الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيلَ: مَن هُم يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ: مُؤمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا، ثُمَّ سَدَّدَ.
رواه أحمد (2/ 368)، ومسلم (1891)(130 و 131)، وأبو داود (2495).
* * *
(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير
[1359]
عَن أَبِي مَسعُودٍ الأَنصَارِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخطُومَةٍ، وقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَكَ بِهَا يَومَ القِيَامَةِ سَبعُمِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخطُومَةٌ.
رواه أحمد (4/ 121)، ومسلم (1892)، والنسائي (6/ 49).
ــ
أن بعضَ الكفار يجتمعُ ببعض المؤمنين في النار، فيقولون لهم: ما أغنى عنكم إيمانكم ولا عبادتكم؛ إذ أنتم معنا. فيضجُ المؤمنون إلى الله تعالى حتى يخرجوا، فإذا خرجوا، وتفقدهم الكافرون، فلم يروهم، قال بعضُهم لبعضِ:{مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِنَ الأَشرَارِ * أَتَّخَذنَاهُم سِخرِيًّا أَم زَاغَت عَنهُمُ الأَبصَارُ} وقيل في الآية غير هذا. والله تعالى أعلم.
(43)
ومن باب: فضل الجهاد في سبيل الله
قوله: (جاء رجل بناقةٍ مخطومةٍ)؛ أي: عليها خطامها؛ أي: زمامها (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة، كلها مخطومة)؛ هذه الحسنةُ
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
[1360]
وفي رواية: فَقَالَ: إِنِّي أُبدِعَ بِي فَاحمِلنِي. فَقَالَ: مَا عِندِي. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَن يَحمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن دَلَّ عَلَى خَيرٍ فَلَهُ مِثلُ أَجرِ فَاعِلِهِ.
رواه أحمد (5/ 273)، ومسلم (1893)، وأبو داود (5129)، والترمذي (2671).
ــ
مما ضوعف إلى سبعمائة ضعف، وهو أقصى الأعداد المحصورة؛ التي تضاعف الحسنات إليها. وهذا كما قال تعالى:{كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} وبقي بعد هذا المضاعفة من غير حصر، ولا حدّ، وهي مفهومة من قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ} (1)
وقوله: (إني أبدع بي)؛ أي: أهلكت راحلتي، وانقطع بي، وهو رباعي، مبني لما لم يسم فاعله. وقد وقع لبعض الرواة:(بُدِّعَ) على فُعِّل مشدد العين. وليس بمعروف في اللغة.
وقوله: (احملني)؛ أي: أعطني ما أتحمل عليه، أي: أحمل رحلي، وأرتحل عليه.
وقوله: (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله)؛ ظاهر هذا اللفظ: أن للدَّال من الأجر ما يساوي أجر الفاعل المنفق. وقد ورد مثل هذا في الشرع كثيرًا؛
(1) جاء في هامش (ج 2) ما يلي:
تتميم: (قوله سبعمئة ناقة) يحتمل أن يكون على ظاهره، فتكون له في الجنة يركبها. ويحتمل أن تكون إشارة إلى تضعيف الحسنات. وسُمِّي الثواب باسم الحسنة.
ويُقوِّي الأول قوله: مخطومة. وقوله: سبعمئة موافق لقوله صلى الله عليه وسلم في تضعيف الحسنات إلى سبعمئة ضعف. والأصل في ذلك قوله تبارك وتعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261].
[1361]
وعَن أَنَسِ: أَنَّ فَتًى مِن أَسلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ
ــ
كقوله: (من قال مثل ما يقول المؤذن كان له مثلُ أجره)(1)، وكقوله فيمن توضأ وخرجَ إلى الصلاة فوجد الناس قد صلَّوا:(أعطاه الله من الأجرِ مثل أجر من حضرها، وصلَاّها)(2). وهو ظاهرُ قوله تعالى: {وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ} وهذا المعنى يمكنُ أن يقال فيه (3)، ويصار إليه بدليل: أن الثوابَ على الأعمال إنما هو تفضل من الله تعالى، فيهبه لمن يشاء على أي شيءٍ صدر عنه، وبدليل: أنَّ النية هي أصلُ الأعمال، فإذا صحَّت في فعل طاعةٍ فعجز عنها لمانعٍ منع منها فلا بُعدَ في مساواة أجر ذلك العاجز لأجر القادر الفاعل، أو يزيد عليه، وقد دلَّ على هذا: قوله صلى الله عليه وسلم: (نية المؤمن خير من عمله)(4)، ولقوله:(إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًّا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر)(5). وأنص ما في هذا الباب حديث أبي كبشة الأنماري؛ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله تعالى مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربَّه، ويصل به (6) رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل. ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا، فهو يقولُ: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعَمَلِ (7) فلانٍ، فهو بنيته، فأجرهما سواء، ورجلٌ آتاه الله مالًا، ولم يؤته علمًا؛
(1) رواه أحمد (2/ 352)، والنسائي (2/ 24)، والحاكم (1/ 204)، وابن حبان (1667) بلفظ:"من قال مثل ما قال هذا يقينًا دخل الجنة".
(2)
رواه أبو داود (564)، والنسائي (2/ 111).
(3)
في (م) و (ج 2): به.
(4)
رواه الطبراني في الكبير (6/ 228)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 255).
(5)
رواه أحمد (3/ 103)، والبخاري (2839)، وأبو داود (2508)، وابن ماجه (2764).
(6)
في (م) و (ج 2): فيه.
(7)
في (م): فعلت فيه بفعل.
الغَزوَ، وَلَيسَ مَعِي مَا أَتَجَهَّزُ. قَالَ: ائتِ فُلَانًا، فَإِنَّهُ قَد كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: أَعطِنِي الَّذِي
ــ
فهو لا يتقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل. ورجل لم يؤته الله مالًا ولا علمًا؛ فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، ووزرهما سواء) (1).
وقد ذهب بعض الأئمة إلى أن المثل المذكور في هذه الأحاديث إنما هو بغير تضعيف. قال: لأنه يجتمع في تلك الأشياء أفعال أخر، وأعمال كثيرة من البر، لا يفعلها الدَّال الذي ليس عنده إلا مجرد النية الحسنة. وقد قال صلى الله عليه وسلم للقاعد:(أيُّكم خلف الخارج في أهله وماله بخير فله مثل نصف أجر الخارج)(2)، وقال:(لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما)(3).
قلت (4): ولا حجة في هذا الحديث لوجهين:
أحدهما: إنا نقول بموجبه، وذلك أنه لم يتناول محل النزاع، فإن المطلوب (5) إنما هو: أن الناوي للخير المعوق عنه، له مثل أجر الفاعل من غير تضعيف. وهذا الحديث إنما اقتضى مشاركة ومشاطرة في المضاعف، فانفصلا.
وثانيهما: أن القائم على مال الغازي، وعلى أهله نائبٌ عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوه إلا بأن يكفى ذلك العمل، فصار كأنه يُباشر معه الغزو،
(1) رواه أحمد (4/ 231).
(2)
رواه مسلم (138)، وأبو داود (2510)، وابن حبان (4629). وما بين حاصرتين مستدرك من مصادر التخريج.
(3)
رواه مسلم (1896).
(4)
بين هذا الباب والباب الذي بعده تحت عنوان: باب البعوث ونيابة الخارج، تداخل في الشرح.
(5)
في (ج 2): الدعوة.
تَجَهَّزتَ بِهِ، قَالَ: يَا فُلَانَةُ، أَعطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزتُ بِهِ، وَلَا تَحبِسِي عَنهُ شَيئًا، فَوَاللَّهِ لَا تَحبِسِن مِنهُ شَيئًا فَيُبَارَكَ الله لَكِ فِيهِ.
رواه مسلم (1894)، وأبو داود (2780).
[1362]
وعَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَن جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَد غَزَا، وَمَن خَلَفَهُ فِي أَهلِهِ بِخَيرٍ فَقَد غَزَا.
ــ
فليس مُقتصرًا على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولما كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملًا، وافرًا، مضاعفًا، بحيث إذا أضيف ونسب إلى أجر الغازي كان نصفًا له، وبهذا يجتمعُ معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(من خلف غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزا)، وبين معنى قوله في اللفظ الأول:(فله مثل نصف أجره)، والله تعالى أعلم.
وعلى هذا يحمل قوله: (والأجر بينهما) لا أن النائبَ يأخذ نصف أجر الغازي، ويبقى للغازي النصف، فإن الغازيَ لم يطرأ عليه ما يوجبُ تنقيصًا لثوابه، وإنَّما هذا كما قال:(من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجر الصائم، لا ينقصه من أجره شيء)(1). والله تعالى أعلم.
وعلى هذا فقد صارت كلمةُ (نصف) مقحمةً هنا بين (مثل) و (أجر) وكأنها زيادةٌ مِمَّن تسامَحَ في إيراد اللفظ، بدليل قوله:(والأجر بينهما)، ويشهد له ما ذكرناه، فَليُتنبَّه له، فإنه حَسَن. وأمَّا من تحقق عجزه، وصدقت نيتُه، فلا ينبغي أن يختلف في: أن أجره مضاعف كأجر العامل المباشر؛ لما تقدَّم، ولما خرَّجه النسائيُّ من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى فراشه، وهو ينوي أن يقومَ يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح؛ كان له ما نوى، وكان نومُه صدقة عليه)(2).
و(جهاز الغازي): ما يحتاج إليه في غزوه من العدّة والسلاح والنفقة وغير ذلك.
(1) رواه أحمد (4/ 114 - 115)، والترمذي (807)، وابن ماجه (1746).
(2)
رواه النسائي (3/ 258)، وابن ماجه (1344).