الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قول من يعتبر عقود المشاركة ليست من عقود المعاوضات بين الشركاء، وهو مذهب الجمهور فلا يقوم هذا الدليل، وهو الصواب؛ لأن يد الشريك في مال الشركة يد أمانة، والأمانة ليست من عقود المعاوضات، كما أنهم يرون أن عقد الشركة من العقود الجائزة، وعقود المعاوضات الأصل فيها أنها من العقود اللازمة. وقد سبق بحث هذه المسألة في مبحث مستقل، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.
الدليل الثالث:
أبطل الشافعية شركة الوجوه؛ لأن الشركة عندهم لا تقوم إلا على المال المشترك، وشركة الوجوه لا مال فيها.
ولأن ما يشتريه كل منهما ملك له ينفرد به، فلا يجوز أن يشركه غيره في ربحه، بل له ربحه، وعليه خسارته.
ولكثرة الغرر في هذا النوع من الشركات.
مناقشة دليل الشافعية:
أما قولهم (الشركة لا تقوم إلا على المال المشترك، وشركة الوجوه لا مال فيها) فهذا استدلال في محل النزاع لا يسلم لهم، وهو دليل خاص بالشافعية، ومذهبهم من أضيق المذاهب في الشركات؛ لأنهم لا يقولون إلا بشركة العنان فقط، وتقوم عندهم على الاشتراك في الملك أولًا، ثم الإذن بالتصرف ثانيًا، فهم يشترطون خلط المالين بحيث لا يتميزا قبل عقد الشركة ليكون الملك مشاعًا بينهما، ومن ثم التوجه بعد ذلك بالإذن بالتصرف في مال مملوك لهما.
ولهذا أجاز الشافعية أن يوكل أحدهما الآخر أن يشتري شيئًا معينًا نسيئة، فإذا
قصد المشتري الشراء لهما فإنهما يصيران شريكين في العين شركة ملك، فإذا بيعت هذه العين اشتركا في الربح.
(1)
.
ولو كانت الشركة لا تقوم إلا على مال مشترك ما صح عقد المضاربة، إذ إن عقد المضاربة ليس فيها مال مشترك، والمضاربة جائزة بالإجماع، وعلى التنزل أن الشركة لا تقوم إلا على مال مشترك، فإن الدين يعتبر مالًا عند الشافعية، كما هو مذهب الجمهور خلافًا للحنفية، وإذا كان الدين مالًا، والشركة منعقدة على الاشتراك في الديون، كانت قائمة على المال، والله أعلم.
وأما قولهم: (إن ما يشتريه كل منهما ملك له، ينفرد به) فهذا غير مسلم، بل إن ما يشتريه كل منهما ملك لهما، لأنه اشترى لنفسه بالأصالة، ولشريكه بالوكالة، فصار الملك مشتركًا.
وأما دعوى وجود الغرر في الشركة، فلم يتبين لي وجهه إلا أن يكون الغرر من جهة التفويض، فالوكالة مطلقة حيث عقدت الشركة على أن ما يشتريه
(1)
مجموع الفتاوى (30/ 74)، الفتاوى الكبرى (4/ 206).