الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}
[1369]
عَن ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: عَمِّيَ سُمِّيتُ بِهِ لَم يَشهَد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدرًا، قَالَ: فَشَقَّ عَلَيهِ. قَالَ: أَوَّلُ مَشهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُيِّبتُ عَنهُ، فَإِن أَرَانِيَ اللَّهُ مَشهَدًا فِيمَا بَعدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فلَيَرَينِ اللَّهُ مَا أَصنَعُ. قَالَ: فَهَابَ أَن يَقُولَ غَيرَهَا، قَالَ: فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ أُحُدٍ، قَالَ: فَاستَقبَلَ سَعدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ:
ــ
(47)
ومن باب: قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}
قول أنس: (عمِّي سُمِّيت به)؛ أي: سُميت باسمه، فإن عمَّه أنس بن النضر.
وقوله: (إن أشهدني اللهُ مشهدًا (1) فيما بعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرينَّ اللهُ ما أصنع)؛ هذا الكلامُ تضمَّنَ أنه ألزمَ نفسه إلزامًا مؤكدًا، وهو: الإبلاءُ في الجهاد، والانتهاض فيه، والإبلاغُ في بذل ما يقدر عليه منه، ولم يصرِّح بذلك مخافةَ ما يتوقَّع من التقصير في ذلك، وتبرُؤا مِن حوّله وقوته؛ ولذلك قال:(فهاب أن يقول غيرها)، ومع ذلك فنوى بقلبه، وصمم على ذلك، فصح قصدُه، ولذلك سمَّاه الله عهدًا في الآية حيث قال:{مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ} فسمَّاه عهدًا (2).
(1) كذا في الأصول، وفي التلخيص: فإن أراني الله مشهدًا.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
يَا أَبَا عَمرٍو، أَينَ؟ فَقَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الجَنَّةِ، أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، قَالَ: فَقَاتَلَهُم حَتَّى قُتِلَ، قَالَ: فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضعٌ وَثَمَانُونَ مِن بَينِ ضَربَةٍ وَطَعنَةٍ وَرَميَةٍ، قَالَ: فَقَالَت أُختُهُ عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنتُ النَّضرِ: فَمَا عَرَفتُ أَخِي إِلَّا بِبَنَانِهِ، وَنَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ:{رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ} الآية
ــ
وقوله: (واهًا لريح الجنة)؛ أي: عجبًا منه، فهي هنا تعجب، وقد تأتي للترحم، والتلهف، والاستهانة.
وقوله: (أجده دون أُحُدٍ)؛ ظاهرُه الحملُ على: أنه وجده حقيقةً، كما جاء في الحديث الآخر:(إن ريح الجنة توجدُ على مسيرة خمسمائة عامٍ)(1)، ويحتملُ أن يكون قاله على معنى التمثيل؛ أي: إن القتلَ دون أُحُد موجب لدخول الجنة، ولإدراك ريحها ونعيمها.
وقوله: (فقاتلهم حتى قتل)؛ ظاهره: أنه قاتلهم وحده. فيكون فيه دليل على جواز الاستقتال، بل على نَدبيته؛ كما تقدم.
وقولها: (فما عرفَتُه إلا ببنانه)؛ أي: بأصابعه. ومنه قوله تعالى: {عَلَى أَن نُسَوِّيَ بَنَانَهُ}
وقوله: {فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ} ؛ أي: وفَّى بنذره. يقال: نحب، ينحُب إذا نذر، ومنه قول الشاعر:
إذا نحبت كلبٌ على الناس إنَّهم
…
أحقّ بتاجِ الماجد المتكرِّم
وقيل: قضى أجله على ما عاهد عليه. قال ذو الرمَّة:
عَشِيَّةَ فرَّ الحارِثُيونَ بَعدَما
…
قَضَى نَحبَهُ في مُلتَقى الجيشِ هَوبَرُ (2)
(1) رواه أبو نعيم في صفة الجنة (194)، والحلية (3/ 307).
(2)
انظر: الديوان (2/ 647).
"هوبر": هو ابن يزيد الحارثي.
قَالَ: فَكَانُوا يُرَونَ أَنَّهَا نَزَلَت فِيهِ وَفِي أَصحَابِهِ.
رواه مسلم (1903)، والترمذي (3198) و (3199).
[1370]
وعَن أَنَسِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَن ابعَث مَعَنَا رِجَالًا يُعَلِّمُونَا القُرآنَ وَالسُّنَّةَ. فَبَعَثَ إِلَيهِم سَبعِينَ رَجُلًا مِن الأَنصَارِ يُقَالَ لَهُم القُرَّاءُ -فِيهِم خَالِي حَرَامٌ- يَقرَؤونَ القُرآنَ وَيَتَدَارَسُونَ بِاللَّيلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي المَسجِدِ، وَيَحتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ وَيَشتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لِأَهلِ الصُّفَّةِ وَلِلفُقَرَاءِ، فَبَعَثَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيهِم،
ــ
وقوله: {وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ} ؛ أي: الوفاء بما نذر الموت على ما عاهدوا.
وقوله: {وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلا} ؛ أي: استمرُّوا على ما التزموا، ولم يقع منهم نقض لما أبرموا.
وقوله (قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه)؛ هذا القائلُ هو: ثابت. والله تعالى أعلم؛ ويعني به: أن الصَّحابةَ رضي الله عنهم كانوا يظنون: أنَها نزلت فيمن ذكر. وقد قيل: نزلت في السَّبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم، وأبناءهم، فوفُّوا بذلك؛ قاله الكلبيُّ. وقد قيل غير ذلك.
وقوله: (فبعث إليهم سبعين رجلًا)؛ هؤلاء السبعون هم الذين استشهدوا ببئر معونة، غَدَرَ بهم قبائلُ من سليم مع عدوِّ الله عامر بن الطفيل، فاستصرخوا عليهم، فقتلوهم عن آخرهم إلا رجلين، ولم يُصَب النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا المسلمون بمثلهم رضي الله عنهم.
و(الصُّفَّة): بيت في المسجد مُقتَطَع عنه. وفيه دليل على جواز استيطان الغرباء والفقراء مكانًا من المسجد، وعلى وضع الماء فيه للشُرب وغيره، وعلى
فَعَرَضُوا لَهُم فَقَتَلُوهُم قَبلَ أَن يَبلُغُوا المَكَانَ، فَقَالَوا: اللَّهُمَّ بَلِّغ عَنَّا نَبِيَّنَا، أَنَّا قَد لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنكَ وَرَضِيتَ عَنَّا، قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا - خَالَ أَنَسٍ- مِن خَلفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمحٍ حَتَّى أَنفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزتُ وَرَبِّ الكَعبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصحَابِهِ: إِنَّ إِخوَانَكُم قَد قُتِلُوا، وَإِنَّهُم قَالَوا: اللَّهُمَّ بَلِّغ عَنَّا نَبِيَّنَا، أَنَّا قَد لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنكَ وَرَضِيتَ عَنَّا.
رواه أحمد (1/ 416)، ومسلم (677) في الإمارة (147).
* * *
ــ
الاجتماع على قراءة القرآن ومدارسة العِلم، وعلى أنَّ المتفرغ للعبادة وطَلَب العلم لا يُخِل بحاله، ولا ينقصُ توكلَه اشتغالُه بالنظر في مطعمه، ومشربه، وحاجته (1)؛ كما يذهب إليه بعضُ جُهَّال المتزهدة.
وفيه دليل على أن أيدي الفقراء غير المتفرغين للعبادة فيما يكسبه بعضهم ينبغي أن تكون واحدة، ولا يستأثر بعضهم على الآخر بشيءٍ.
وقولهم: (إنا قد لقيناك)؛ أي: قد وصلنا إلى ما أنعمت به من الجنَّة، والكرامة، ومنزلة الشهادة؛ لأن لقاءَ الله ليس على ما تعارفنا من لقاء بعضنا لبعض.
وقولهم: (فرضينا عنك)؛ أي: بما أوصلتنا إليه من الكرامة والمنزلة الرفيعة. و (رضيت عنا)؛ أي: أحللتنا محل مَن ترضى عنه، فأكرِمَ غاية الإكرام، وأُحسِنَ إليه غاية الإحسان. وعلى هذا: فيكون رضا الله تعالى من صفات الأفعال. ويصح أن يعبّر بالرضا في حق الله تعالى عن إرادة الإكرام والإحسان؛ فيكون من صفات الذات.
وقول حرام عندما طُعن: (فُزتُ ورب الكعبة)؛ أي: بما أعدَّ الله للشُهداء.
(1) في (ع) و (ج): جماعة، والمثبت من (ج 2).