الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكسب، وإذا كانت الجهالة برأس مال الشركة توجب فساد العقد، فكذلك الجهالة بالعمل توجب فساده، ذلك أن العمل في هذه الشركة يمثل رأس مال الشركة.
ونوقش هذا:
بأن العمل في شركة الأبدان معلوم بالعادة، فلا غرر ولا جهالة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحنفية يرون أن العقد في شركة الأعمال وارد على تقبل العمل وليس على العمل نفسه باعتبار أن العمل لا ينضبط، وتقبل العمل يعني ضمانه للغير، ولذلك قال في بدائع الصنائع:«الأجر في هذه الشركة إنما يستحق بضمان العمل، لا بالعمل؛ لأن العمل قد يكون منه، وقد يكون من غيره كالقصار والخياط إذا استعان برجل على القصارة والخياطة أنه يستحق الأجر وإن لم يعمل لوجود ضمان العمل منه»
(1)
.
القول الراجح:
أرى أن مذهب الحنفية والحنابلة أقوى من مذهب الشافعية بل وأقوى من مذهب المالكية القائل بجواز شركة الأبدان بشرط اتحاد الصنعة واتحاد المكان. قال الشيخ صالح الأطرم وفقه الله:
«والراجح قول الجمهور، وهو أن شركة الأبدان جائزة في الجملة لما يأتي:
(1)
ـ ما يشتمل عليه القول بجوازها من التوسعة على الناس في تعاملهم بدون ضرر يلحقهم.
(1)
بدائع الصنائع (6/ 76).
(2)
ـ ولما في مشروعية هذه الشركة من التعاون بين أفراد المجتمع مما يرفع مستوى المعيشة، ويقوي المعنوية، ويشجع بعضهم بعضًا في تحصيل الثروة، وسد حاجيات المجتمع والقدرة على توفير متطلبات الحياة، وخصوصًا في هذا العصر الذي تنوعت فيه طرق المكاسب من بعيد وقريب.
(3)
ـ أن عمل الصحابة صريح في الدلالة، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويستبعد خفاؤه على النبي صلى الله عليه وسلم .....
(4)
ـ أن الأصل في المعاملات الإباحة، ولم يرد ما يحظر هذا ويمنعه، كيف، وقد جاء ما يعضد هذا الأصل»
(1)
.
واعلم أن هذه الأسماء التي وقعت في كتب الفروع لأنواع من الشركة، كالمفاوضة، والعنان، والوجوه، والأبدان لم تكن أسماء شرعية، ولا لغوية، بل اصطلاحات حادثة متجددة ويكفي في الدخول فيها مجرد التراضي؛ لأن حاصل ما يستفاد من شركة المفاوضة والعنان والوجوه والأبدان أنه يجوز للرجل أن يشترك هو وآخر في شراء شيء، أو في المشاركة في إنجاز عمل معين وبيعه، ويكون الربح بينهما على مقدار نصيب كل واحد منهما من الثمن، وهذا شيء واحد، واضح المعنى، يفهمه العامي فضلًا عن العالم، ويفتي بجواز هـ المقصر فضلًا عن الكامل، وهو أعم من أن يستوي ما يدفعه كل واحد منهما من الثمن، أو يختلف، وأعم من أن يكون المدفوع نقدًا أو عرضًا، وأعم من أن يكون ما اتجر به جميع مال كل واحد منهما، أو بعضه، وأعم من أن يكون المتولي للبيع والشراء أحدهما أو كل واحد منهما ....
(1)
مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثاني والأربعون.
ولا بأس بأن يوكل أحد الرجلين الآخر في أن يعمل عنه عملًا استؤجر عليه كما هو معنى شركة الأبدان اصطلاحًا، ولا معنى لاشتراط شروط في ذلك، فيكفي في الدخول فيها مجرد التراضي؛ لأن ما كان منها من التصرف في الملك فمناطه التراضي، ولا يتحتم اعتبار غيره، وهب أنهم جعلوا لكل قسم من هذه الأقسام ـ التي هي في الأصل شيء واحد ـ اسمًا يخصه، فلا مشاحة في الاصطلاحات، لكن ما معنى اعتبارهم لتلك العبارات، وتكلفهم لتلك الشروط، وتطويل المسافة على طالب العلم، وإتعابه بتدوين ما لا طائل تحته، وأنت لو سألت حراثًا، أو بقالًا عن جواز الاشتراك في شراء شيء وفي ربحه لم يصعب عليه أن يقول: نعم.
ولو قلت له: هل يجوز العنان، أو الوجوه، أو الأبدان لحار في فهم معاني هذه الألفاظ، بل قد شاهدنا كثيرًا من المتبحرين في علم الفروع يلتبس عليه الكثير من تفاصيل هذه الأنواع، ويتلعثم إن أراد تمييز بعضها من بعض، اللهم إلا أن يكون قريب عهد بحفظ مختصر من مختصرات الفقه، فربما يسهل عليه ما يهتدي به إلى ذلك، وليس المجتهد من وسع دائرة الآراء العاطلة عن الدليل، وقبل كل ما يقف عليه من قال وقيل، فإن ذلك هو دأب أسراء التقليد، بل المجتهد من قرر الصواب، وأبطل الباطل في كل مسألة عن وجوه الدلائل، ولم يحل بينه وبين الصدع بالحق مخالفة من يخالفه ممن يعظم في صدور المقصرين، فالحق لا يعرف بالرجال
(1)
.
* * *
(1)
انظر الروضة الندية محمد صديق خان (2/ 473)، وفقه السنة للسيد سابق (3/ 363).