المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

[900]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعظَمُ أَجرًا؟ فَقَالَ: (أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ: أَن تَصَدَّقَ وَأَنتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخشَى الفَقرَ وَتَأمُلُ البَقَاءَ، وَلا تُمهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلقُومَ قُلتَ:

ــ

(19)

ومن باب: أي الصدقة أعظم

قوله صلى الله عليه وسلم: (أما وأبيك لتنبأنَّه)، أما: استفتاح للكلام، وأبيك قسم ومقسم به. وتقدم الكلام على القسم بالأب في كتاب الإيمان. والمقسم عليه: لتُنَبَّأنَّه؛ أي: لَتُخبَرَنَّ به حتى تعلمه.

والشح: المنع مطلقًا، يعم منع المال وغيره. وهو من أوصاف النفس المذمومة؛ ولذلك قال الله:{وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ} والبخل: بالمال، فكأنه نوع من الشحّ. قال معناه الخطابي. وقد دل على صحة هذا قوله صلى الله عليه وسلم:(إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا)(1)؛ أي: شح النفس، وهو منعها من القيام بالحقوق المالية وغيرها.

وقوله: (حتى إذا بلغت الحلقوم)؛ أي: النفس، ولم يجر لها ذكر، لكن دل عليها الحال، كما قال تعالى:{فَلَولا إِذَا بَلَغَتِ الحُلقُومَ} ومعناه: قاربت الحلقوم، فلو بلغته لم تأت منه وصية ولا غيرها. والحلقوم: الحلق.

(1) رواه أبو داود (1698) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

ص: 78

لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَد كَانَ لِفُلانٍ).

وَفِي رِوَايَةٍ: (أَلا وَقَد كَانَ لِفُلانٍ).

رواه أحمد (2/ 25 و 231)، والبخاري (1419)، ومسلم (1032)، وأبو داود (2865)، والنسائي (5/ 86)، وابن ماجه (2706).

[901]

وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ عَلَى المِنبَرِ وَهُوَ يَذكُرُ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ المَسأَلَةِ (اليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى، وَاليَدُ العُليَا المُنفِقَةُ وَالسُّفلَى السَّائِلَةُ).

رواه أحمد (2/ 67)، والبخاري (1429)، ومسلم (1033)، وأبو داود (1648)، والنسائي (5/ 61).

ــ

وقوله: (لفلان كذا، ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان)، قال الخطابي: مراد به الوارث.

قلت: وفيه بُعدٌ، بل الأظهر أنه الموصى له، ممن تقدّمت وصيته له على تلك الحالة، ومن ينشئ له الوصية في تلك الحالة أيضًا.

وقوله: وهو يذكر الصدقة، والتعفُّف عن المسألة؛ أي: يحضُّ الغني على الصدقة، والفقير على التعفُّف عن المسألة.

وقوله: (اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى)، ثم فسّر اليد العليا بالمُنفِقَة والسُّفلى بالسائلة، وهو نصٌّ يرفع تعسُّف من تعسَّف في تأويله، غير أنه وقع هذا الحديث في كتاب أبي داود، وقال فيه في بعض طرقه بدل المنفقة: المتعففة. قال: وقال أكثرهم: اليد العليا: المنفقة.

وذكر أبو داود أيضًا من حديث مالك بن نضلة مرفوعًا: (الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعطِ الفضلَ، ولا تعجز عن نفسك)(1).

(1) رواه أبو داود (1649).

ص: 79

[902]

وَعَن حَكِيمَ بنَ حِزَامٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَفضَلُ الصَّدَقَةِ، أَو خَيرُ الصَّدَقَةِ عَن ظَهرِ غِنًى، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى، وَابدَأ بِمَن تَعُولُ).

رواه البخاري (1472)، ومسلم (1034)، والنسائي (5/ 69).

ــ

وقوله: (وابدأ بمن تعول)؛ يعني: أنه يبدأ بكفاية من تلزمه كفايته، ثم بعد ذلك يدفع لغيرهم؛ لأن القيام بكفاية العيال واجب، والصدقة على الغير مندوبٌ إليها، ولا يدخل في ذلك ترفيه العيال الزائد على الكفاية، فإن الصدقة بما يرفه به العيال أولى؛ لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشرع.

وقوله: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)؛ أي: ما كان من الصدقة بعد القيام بحقوق النفس وحقوق العيال. وقال الخطابي: أي: متبرعًا، أو عن غنى يعتمده، ويستظهر به على النوائب. والتأويل الأول أولى، غير أنه يبقى علينا النظر في درجة الإيثار التي أثنى الله بها على الأنصار؛ إذ قال:{وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ} وقد روي: أن هذه الآية نزلت بسبب رجل من الأنصار ضافه ضيف فنوَّم صبيته وأطفأ السِّراج، وآثر (1) الضيف بقوتهم. وكذلك قوله تعالى:{وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} ؛ أي: على شدّة الحاجة إليه والشهوة له، ولا شكّ أن صدقة مَن هذه حالُه أفضل.

وفي حديث أبي ذر: (أفضل الصدقة جهد من مقل)(2). وفي حديث أبي هريرة: (سبق درهم مائة ألف)، قالوا: وكيف؟ قال: (رجل له درهمان، فتصدق بأحدهما، ورجل له مال كثير، فأخذ من

(1) في (ع) و (ظ): وآثروا.

(2)

رواه الحميدي (1276)، وابن عدي (3/ 1085). وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (566).

ص: 80

[903]

وَعَنهُ قَالَ: سَأَلتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعطَانِي، ثُمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطَانِي، ثُمَّ سَأَلتُهُ فَأَعطَانِي، ثُمَّ قَالَ:(إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ، فَمَن أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفسٍ لَم يُبَارَك لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلا يَشبَعُ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى).

ــ

عرض ماله مائة ألف فتصدّق بها) (1). فقد أفاد مجموع ما ذكرنا: أن صدقة المؤثر والمُقِل أفضل، وحينئذ يثبت التعارض بين هذا المعنى وبين قوله:(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)؛ على تأويل الخطابي.

فأما على ما أوَّلنا به الغنى، فيرتفع التعارض، وبيانه: أنَّ الغنى يعني به في الحديث: حصول ما تدفع به الحاجات الضرورية؛ كالأكل عند الجوع المشوِّش الذي لا صبر عليه، وستر العورة، والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله، فهذا ونحوه مما لا يجوز الإيثار به، ولا التصدُّق، بل يحرم؛ وذلك: أنه إن آثر غيره بذلك، أدى إلى هلاك نفسه، أو الإضرار بها، أو كشف عورته، فمراعاة حقَّه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صحّ الإيثار، وكأن صدقته هي الأفضل؛ لأجل ما يحمله من مضض الحاجة وشدَّة المشقة، والله تعالى أعلم.

وقوله: (إن هذا المال خضرة حلوة)؛ أي: روضة خضراء، أو شجرة ناعمة غضَّة مستحلاة الطعم.

وقوله: (فمن أخذه بطيب نفس)؛ أي: بسخاوتها، وقلة حرصها، بورك له فيه؛ أي: انتفع صاحبه في الدّنيا بالتنمية، وفي الآخرة بأجر النفقة. وإشراف النفس: هو حرصها وتشوُّفها.

وقوله: (ولم يبارك له فيه)؛ أي: لا ينتفع به صاحبه؛ إذ لا يجد لذة نفقته،

(1) رواه أحمد (2/ 379)، والنسائي (5/ 59)، وابن ماجه (3684).

ص: 81

رواه أحمد (3/ 334)، ومسلم (1035)، والنسائي (5/ 60 و 100).

[904]

وَعَن أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ أَن تَبذُلَ الفَضلَ خَيرٌ لك، وَأَن تُمسِكَهُ شَرٌّ لك، وَلا تُلامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابدَأ بِمَن تَعُولُ، وَاليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى).

رواه مسلم (1036)، والترمذي (2344).

ــ

ولا ثواب صدقته، بل يتعب بجمعه، ويُذمّ بمنعه، ولا يصل إلى شيء من نفعه. ولا شك في أن الحرص على المال وعلى الحياة الدنيا مذموم، مفسد للدين، كما قال صلى الله عليه وسلم:(ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم، بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)(1).

وقوله: (إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسك شرٌّ لك)، الفضل يعني به: الفاضل عن الكفاية (2)، ولا شكَّ في أن إخراجه أفضل من إمساكه. فأما إمساكه عن الواجبات فشرٌّ على كل حال، وإمساكه عن المندوب إليه فقد يقال فيه شرٌّ؛ بالنسبة إلى ما فوَّت الممسك على نفسه من الخير. وقد تقدّم بيان هذا المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم:(وشرُّ صفوف الرجال آخرها)(3)؛ وأن معنى ذلك: أنها أقل ثوابًا.

وقوله: (ولا تلام على كفاف)، يفهم منه بحكم دليل الخطاب: أن ما زاد على الكفاف يتعرض صاحبه للذمّ.

(1) رواه أحمد (3/ 460)، والترمذي (2376) من حديث كعب بن مالك.

(2)

في (ع): الكفاف.

(3)

رواه مسلم (440)، وأبو داود (678)، والترمذي (224)، والنسائي (2/ 93)، وابن ماجه (1000) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 82

[905]

وَعَن مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفيَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لا تُلحِفُوا فِي المَسأَلَةِ، فَوَاللهِ لا يَسأَلُنِي أَحَدٌ مِنكُم شَيئًا فَتُخرِجَ لَهُ مَسأَلَتُهُ مِنِّي شَيئًا، وَأَنَا لَهُ كَارِهٌ فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أَعطَيتُهُ).

رواه أحمد (4/ 98)، ومسلم (1038)، والنسائي (5/ 97 - 98).

* * *

ــ

وقوله: (لا تُلحِفوا في المسألة)؛ هكذا صحيح الرواية، ومعناه: لا تنزلوا بي المسألة الملحف فيها؛ أي: لا تُلِحُّوا علي في السؤال. والإلحاف: الإلحاح.

وإنما نهى عن الإلحاح؛ لما يؤدي إليه من الإبرام واستثقال السائل، وإخجال المسئول، حتى أنه إن أخرج شيئًا أخرجه عن غير طيب نفس، بل عن كراهة وتبرُّم، وما استخرج كذلك لم يبارك فيه؛ لأنه مأخوذ على غير وجهه، ولذلك قال:(فَتُخرِجَ له المسألة شيئًا وأنا كاره له).

ثم قد كانوا - أعني المنافقين - يكثرون سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُبَخّلوه، فكان يعطي العطايا الكثيرة بحسب ما يُسأل؛ لئلا يتم لهم غرضهم من نسبته إلى البخل؛ كما قال:(إن قومًا خيَّروني بين أن يَسألوني بالفحش، وبين أن يُبَخّلوني ولست بباخل)(1).

* * *

(1) رواه أحمد (1/ 20 و 35)، ومسلم (1056) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ص: 83