الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
الشركة وعقود المعاوضات
[م-1277] لم يتعرض كثير من الفقهاء إلى الوصف الفقهي لعقد الشركة، وهل يعتبر من عقود المعاوضات أو من عقود الإرفاق، أو هو عقد قائم بذاته، يطلق عليه ابن تيمية عقود المشاركة؟
ويمكن القول بأن هناك قولين يمكن تخريجهما في الوصف الفقهي لعقد الشركة بناء على كلام الفقهاء:
القول الأول:
بأن عقد الشركة لا يعتبر من عقود المعاوضات، وهو مقتضى مذهب جماهير أهل العلم من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهو صريح كلام ابن تيمية.
فالمتأمل لمذهب الحنفية، والذين لا يشترطون حضور رأس مال الشركة عند العقد، ولا تساوي المالين من الشركاء، أن هذا يعني عندهم أن عقد الشركة ليس من عقود المعاوضات؛ إذ لو كان من عقود المعاوضات، وهم يشترطون أن يكون رأس مال الشركة من الأثمان ما جاز التفرق قبل قبض نصيب الشريك، ولو كان من عقود المعاوضات لاشترط التساوي بين المالين حتى لا يقعوا في ربا الفضل.
كما أنهم يرون أن العقد من العقود الجائزة، وعقود المعاوضات الأصل فيها أنه من العقود اللازمة.
ولأن المال في يد الشريك يعتبر أمانة، ولو كان قائمًا على المعاوضة لكانت يده يد ضمان، فبناء على هذه الأوصاف يجزم الباحث بأن عقد الشركة عند الحنفية ليس من عقود المعاوضة القائمة على المبادلة على سبيل التمليك.
ومذهب الحنابلة قريب من مذهب الحنفية حيث لا يشترطون تساوي المالين، وهم يصرحون بأن الشريك ينفذ تصرفه بحكم الملك في نصيبه، وبحكم الوكالة في نصيب شريكه، ولو كان فيها معاوضة وتمليك لكان تصرفه في ملك شريكه بحكم الملك المشترك بينهما، كما أن الشركة عندهم عقد جائز، وليس عقدًا لازمًا.
والمتأمل في مذهب الشافعية، وإن اشترطوا بعض الشروط التي لم يشترطها الجمهور إلا أن الشركة عندهم لا تدخل في باب المعاوضات.
ذلك أن الشافعية يشترطون خلط المالين خلطًا لا يمكن تمييزهما قبل عقد الشركة، ليكون الملك مشاعًا بين الشريكين، ثم يتم عقد الشركة، والذي بموجبه يكون الإذن في التصرف، وهذا الإذن لا يعتبر بحد ذاته معاوضة.
(1)
.
وعليه فالشركة عند الشافعية هي ملك مشاع يسبق العقد، وذلك يحصل باختلاط المالين حتى لا يمكن تمييزهما، فإن أمكن التمييز فلا تصح الشركة، يتبعه بعد ذلك إذن بالتصرف، والإذن بالبيع لا يعتبر بيعًا، وإنما هو وكالة بالبيع. كما أنهم يتفقون مع الحنفية بأن عقد الشركة عقد جائز، وليس عقدًا لازمًا؛ لأن مبناه على الوكالة، والوكالة من العقود الجائزة.
ويرى ابن تيمية أن الشركات ليست من عقود المعاوضات.
(1)
روضة الطالبين (4/ 277).
يقول ابن تيمية: «التصرفات العدلية في الأرض جنسان: معاوضات ومشاركات فالمعاوضات كالبيع والإجارة والمشاركات شركة الأملاك وشركة العقد»
(1)
.
(2)
.
واختار هذا الرأي من المعاصرين الأستاذ مصطفى الزرقاء، قال الأستاذ:«وأما عقود الإعارة والوكالة والشركة ونحوها فإنها خالية خلوًا تامًا من معنى المعاوضة، فتعتبر عقود أمانة، ويكون مال الموكل في يد وكيله، ومال القاصر في يد وصيه، ومال الشريك في يد شريكه، والعارية في يد مستعيرها كل ذلك أمانة محضة غير مضمونة بمقتضى العقد كالوديعة»
(3)
.
ويرى الأستاذ أن هذا القول هو مذهب الحنفية، محتجًا بنص في الهداية:«ويده ـ يعني الشريك ـ في المال يد أمانة؛ لأنه قبض المال بإذن المالك لا على وجه البدل والوثيقة، فصار كالوديعة»
(4)
.
فقوله: (لا على وجه البدل) نفي للمعاوضة.
ويرى الشيخ الزرقاء أن الفرق بين عقود المعاوضات وعقود الأمانات يدور على الضمان.
(1)
مجموع الفتاوى (29/ 99)، الفتاوى الكبرى (4/ 60).
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 353).
(3)
المدخل الفقهي العام (1/ 582).
(4)
المرجع السابق (1/ 581).