الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
111 - تفسير سورة المسد وهي مكية، وعدد آياتها 5
أبو لهب هو: عبد العزى بن عبد المطلب، وهو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديد العداوة والأذى للنبي صلى الله عليه وسلم، فذمّه الله تعالى بهذا الذمّ العظيم الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة، وكنيته أبو عتبة، باسم ولده، وأما كنيته أبو لهب فأراد الله أن يكون مصيره إلى النار، فاشتهر بهذه الكنية في الجاهلية، كما جاء في حديث ربيعة بن عباد، وبه خاطبه القرآن.
• عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان قال: أخبرني رجل يقال له: ربيعة بن عباد من بني الديل، وكان جاهليا. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا" والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فذكروا لي نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لي: هذا عمه أبو لهب.
حسن: رواه أحمد (19004) والحاكم (1/ 15) كلاهما من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن ربيعة بن عباد، فذكره.
وإسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد فإنه مختلف فيه غير أنه حسن الحديث، إذا لم يكن في حديثه ما ينكر عليه.
• عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء: 214] ورهطك منهم المخلصين. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: "يا صباحاه". فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه فقال: "يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب" فاجتمعوا إليه فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقيّ؟ ". قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". قال: فقال أبو لهب: تبا لك، أما جمعتنا إلا لهذا، ثم قام، فنزلت هذه السورة:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة.
متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (4971) ومسلم في الإيمان (208) كلاهما من طريق أبي أسامة، حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: فذكره، واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري نحوه.
قوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} الأول دعاء عليه، أي: خسرت وخابت. والثاني خبر عنه، وقد تبَّ أي تحققت خسارته وهلاكه.
وإسناد التب إلى اليدين لما روي أن أبا لهب كان أخذ حجرا بيده ليرمي به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} المال في الغالب كان يطلق عند العرب على الإبل والغنم.
وقوله: {وَمَا كَسَبَ} أي: ما جمع من نقود من الذهب والفضة والسلاح.
وروي عن عبد الله بن عباس وغيره: يعني ولده، لأن الولد من كسب أبيه.
وروي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان قال أبو لهب: إذا كان ما يقول ابن أخي حقا، فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي، فأنزل الله تعالى:{مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} .
وقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)} يصلى نارا، أي: يشوى بها، يقال: صلاه بالنار إذا شواه، أي: ذات شرر ولهيب، وإحراق شديد.
والسين للتحقيق مثل قوله تعالى: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98].
وكانت هذه الآية نزلت في حياة أبي لهب، وقد مات كافرا، فكانت هذه الآية إعلاما بأنه لا يسلم، ولا ينجو من نار ذات لهب، وكانت من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
وقوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} هي زوجته، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان بن حرب، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده، فتكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم، فتحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه. وقيل: إنها كانت تضع الشوكة في طريق النبي صلى الله عليه وسلم من بيته إلى الكعبة.
وقوله: {وَامْرَأَتُهُ} عطف على الضمير المستتر في {سَيَصْلَى} أي: وتصلى امرأته نارا.
وقوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} صفة ثانية لهذه المرأة الخبيثة، أي جُعِل في عنقها حبل تحمل فيه الحطب في جهنم لإسعار النار على زوجها.
والجيد: العنق، وغلب على عنق المرآة على محل القلادة، لبيان الحسن، وهذه المرأة وُصِفَت بهذه الصفات جزاء لعملها في الدنيا.
وهذه المرأة أيضا ماتت على الكفر والشرك، وتحقق فيها أيضا دلائل النبوة، كما تحقق في زوجها، فكلاهما ماتا على الكفر ويدخلان النار.
وكانت هذه المرأة بذيئة كما جاء في الحديث:
• عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول: مذمم أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ثم قرأ قرآنا ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تراني"، وقرأ قرآنا اعتصم به كما قال، وقرأ:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)} [الإسراء: 45] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر! إني أخبرت أن صاحبك هجاني. فقال: لا، ورب هذا البيت! ما هجاك. فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها.
قال: فقال الوليد في حديثه أو قال غيره: فعثرت أم جميل وهي تطوف بالبيت في مرطها، فقالت: تعس مذمم. فقالت أم حكيم ابنة عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم، فكلتانا من بني العم، قريش بعد أعلم.
حسن: رواه الحميدي (323) - وعنه الحاكم (2/ 361) - عن سفيان، ثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر، فذكرته.
واللفظ للحميدي، ولم يذكر الحاكم: قال الوليد في حديثه
…
الخ.
وابن تدرس هو يزيد بن تدرس لا يعرف من هو؟ ولكن رواه البيهقي في الدلائل (2/ 196) من وجه آخر عن سعيد بن كثير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر.
وإسناده حسن من أجل هذه المتابعة. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد".
وبمعناه ما روي عن ابن عباس قال: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله! إنها امرأة بذيئة وأخاف أن تؤذيك فلو قمت؟ قال: "إنها لن تراني"، فجاءت فقالت: يا أبا بكر! إن صاحبك هجاني. قال: ما يقول الشعر. قالت: أنت عندي مصدق، وانصرفت. فقلت: يا رسول الله! لم ترك قال: "لم يزل ملك يسترني منها بجناحيه".
رواه أبو يعلى (25، 2358) وعنه ابن حبان (6511) والبزار - كشف الأستار (2294) كلهم من حديث أبي أحمد الزبيري، حدثنا عبد السلام بن حرب، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره.
وإسناده ضعيف من أجل عطاء بن السائب، فإنه اختلط، وروى عنه عبد السلام بن حرب في حالة الاختلاط، وقد نص الحافظ ابن حجر في "هدي الساري": "من روى عنه بعد الاختلاط