الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصف النار بأنها "موقدة" يفيد بأنها لا تزال مشتعلة غير خامدة.
وقوله: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} أي: تحرقهم إلى الأفئدة، وهم أحياء.
وقوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} يجوز أن تكون الصفة الثالثة لنار الله. وموصدة اسم مفعول من أوصد الباب إذا أغلقه غلقا محكما ومطبقا.
وقوله: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} في بمعنى الباء، أي: موصدة بعمد ممددة، قاله ابن مسعود، وهي في قراءته {بعمد ممددة}. وقال ابن عباس: إن العمد الممددة إغلال في أعناقهم. وكل هذه الأوصاف تفيد شدة الإغلاظ عليهم.
• * *
105 - تفسير سورة الفيل وهي مكية، وعدد آياتها 5
إن الله تعالى امتن على قريش خاصة، وأهل مكة عامة، بأنه صرف عنهم أصحاب الفيل، وهو أبرهة وأصحابه، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود، وقصدوا مكة ومعهم فيل عظيم كبير الجثة لم ير مثله، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة، وكان معه أيضا عدد من الأفيال، فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به، وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها، فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وكان الذي أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة، وكان يقال له: الأسود بن مفصود، فهجاه بعض العرب - فيما ذكره ابن إسحاق - وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت، فجاء حناطة، فدل على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: والله! ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فوالله! ما عندنا دفع عنه، فقال له حناطة: فاذهب معي إليه، فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجله، وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر. ونزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على البساط،
وقال لترجمانه: قل له: ما حاجتك؟ فقال للترجمان: إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي، فقال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه؟ ! فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع مني! قال: أنت وذاك.
فلما أراد أبرهة وجيشه دخول مكة أرسل الله عليهم طيرا من البحر مثل الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك، فهلك معظم الجيش، وأدبر الباقون، وكان ممن أصاب أبرهة نفسه، فخرجوا به حتى قدموا صنعاء، وهو مثل فرخ الطائر، فما مات حتى صدع صدره عن قلبه.
وغنم قريش مالا كثيرا من أسلابهم.
هكذا كفى الله أهل مكة أمر عدوهم، وكان ذلك في شهر المحرم الموافق شهر فبراير سنة 570 م.
وبعد هذه الحادثة العظيمة بخمسين يوما ولد سيد البشر محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه في أصح أقوال أهل العلم.
قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت الأخبار عن قصة أصحاب الفيل عند أهل مكة، وبقيت بعض آثارها شاهدة عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب قريشا بهذه القصة.
وقوله: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} أي: إن ربك هو الذي أبطل ما أرادوا مع قوتهم وبأسهم، وفيه تطمين للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قادر على كل شيء، وقد جاء في الصحيح.
• عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلَّط عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين".
متفق عليه: رواه البخاري في العلم (112) ومسلم في الحج (1355: 448) كلاهما من حديث شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فذكره في سياق طويل، كما هو مذكور في فتح مكة.
وقوله: {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} أبابيل هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومعناه جماعات.
وقوله: {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} السجيل: هو شديد الصلب، هو حجر أصله من طين، وهو مثل قوله تعالى في سورة هود:{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} ، [82] أي: ليست حجرا صخريا، ولكنها طين متحجر مخلوق لعذابهم، لأن هذا الحجر كان إذا وقع على أحدهم خرج به الجدري، مع أن الجدري لم يكن معروفا في مكة قبل ذلك، والحجر الصخري لا يمرض مرض الجدري.
وقوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} العصف هو: ورق الزرع، والعصف إذا دخلته البهائم فأكلته، وداسته بأرجلها، وطرحته على الأرض بعد أن كان أخضر يانعا، هذا تمثيل لحال أصحاب