأبو ثابت الثعلبي، هو أيمن بن ثابت، وهو حسن الحديث، وأبو يعفور، هو عبد الرحمن بن عبيد، وهو ثقة.
عَلَى خِلَافه.
قال: وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيِّ: اِشْرَبْ الْعَصِير مَا لَمْ يَغْلِ. وَعَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: مَا لَمْ يَتَغَيَّر. وَهَذَا قَوْل كَثِير مِنْ السَّلَف أَنَّهُ إِذَا بَدَأَ فِيهِ التَّغَيُّر يَمْتَنِع، وَعَلَامَة ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذ فِي الْغَلَيَان، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف. وَقِيلَ: إِذَا اِنْتَهَى غَلَيَانه وَابْتَدَأَ فِي الْهُدُوّ بَعْد الْغَلَيَان. وَقِيلَ: إِذَا سَكَنَ غَلَيَانه.
قال: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَحْرُم عَصِير الْعِنَب النِّيء حَتَّى يَغْلِي وَيَقْذِف بِالزَّبَدِ. فَإِذَا غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ؛ حَرُمَ. وَأَمَّا الْمَطْبُوخ حَتَّى يَذْهَب ثُلُثَاهُ وَيَبْقَى ثُلُثه فَلَا يَمْتَنِع مُطْلَقًا، وَلَوْ غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ بَعْد الطَّبْخ. وَقَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَالْجُمْهُور: يَمْتَنِع إِذَا صَارَ مُسْكِرًا، شُرْب قَلِيله وَكَثِيره، سَوَاء غَلَى أَمْ لَمْ يَغْلِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَبْلُغ حَدَّ الْإِسْكَار بِأَنْ يَغْلِي، ثُمَّ يَسْكُن غَلَيَانه بَعْد ذَلِكَ، وَهُوَ مُرَاد مَنْ قَالَ: حَدُّ مَنْع شُرْبه أَنْ يَتَغَيَّر. وَاَللهُ أَعْلَم. اهـ
(1)
(1)
انظر: «الفتح» [باب: (10) من كتاب الأشربة]«مجموع الفتاوى» (34/ 199 - 200، 215 - )«المغني» (12/ 514)«ابن أبي شيبة» (8/ 170).