الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى، فذكره.
روي عن ابن عباس قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه - وهم في بيت اثنا عشر رجلا - من عين في البيت ورأسه يقطر ماء؛ قال: فقال: إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي؛ قال: ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شاب من أحدثهم سنا، قال: فقال أنا، فقال له: اجلس؛ ثم أعاد عليهم، فقام الشاب، فقال: أنا؛ قال: نعم أنت ذاك؛ فألقي عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء؛ قال: وجاء الطلب من اليهود، وأخذوا شبهه. فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به، فتفرقوا ثلاث فرق، فقالت فرقة: كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء اليعقوبية.
وقالت فرقة: كان فينا ابن الله ما شاء الله، ثم رفعه إليه، وهؤلاء النسطورية.
وقالت فرقة: كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله، ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء المسلمون، فتظاهرت الطائفتان الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم. {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ} من بني إسرائيل، {وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} يعني الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى، {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} والطائفة التي آمنت في زمن عيسى، في إظهار محمد على دينهم دين الكفار، فأصبحوا ظاهرين.
رواه النسائي في الكبرى (11527) وابن جرير في تفسيره (22/ 623، 622) والمقدسي في المختارة (402) كلهم من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبحر، عن ابن عباس، قال: فذكره.
وإسناده حسن من أجل المنهال بن عمرو فإنه حسن الحديث.
ولكن حسب الرواية المشهورة عند أهل الكتاب أن الجنود الروم هم الذين كانوا يبحثون عن عيسى عليه السلام، وهم الذين جاؤوا للقبض عليه، وليس اليهود كما جاء في هذه الرواية، وأن يهوذا الإسخريوطي الذي شبه عليه كان قد تواطأ مع جنود الروم، وكان خائنا، وليس كما جاء في هذه الرواية، وقد بينت ذلك في كتابي:"دراسات في اليهودية والمسيحية وأديان الهند" وجاء فيه:
"لم يرض اليهود بدعوة المسيح، فأغروا عليه الحاكم الروماني واتهموه بأنه يريد أن يرث ملك داود حتى صدر المرسوم الإمبراطوري للقبض عليه وإعدامه، فبدأ الجنود الروم يبحثون عنه، حتى تمكنوا من الوصول إليه، ولكن الله ألقى شبهه على يهوذا الإسخريوطي الذي تقول الأناجيل إنه هو
الذي دسَّ عليه".
وإليكم ما جاء في إنجيل برنابا في هذا الصدد:
"ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنو الجمهور الغفير، فلذلك انسحب إلى البيت خائفا، وكان الأحد عشر نياما، فلما رأى الله الخطر على عبده، أمر جبريل وميخائيل وروفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم، فجاء الملائكة الأطهار، وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح الله إلى الأبد. ودخل يهوذا بعنف إلي الغرفة التي أصعد منها يسوع، وكان التلاميذ كلهم نياما، فأتى الله العجيب بأمر عجيب، فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه، فصار شبها بيسوع، حتى إننا اعتقدنا أنه يسوع.
أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم، لذلك تعجبنا وأجبنا: أنت يا سيد هو معلمنا، أنسيتنا الآن؟ ، أما هو فقال متبسما: هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفوا يهوذا الإسخريوطي. وبينما كان يقول هذا، دخلت الجنود، وألقوا أيديهم على يهوذا الإسخريوطي، لأنه كان شبيها بيسوع من كل وجه". الفصل الخامس عشر بعد المائتين، والسادس عشر بعد المائتين.
وفي الأناجيل المزعومة إشارة إلى إلقاء شبه عيسى على شخص آخر، فإن الجميع قالوا:"هل هو أم لا؟ فقال لهم يسوع: كلكم تشكون في هذه الليلة".
هكذا تجلت قدرة الله، وامتدت يد العناية إلى رسول الله، فأخفاه ربه عن أعين الناظرين، ووقع يهوذا الخائن بأيديهم، فتملكته الدهشة، فلم يستطع الدفاع عن نفسه، والإعلان عن حقيقة أمره، فاستاقوه إلى ساحة القتل، بين الصخب والضجيج، والفرح والتهليل، ومكروا، ومكر الله، والله خير الماكرين، فصلبوه بعد أن جلدوه، وهم يظنون أنهم صلبوا المسيح {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157، 158].
• * *