الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
يظهر من هذا أن أبي بن كعب كان يُجَزِّئُ هذا الحديث، فيروي مرة جزءا، وأخرى جزءا، فجمعها قبيصة عن سفيان، ورواه غيره مجزءا، وليس فيه شيء منكر وغريب.
وقوله: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} أي: أئنا لنحيا بعد موتنا، ونبعث من مكاننا هذا؟ وهي شبهة جميع المشركين والمعاندين، ويرون أنه شيء مستحيل، ولكنهم نسوا قدرة الله تعالى الذي خلقهم من عدم، وإن الخلقة الثانية أهون من الخلقة الأولى.
{الْحَافِرَةِ} : أول الحال وابتداء الأمر، تقول العرب: رجع فلان في حافرته، أي: رجع من حيث جاء.
وقوله: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً} أي: بالية.
{قَالُوا} أي: المنكرين {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} رجعة خائبة، يعني: إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت من العذاب.
وقوله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} أي: على وجه الأرض بعد أن كانوا في جوفها، وذلك بعد النفخة الأخيرة، في قوله: أي: صيحة واحدة، وهو النفخ في الصور.
عقوبة الآخرة على كلمته، وهي قوله:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وعقوبة الأولى على كلمته وهي قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، فأخذه الله بكلمتيه كلتيهما، فجعل نكال الآخرة العذاب بالنار، وجعل نكال الأولى الغرق في الدنيا، وقدَّم نكال الآخرة لشدتها وخلودها، وأخَّر نكال الأولى لخفتها.
وجرائم فرعون كثيرة، لكن دعواه للربوبية في قوله:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أشد جرما من غيرها، فإن الله تعالى له الربوبية المطلقة، وهو غني عن الندّ والنظير والشريك، ولا يرضى أن يشرك به، ولا يغفره قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
قوله: {مُرْسَاهَا} أي: قيامها مثل قيام العدل وقيام الحق، أي: يسألونك يا محمد، هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي يبعث فيها الموتى من قبورهم، فليس عليك بيان ذلك، وإنما علمها عند الله،
وما أنت إلا منذر، يوضح ذلك الحديث الآتي:
• عن عائشة قالت: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة، حتى أنزل الله عز وجل:{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} يعني علمها عند الله.
صحيح: رواه البزار - كشف الأستار (2279) وابن جرير في تفسيره (24/ 99) والحاكم (2/ 513) كلهم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، فذكرته.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فإن ابن عيينة كان يرسله بآخره".
قلت: الرواية المرسلة هذه رواها عبد الرزاق في تفسيره (3/ 390، 391) عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، قال:"لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى نزلت: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} فانتهى عن المسألة عنها".
ولكن الحكم لمن وصله. وخاصة الذين وصلوه من الثقات وهم الحميدي عبد الله بن الزبير كما عند الحاكم ويعقوب بن إبراهيم كما عند ابن جرير، إلا أن أبا زرعة رجّح المرسل كما في علل ابن أبي حاتم (1693).
والضابط في مثل هذا إن كان الواصلون ضابطين ثقات ولو كانوا دون من أرسلهم يُحمل على أن الشيخ نفسه أسنده مرة، وأرسله أخرى، فالحكم لمن وصله، ثم وقفت على كلام الدارقطني في العلل (14/ 126) فقال:"ولعل ابن عيينة وصله مرة، وأرسله أخرى".
وأما كون الشيخين لم يخرجا هذا الحديث، فليس من أجل الاختلاف في الوصل والإرسال، وإنما من أجل الاختصار، فإنهما لم يلتزما بإخراج جميع ما صحَّ.
• عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} .
صحيح: رواه النسائي في التفسير (11581) وابن جرير في تفسيره (24/ 100) والطبراني في الكبير (8/ 387) كلهم من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب، فذكره.
وإسناده صحيح، وطارق بن شهاب من صغار الصحابة، الذين ثبتت رؤيتهم ولم تثبت روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومراسيل صغار الصحابة مقبولة عند المحدثين.
ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقرب قيام الساعة في الأحاديث الكثيرة، منها:
• عن سهل بن سعد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعه هكذا، بالوسطى والتي تلي الإبهام:"بعثت والساعة كهاتين".
متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (4936) عن أحمد بن المقدام، حدثنا الفضيل بن سليمان، حدثنا أبو حازم، حدثنا سهل بن سعد، قال: فذكره.
ورواه مسلم في الفتن (2950) من وجه آخر عن أبي حازم به نحوه.
• عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"بعثت أنا والساعة كهاتين".
متفق عليه: رواه البخاري في التوحيد (6504) ومسلم في الفتن وأشراط الساعة (2951: 134) كلاهما من طريق شعبة، قال: سمعت قتادة وأبا التياح، يحدثان أنهما سمعا أنسا، يحدث: فذكره.
وزاد مسلم في روايته: "وقرن شعبة بين إصبعيه: المسبِّحة والوسطى، يحكيه"، وقال في رواية:"قال شعبة: وسمعت قتادة يقول في قصصه: كفضل إحداهما على الأخرى، فلا أدري أذكره عن أنس، أو قاله قتادة".
• عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" قال: وضمَّ السبابة والوسطى.
صحيح: رواه مسلم في الفتن وأشراط الساعة (2951: 135) عن أبي غسان المسمعي، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن معبد، عن أنس، قال: فذكره.
• عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين" يعني إصبعين.
صحيح: رواه البخاري في الرقاق (6505) عن يحيى بن يوسف، أخبرنا أبو بكر، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكره.
قوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} يعني الكفار الذين كذبوا بالبعث والنشور، فإذا قامت القيامة، وخرجوا من قبورهم فلشدة هولها يرون أنهم لم يلبثوا في قبورهم إلا وقتا قصيرا مثل العشية - وهي آخر النهار - أو ضحى تلك العشية.
• * *