الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) كتاب الزكاة
(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج
[848]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (لَيسَ فِيمَا دُونَ خَمسِ أَوَاقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ،
ــ
(9)
كتاب الزكاة
قد تقدم اشتقاق الزكاة في كتاب الإيمان، وتسمى أيضًا: صدقة، مأخوذة من الصدق؛ إذ هي دليل على صحة إيمانه، وصدق باطنه مع ظاهره، وقد تقدم استيفاء ذلك (1) المعنى في كتاب الطهارة.
وشرعها الله تعالى مواساة للفقراء، وتطهيرًا للأغنياء من البخل. وإنما تجب على من كان له مِن المال ما له بال. وأقل ذلك: النصاب على ما يأتي بيانه.
ثم موضوعها: الأموال النامية (2)؛ أي: الصالحة للنماء، وهي: العين، والحرث والماشية، ثم هذه الأصول منها ما ينمي بنفسه، كالحرث والماشية؛ ومنها ما ينمو بتغيير عينه وتقليبه، كالعين. والإجماع منعقدٌ على تعلق الزكاة بأعيان هذه المسميات. فأما الزكاة بما سواها من العروض والديون؛ ففيها للفقهاء ثلاثة أقوال:
فأبو حنيفة: يوجبها على الإطلاق، وداود يسقطها في ذلك، ومالك: يوجبها في عروض التجارة، وفي الديون تفصيل يعرف في كتب فقهه، وستأتي حجة كل فريق في تضاعيف الكلام.
(1)
ومن باب: ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج (3)
(قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)، أواقٍ: جمع
(1) في (هـ) و (ظ): هذا
(2)
ساقط من (ع).
(3)
العنوان مستدرك من التلخيص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوقية. قال أبو عبيد: هي اسم لوزن مبلغه أربعون درهمًا كيلاً. قال ابن السكيت: الأُوقيّة - ضم الهمزة وتشديد الياء -، وجمعها أواق. ولا يقال: وَقية - بفتح الواو - من غير همزة. وحكى اللحياني أنه يقال: وتجمع: وقايا.
ودرهم الكيل زنته خمسون حبةً وخُمُسَا حبة، وسمي درهم الكيل؛ لأنه بتكييل عبد الملك بن مروان؛ أي: بتقديره وتحقيقه، وذلك أن الدراهم التي كان الناس يتعاملون بها على وجه الدهر نوعان:
نوع عليه نقش فارس.
ونوع عليه نقش الروم.
أحد النوعين يقال له: البَغلِيّة، وهي السود، الدرهم منها ثمانية دوانق، والأخرى يقال لها: الطبرية (1)، وهي العُتُق، الدرهم منها من أربعة دوانق، فجاء الإسلام وهي كذلك، فكان الناس يتعاملون بها مجموعة على الشطر من هذه والشطر من هذه لدى الإطلاق؛ ما لم يعينوا بالنص أحد النوعين.
وكذلك كانوا يؤدون الزكاة في أول الإسلام؛ باعتبار مائة من هذه، ومائة من هذه في النصاب. ذكر هذا أبو عبيد وغيره، فلما كان عبد الملك بن مروان تَحَرَّجَ من نقوشها، فضرب الدرهم بنقش الإسلام بعد أن تحرى معاملتهم الإطلاقية، فجمع بين درهم بغلي من ثمانية دوانق، وبين درهم طبري من أربعة دوانق، فكان اثني عشر دانقا، فقسمها نصفين، فضرب الدرهم من نصفها وهو ستة دوانق، والدانق: ثمان حبات، وثُلُث حبة، وثُلُثَا خُمُسِ حبة من الشعير المطلق.
واتفق المسلمون على اعتبار درهم الكيل المذكور؛ لموافقته ما كان معتبرًا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أن ضربت، وأن نصاب الزكاة مائتا درهم من دراهم الكيل.
(1) نسبة إلى طبرستان.
وَلَيسَ فِيمَا دُونَ
ــ
وهي الخمسة الأواقي المذكورة في الحديث. ولم يخالفه في ذلك إلا من زعم أن أهل كل بلد يعتبرون النصاب بما يجري عندهم من الدراهم، صغرت أو كبرت. وهو مذهب ابن حبيب الأندلسي.
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم:(الوزن على وزن أهل مكة)(1)، وهو حديث صحيح. وقد تقدّم أن هذا المقدار المذكور هو الذي كان [على] وزن أهل مكة، في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما دينار الذهب: فهو أربعة وعشرون قيراطًا. والقيراط: ثلاث حبات من وسط الشعير، فمجموعه اثنتان وسبعون حبة، وهو مجمع عليه.
والوَرِق: بكسر الراء على الأصل ككَبِد، وبإسكانها تخفيف، كما يقال: كبد وفخذ، وهي الدراهم خاصة. ويقال عليها أيضا (2): الرقة - بتخفيف القاف.
ومنه قوله: (في الرِّقة ربع العشر)(3). قال أبو بكر: جمعها: رقات ورقون. ومنه قولهم: وجدان الرقين يغطي أَفَن الأَفِين؛ أي: وجدان الدراهم يغطي عيب المعيب.
قال الهروي: يقال: رجل وارّق: كثير الوَرِق.
وقال بعضهم: لا يقال: لغير الدراهم وَرِق، ولا رِقَة. وإنما يقال لها (4): فضة. وأما الفقهاء: فالفضة والورق عندهم سواء. وكذلك قال ابن قتيبة: إن الرقة والورق: الفضة، مسكوكها، وغير مسكوكها.
وقوله: (ليس فيما دون)؛ ظاهره أنه إذا نقص من النصاب ولو أقل ما
(1) رواه أحمد (3/ 6 و 45)، والبخاري (1459)، ومسلم (979/ 2)، والنسائي (5/ 36)، وابن ماجه (1793) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
ساقط من (ع).
(3)
رواه مالك في الموطأ (1/ 2590).
(4)
ساقط من (ع).
خَمسِ ذَودٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ،
ــ
ينطلق عليه اسم النقص، لم تجب فيه زكاة، وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: إذا كان النقصان يسيرًا لم تسقط الزكاة.
واختلف أصحابه في مقدار اليسير:
فمنهم من قال: هو ما لا يتشاح فيه في العادة.
ومنهم من فسره: بأنه المقدار الذي تختلف فيه الموازين. وهذا عندهم بشرط جوازها بجواز الوازنة.
وحكي عن عمر بن عبد العزيز: أن نصاب الدراهم إن نقص ثلاثة دراهم، ونصاب الذهب إن نقص ثلث دينار، لم تسقط الزكاة.
والظاهر مع أبي حنيفة، والمعنى مع أصحابنا.
ودون في كل مواضع هذا الحديث بمعنى: أقل؛ أي: ليس في أقل من خمس صدقة، لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة، كما زعم بعضهم في قوله:(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)؛ أنها (1) بمعنى غير.
وقوله: (خمس ذود): الرواية المشهورة فيه على الإضافة، ومنهم من يرويه بالتنوين على البدل. والصحيح في الرواية إسقاط الهاء من خمس على التأنيث. وأثبتها بعضهم على التذكير، وهذا على الخلاف في الذود، هل يطلق على الإناث أو على الذكور؟ على ما يأتي.
وأصل وضع الذود إنما هو مصدر، من ذاد يذود، إذا دفع شيئًا، فكأن من كان عنده دفع عن نفسه معرّة الفقر، أو شدّة الفاقة والحاجة. واختلف اللغويون فيه:
فقال أبو عبيد: هو ما بين الثنتين إلى التسع، ومن الإناث دون الذكور. ونحوه عند سيبويه في التأنيث، فقال: يقال: ثلاث ذَودٍ؛ لأن الذود أنثى، وليس باسم كسر عليه مذكره.
وقال الأصمعي: الذود: ما بين الثلاث إلى العشر. والضُّبة: خمس أو ست، والصِّرمَة: ما بين العشر إلى العشرين، والفَكَرَة: ما بين العشرين إلى الثلاثين، والهَجمَةُ: ما بين الستين إلى السبعين، والهُنَيدةُ: مائة، والخِطرُ: نحو المائتين، والعَرج: من خمسمائة إلى الألف. قال غيره: وهِندُ - غير مصغر -: مائتان، وأمَامَة: ثلاثمائة. وأنكر
(1) ساقط من (ع).
وَلَيسَ فِيمَا دُونَ خَمسَةِ أَوسُقٍ مِنَ التَّمرِ صَدَقَةٌ).
رواه مسلم (980).
ــ
ابن قتيبة أن يراد بالذود: الواحد، وقال: لا يصح أن يقال: خمس ذود، كما لا يقال: خمس ثوب.
وقال القاضي عياض: الذود: ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولا واحد له من لفظه، إنما يقال في الواحد: بعير، كما يقال للواحدة من النساء: امرأة. وقال غيره: خمس ذود، كما يقال خمس أبعرة، وخمسة جمال، وخمس نوق. وقد نصّ بعض اللغويين: على أن الذود يكون وحدًا.
وقال أبو حاتم: تركوا القياس في الجمع فقالوا: ثلاث ذود لثلاث من الإبل، وأربعُ ذودٍ، وعشرُ ذود على غير قياس، كما قالوا: ثلاثمائة وأربعمائة، والقياس: مِائِتين ومِئات، ولا يكاد يقولونه.
قلت: وهذا صريح بأن الذود واحد في لفظه، والأشهر ما قاله المتقدمون: إنه لا يقال على الواحد، والله أعلم.
وقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسُق صدقة)؛ الأوسق: جمع قلة الوِسق، كفِلس وأَفلُس، ويقال: أَوسَاق: جمع وِسق - بكسر الواو -، كما يقال: عِدل وأعدَال.
واختلفوا في اشتقاقه، فقال شمر: كل شيء حملتَه فقد وسقتَه، يقال: ما أفعلُ كذا ما وسقت عيني الماء: أي: ما حملته. وقال غيره: الوسق: ضمك الشيء إلى الشيء وجمعه، ومنه قوله تعالى:{وَاللَّيلِ وَمَا وَسَقَ} ؛ أي: جمع وضم، يقال للذي يجمع الإبل: وَاسِق، وللإبل نفسها: وَسَقَت، وقد وَسَقتُها فاستَوسَقَت؛ أي: اجتمعت وانضمت.
وقال الخطابي: الوسق: تمام حمل الدواب النقالة، وهو ستون صاعًا. قال غيره (1): والصاع: أربعة أمداد، والمُد: رطل وثلث بالعراقي. والرطل العراقي: هو اثنا عشر أوقية. والأوقية هنا:
(1) من (هـ) و (ظ).
[849]
وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيَّ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيسَ فِي حَبٍّ وَلا تَمرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبلُغَ خَمسَةَ أَوسُقٍ الحديث.
ــ
هي زنة عشرَةِ دراهمَ وثلثي درهم، من دراهم الكيل، فمبلغ زنة الرطل من دراهم الكيل: مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا.
ولم يجر في هذا الحديث ذكر لنصاب الذهب، ولا وقع في الصحيحين، ولا ما يدلّ على اشتراط الحول في الزكاة.
وقد ذكر أبو داود ما يدل عليهما، فروى بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني: في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كان لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك)، قال: ولا أدري أعليٌّ يقول بحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول (1).
قلت: هذا الحديث غاية ما قيل فيه: أن جرير بن حازم رواه عن أبي إسحاق، وقرن فيه بين عاصم بن ضمرة، وهو ثقة، وبين الحارث الأعور، وهو كذاب. ورواه جماعة من الأئمة عن أبي إسحاق، عن عاصم موقوفًا على عليّ، فقال من رَدَّ ذلك الحديث: لعل جريرًا سمعه من أبي إسحاق عن عاصم موقوفًا، وسمعه عنه الحارث (2) في هذا الحديث مسندًا، ولذلك قرن بينهما، وكأن الإسناد متلقى عن الحارث.
وهذا لا ينبغي أن يُردَّ الخبر له، لأنه وهمٌ، وظَنٌّ غير محقق، بل هو مردود؛ لأن المعتمد ثقة جرير وأمانته، وقد أخبر بأنه سمعه منهما في مساق
(1) رواه أبو داود (1573).
(2)
ساقط من (ع).
رواه أحمد (3/ 44 - 45)، والبخاري (1447)، ومسلم (979)، وأبو داود (1558)، والنسائي (5/ 17).
ــ
واحد، وظاهره: أنه تلقاه عن كل واحد منهما على نحو ما تلقاه عن الآخر، فيُعتَمد على رواية الثقة، وتلغى رواية غيره، ولا يضره وقف من وقفه، إذا كان الذي رفعه ثقة.
قال القاضي عياض: فأما نصاب الذهب فهو عشرون دينارًا، والمُعوِّل في تحديده على الإجماع، وقد حكي فيه خلاف شاذ، وورد فيه أيضًا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وأما نصاب الإبل والغنم، فلم يخرج في كتاب مسلم من ذلك شيء. وقد خرَّج البخاري فيه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق. وأما نصاب البقر فلم يقع في الصحيحين شيء من ذلك. وقد روى في ذلك النسائي عن مسروق، عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالمٍ دينارًا، أو عِدلَه مَعَافِر (1). غير أنه منقطع، لم يلق مسروق معاذًا. وقد خرَّجه الترمذي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، ولم يسمع أبو عبيدة من أبيه. ورواه مالك عن طاوس، عن معاذ من فعله موقوفًا، وطاوس لم يدرك معاذًا.
وأحسن ما في الباب ما خرَّجه الدارقطني، عن الشعبي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل أربعين من البقر مسنة، وفي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة)(2)، قال: هذا يروى مرسلاً عن الشعبي، وهو الصواب.
قال أبو محمد بن حزم: قد صح الإجماع المتيقن المقطوع به، الذي
(1) رواه النسائي (5/ 26)، والترمذي (625)، ومالك في الموطأ (1/ 259).
"المعافر": برود (ملابس) يمنية، منسوبة إلى معافر، وهي قبيلة باليمن.
(2)
رواه الدارقطني (2/ 103)، والطبراني في الكبير (10974) من حديث ابن عباس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا اختلاف فيه: أن في كل خمسين بقرةٍ: بقرةٌ. فوجب الأخذ بهذا، وما دون ذلك مختلف فيه، ولا نص في إيجابه.
قلت: وحديث جابر وأبي سعيد يدلان: على أن ما نقص عن هذه النصب ليس فيه زكاة، ولا خلاف في ذلك، إلا ما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض السلف من أن الحب تخرج الزكاة من قليله وكثيره، والحديثان حجتان عليهم.
وقال داود: كل ما يدخله الكيل فتراعى فيه الخمسة الأوسق، وما عداه مما لا يوسق، ففي قليله وكثيره الزكاة.
قال القاضي عياض: وأجمعوا على أن في عشرين دينارًا الزكاة. ولا تجب في أقل منها، إلا ما روي عن الحسن والزهري مما لم يتابعا عليه: أن لا صدقة في أقل من أربعين دينارًا، والأشهر عنهما ما روي عن الجماعة. وروي عن بعض السلف: أن الذهب إذا كانت قيمته مائتي درهم فيها الزكاة، فإن نقصت عن ذلك فلا شيء فيه.
واتفقوا على أن ما زاد من الحب على خمسة أوسق، أن الزكاة في قليله وكثيره، ولا وَقَصَ فيه. واتفقوا على الأوقاص في المواشي.
واختلفوا في الذهب والفضة، فذهب مالك والشافعي وبعض السلف والجمهور إلى أن لا وقَصَ فيهما. وذهب أبو حنيفة وبعض الجماعة إلا أنه لا شيء فيما زاد على المائتي درهم حتى تبلغ أربعين، ولا على العشرين دينارًا حتى تبلغ أربعة دنانير، فإذا زادت على ذلك، ففي كل أربعين درهمًا درهم. وفي كل أربعة دنانير درهم، ومعتمدهم في هذا: حديث ضعيف لا أصل له.
ومالك وجمهور علماء الأمصار يرون ضَمَّ الذهب والفضة على اختلاف بينهم: فمالك وجماعة يراعون الوزن، والضم على الأجزاء لا على القيم، ويُنزِلُون كل دينار منزلة عشرة دراهم على الصرف القديم. وأبو حنيفة والأوزاعي والثوري يرون ضمها على القيمة في وقت الزكاة.
وقال الشافعي وداود وأبو ثور وأحمد: لا يضم منها (1) شيء إلى شيء، ويراعى نصاب كل واحد منهما بنفسه.
وذهب آخرون إلى
(1) ساقط من (ع).
[850]
وَعَن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِيمَا سَقَتِ الأَنهَارُ وَالغَيمُ العُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصفُ العُشرِ.
رواه أحمد (3/ 341)، ومسلم (981)، وأبو داود (1597)، والنسائي (5/ 42).
* * *
ــ
أنه إنما يضم إذا كمل من أحدهما نصاب، فيضم الآخر، ويزكى الجميع.
وقوله: (فيما سقت الأنهار والغيم العُشور، وفيما سُقي بالسانية نصف العشر)؛ كذا ساق حديث جابر هنا.
وفي البخاري من حديث ابن عمر مرفوعًا: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَشرِيًا: العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر).
والأنهار: جمع نهر، وقد تقدم اشتقاقه.
والغيم هنا: هو المطر. وقد روي في غير مسلم: الغيل باللام. قال ابن السكيت: هو الماء الجاري على الأرض.
والعشري قال أكثرهم: هو ما يشرب بماء السماء. وسمي بذلك؛ لأنه يكسر حوله الأرض، ويعسر جريه إلى أصول النخل بتراب يرتفع هناك. قالوا: والبعل ما لا يحتاج إليه، وإنما يشرب بعروقه.
والسانية: هي السَّاقية، يقال: سنا يسنو سَنوًا؛ إذا استقى، وهو النضح أيضًا.
والنواضح: هي الإبل التي يستقى عليها الماء.
وقد أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث في قدر ما يؤخذ. واستدل أبو حنيفة بعمومه على وجوب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض من الثمار، والرياحين والخضر وغيرها، إلا الحشيش وشبهه من الحطب والقصب، وما لا يثمر من الشجر كالسَّمُر وشبهه. وخالفه جماعة العلماء في ذلك على اختلافهم في تفاصيل ذلك.
وقد أجمعوا على الحنطة والشعير والتمر والزبيب. ورأي الحسن والثوري وابن أبي ليلى في آخرين: أنه لا زكاة إلا في هذه الأربعة.