الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الترمذيّ: "حسن صحيح".
وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشّيخين".
5 - باب قوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)}
• عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم يكذب إبراهيم النَّبِيّ عليه السلام قطّ إِلَّا ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله قوله {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63]، وواحدة في شأن سارة، فإنه قدم أرض جبار، ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام، فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك، فلمّا دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، أتاه، فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إِلَّا لك. فأرسل إليها، فأتى بها، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصّلاة، فلمّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة، فقال لها: ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرك. ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من القبضة الأولى، فقال لها مثل ذلك، ففعلت، فعاد، فقبضت أشد من القبضتين الأوّليين، فقال: ادعي الله أن يطلق يدي، فلك الله أن لا أضرك. ففعلت، وأطلقت يده، ودعا الذي جاء بها، فقال له: إنك إنّما أتيتني بشيطان، ولم تأتني بإنسان، فأخرجها من أرضي وأعطها هاجر. قال: فأقبلت تمشي، فلمّا رآها إبراهيم عليه السلام انصرف، فقال لها: مهيم، قالت: خيرًا كف الله يد الفاجر، وأخدم خادما".
قال أبو هريرة: "فتلك أمكم، يا بني ماء السماء".
متفق عليه: رواه البخاريّ في أحاديث الأنبياء (3357، 3358)، ومسلم في الفضائل (2371: 154) كلاهما من طرق عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، فذكره، وهذا لفظ مسلم.
6 - باب قوله: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)}
قوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} هذا الغلام هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وقد ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق بن إبراهيم، ولكن الصواب أنه إسماعيل، وليس بإسحاق، وهو الذي يدل عليه النظم القرآني من وجوه كثيرة، وفيما يلي ذكرها:
1 -
أن الملائكة لما بشّروا إبراهيم بإسحاق قالوا: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53]، وإسماعيل وصف بالحلم في الآية الكريمة، وهذا هو الوصف المناسب لهذا المقام.
2 -
قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي: كبَّر هذا الغلام وترعرع وصار يذهب ويمشي مع أبيه، وهذا يدل على أن ذلك الغلام الحليم الذبيح لم يكن كبيرا، وقد اتفق أهل الكتاب والمسلمون أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق، وجاء في سفر التكوين ما يدل على ولادة إسماعيل قبل إسحاق بأربع عشرة سنة، فالظاهر أنها لما وقعت قصة الذبح لم يكن إسحاق ولد بعد.
3 -
قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} ولا شك أن الأمر بذبح الابن الأكبر الوحيد البكر أبلغ في الابتلاء والاختبار، وعزم إبراهيم على تنفيذه أبلغ في الامتثال والطاعة، وإسماعيل كان هو الأكبر والبكر من أولاد إبراهيم.
4 -
قال تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)} [هود: 71]، فالله عز وجل بشر إبراهيم بإسحاق، وذكر أنه يبارك عليهما، وأنه يولد في حياتهما ولد لإسحاق يكون اسمه يعقوب. فليس من المعقول أن يأمر الله بذبح إسحاق وهو صغير؛ لأن الله تعالى كان قد وعد إبراهيم بأن ابنه إسحاق سيكون له ولد ونسل وذرية.
5 -
إن إسماعيل عليه السلام سكن في مكة، وشارك أباه في بناء الكعبة، قال تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. وقصة الذبح هذه كانت في منى كما أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، وأجمع على ذلك أهل الإسلام قاطبة.
وأمّا إسحاق فلم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على مجيئه إلى مكة، وكذلك لم يذكر المؤرخون من المسلمين ومن أهل الكمَاب وغيرهم مجيء إسحاق إلى مكة طول حياته ولو مرة واحدة. ولذا من المستبعد جدّا أن يكون الذبيح إسحاق، بل هو إسماعيل قطعا بلا ريب للوجوه المذكورة، وقد بسطت هذه المسألة في مقالة مستقلة في كتابي:"دراسات في اليهود والمسيحية" ولا مانع من إيرادها هنا لأهميتها.
الذبيح هو إسماعيل: إن اليهود كعادتهم حرفوا حادثة الذبح ووضعوا اسم إسحاق عليه السّلام
في مكان الذبيح مع أن القرائن تدل على أنه إسماعيل.
وإليكم ما جاء في الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين: "وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم، فقال له: يا إبراهيم، فقال: هأنذا، فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأسعده، هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك، فبكر إبراهيم صباحا، وشد على حماره، وأخذ اثنين من غلمانه معه، وإسحاق ابنه وشقق حطبا لمحرقة، وقام، وذهب إلى الموضع الذي قال الله له، وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه، وأبصر الموضع من بعيد، فقال إبراهيم لغلاميه: اجلسا أنتما ههنا مع الحمار، وأمّا أنا والغلام فنذهب إلى هناك، ونسجد ثمّ نرجع إليكما، فأخذ إبراهيم حطب المحرقة، ووضعه على إسحاق ابنه، وأخذ بيده النّار والسكين، فذهبا كلاهما معا، وكلّم إسحاق إبراهيم أباه، وقال: يا أبي! فقال: هأنذا يا بني، فقال: هو ذا النّار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟ فقال إبراهيم: الله يرى له الخروف للمحرقة يا بني! فذهبا كلاهما معا، فلمّا أتيا إلى الموضع الذي قال له الله بنى إبراهيم هنا المذبح، ورتب الحطب وربط إسحاق ابنه، ووضعه على المذبح فوق الحطب، ثمّ مدّ إبراهيم يده، وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء، وقال: إبراهيم! إبراهيم! فقال: هأنذا، فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني، فرفع إبراهيم عينيه، ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعقه محرقة عوضا عن ابنه، فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع "يهوه يراه" حتَّى أنه يقال اليوم في جبل الرب "يرى" ثمّ ذهب إبراهيم إلى بئر سبع وسكن فيه".
هذه هي قصة الذبح في التوراة المزعومة، وتستخرج من هذه القصة الأمور التالية:
1 -
إن الله أمره أن يذبح ابنه الوحيد.
2 -
إن هذا الابن كان محبوبا لإبراهيم.
3 -
إن إبراهيم كان سكن بئر سبع قبل الذبح، وبعد الذبح.
4 -
يبعد المذبح "مريا" من بئر سبع مسافة ثلاثة أيام.
وفي ضوء هذه النقاط إذا نظرنا إلى آل إبراهيم اتضح لنا بوضوح أن الابن الوحيد لإبراهيم هو "إسماعيل"، لأنه ولد قبل أخيه بأربعة عشر عاما كما جاء في التكوين:"فولدت هاجر لإبراهيم ابنا، ودعا إبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر إسماعيل، وكان إبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل لإبرام، (16/ 15)، "وكان إبرام ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق ابنه". (21/ 4).
فيفهم من هذا أن قصة الذبح كانت قبل ولادة إسحاق؛ لأن ابنه الوحيد البكر هو إسماعيل عليه السلام. وأن التوراة تنص على أن البكر هو الذي يقدم للذبائح سواء كان من الإنسان أو الحيوان، وهي شريعة مستمرة من آدم إلى موسى عليهما السلام، ففي سفر التكوين (4/ 4): "وقدم هابيل
أيضًا من أبكار غنمه ومن سمانها فنظر الرب إلى هابيل وقربانه".
هذا بموجب شريعة آدم وأولاده، وبقي هذا الحكم مستمرا إلى موسى عليه السلام، فإن البكر هو الذي يخصص لله، ويقدس كما جاء في سفر الخروج (13/ 1 - 2):"وحكم الرب موسى قائلًا: قدس لي كل بكر، وكل فاتح رحم، من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم، إنه لي".
ولا شك أن نبي الله إسماعيل بكر أبيه هو الذي استحق هذا الشرف ليكون في خدمة الله.
الأمر الثاني: قوله: ابنك الوحيد الذي تحبه.
وهذا واضح وضوح الشّمس فإن حبّ إبراهيم لإسماعيل لا يحتاج إلى إقامة دليل، لأنه ولد بعد ما بلغ من العمر ستا وثمانين سنة، وكان من نتيجة دعائه، ولذا سماه"إسماعيل" من استجابة الله دعاءه - أو "سمع الله".
ولذلك لما بشّر بالابن الثاني وهو إسحاق عليه السلام لم يزد على قوله: "لله ليت إسماعيل يعيش أمامك". سفر التكوين (17/ 18).
ولما طلبت سارة من إبراهيم أن يفارق ابنه إسماعيل وأمه حزن إبراهيم من هذا الطلب: "ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذي ولدته لإبراهيم نمزح. فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق، فقبح الكلام جدًّا في عيني إبراهيم لسب ابنه. فقال الله لإبراهيم: لا تقبح في عينيك من أجل الغلام، ومن أجل جاريتك في كل ما تقول لك سارة اسمع قولها؛ لأنه لاسحاق يدعى لك نسل. وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة؛ لأنه نسلك". سفر التكوين (21/ 9 - 13).
كأن الله هدّأ فؤاد إبراهيم بقوله: إنه سيجعل منه أمة وقد كان محزونا من طلب سارة مفارقة ابنه، وهو دليل على حبه له.
الأمر الثالث: إن إبراهيم كان يسكن بئر سبع عند ما أمر بذبح ابنه، ومنه أخذ ابنه، وذهب إلى "مريا".
تنص التوراة على أن إبراهيم أخذ هاجر وابنها إسماعيل، وتركهما في بئر سبع (التكوين: 21/ 14) وسكن إسماعيل مع أمه في برية فاران (التكوين: 21/ 21). إن صحَّ ما تقول التوراة فإن إبراهيم أخذ ابنه إسماعيل من بئر سبع، وذهب إلى "مريا".
ويبدو أن محرري التوراة لم يلاحظوا هذه الأمور، فاستعجلوا في إقحام اسم إسحاق عليه السلام في حادثة الذبح.
الأمر الرابع: ذهابه إلى "مريا" إذا نظرنا إلى موضع "مريا" واشتقاقه فهو في أصله "مروة" وأن التوراة تنص على أوصاف هذا الجبل بأنه بلوطة مورة (التكوين: 12/ 6). وفي النسخة العبرانية: "برية مورة" ولا شك أن المترجمين غيرو هذا الفظ من أصله "مروة" إلى "مرية"
و "مريا" و"موريا" و"مورة" و"مورءياه" إلى غير ذلك.
والأمر الذي لا خلاف فيه بين اليهود والنصارى أن الذبح كان جنب المعبد.
وهذه الأمور كلها تدل على أن ذلك كان في جوار بيت الله الحرام الذي يسمى الآن "مروة" والقرآن يقطع هذا النزاع بقوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)} .
لأن البشارة الأولى كانت لإسماعيل كما أن البشارة الثانية هي لإسحاق. والموضع الذي حدثت فيه قصة الذبح كان بجوار بيت الله الحرام الذي يسمى "واديا غير ذي زرعا. وتتعارض نصوص التوراة بأن يكون إسحاق عليه السلام هو الذبيح، وذلك أن الله بشر إبراهيم بإسحاق، وذكر عقبه أن يباركه كما جاء في سفر التكوين (19/ 17): "ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية".
فهل من الممكن أن يخبر الله تعالى بأنه يقيم عهده مع إسحاق وهو لم يولد بعد، ثمّ يأمره بذبحه بعد ولادته، أو ليس فيه تناقض ظاهر؟ وأين يكون امتحان إبراهيم وقد علم سابقا أن إسحاق يكون أبا أمة عظيمة. بينما لم يعلم هذا عن إسماعيل إِلَّا بعد ولادة إسحاق - أي بعد حادثة الذبح.
ولا يقال: قد يكون إسماعيل توفي في حياة إبراهيم، فلم يبق من ولده الذي وصف بأنه "الوحيد" إِلَّا إسحاق، لأن إبراهيم مات عن إسماعيل وإسحاق، واشتركا في دفن أبيهما كما جاء في سفر التكوين (25/ 7 - 9):"عاش إبراهيم مائة سنة وخمسة وسبعين سنة، وأسلم روحه، ومات بشيبة صالحة، وشيخا وشبعان أياما، وانضم إلى قومه ودفنه إسحاق وإسماعيل في مغارة المكفيلة".
وأرى هذه القدر يكفي للتحقيق في الموضوع، والله الهادي إلى سواء السبيل.
وقوله: {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} وفيه دليل على أن رؤيا الأنبياء وحي، ولذا جاء العمل بها، بخلاف غيرهم من الناس فإنه لا يجوز الإقدام على شيء بمجرد الرؤيا.
• عن ابن عباس قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلةً، فقام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم من الليل، فلمّا كان في بعض الليل قام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فتوضأ من شنٍّ معلّق وضوءا خفيفا، - يخففه عمرو ويقلّله -، وقام يصلي، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثمّ جئت، فقمت عن يساره - وربما قال سفيان: عن شماله -، فحولّني، فجعلني عن يمينه، ثمّ صلّى ما شاء الله،
ثمّ اضطجع، فنام حتَّى نفخ، ثمّ أتاه المنادي، فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصّلاة، فصلّى، ولم يتوضأ. قلنا لعمرو: إن ناسا يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه، قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثمّ قرأ:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} .
متفق عليه: رواه البخاريّ في الوضوء (138)، ومسلم في صلاة المسافرين (763: 186) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرني كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس فذكره، واللّفظ للبخاريّ.
• عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة، وأن ذلك سنة؟ قال: صدقوا، إن إبراهيم لما أمر بالمناسك، عرض له الشّيطان عند المسعى، فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثمّ ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له شيطان، - قال يونس: الشّيطان - فرماه بسبع حصيات، حتَّى ذهب، ثمّ عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات، قال: قد تله للجبين - قال يونس: وثم تلّه للجبين - وعلى إسماعيل قميص أبيض، وقال: يا أبت، إنه ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره، فاخلعه حتَّى تكفنني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه:{أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} فالتفت إبراهيم، فإذا هو بكبش أبيض أقرن أعين.
قال ابن عباس: لقد رأيتنا نبيع هذا الضرب من الكباش، قال: ثمّ ذهب به جبريل إلى الجمرة القصوى، فعرض له الشّيطان، فرماه بسبع حصيات حتَّى ذهب، ثمّ ذهب به جبريل إلى منًى قال: هذا منًى. فذكر الحديث بطوله.
حسن: رواه أحمد (2707)، وأبو داود الطيالسي (2820)، - ومن طريقه البيهقيّ (5/ 153، 154) -، وأبو داود (1885) مختصرًا كلّهم من طريق حمّاد بن سلمة، عن أبي عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل، فذكره.
وإسناده حسن من أجل أبي عاصم الغنوي فإنه حسن الحديث.
والكلام عليه مبسوط في باب سبب رمي الجمرات في كناب المناسك.
• عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني امرأة من بني سليم ولّدت عامة أهل دارنا: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة، وقال مرة: إنها سألت عثمان بن طلحة: لم