الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم
[1264]
عن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: غَزَا نَبِيٌّ مِن الأَنبِيَاءِ فَقَالَ لِقَومِهِ: لَا يَتبَعنِي رَجُلٌ قَد مَلَكَ بُضعَ امرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَن يَبنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبنِ، وَلَا آخَرُ قَد بَنَى بُنيَانًا، وَلَمَّا يَرفَع سُقُفَهَا، وَلَا آخَرُ قَد
ــ
(5)
ومن باب: تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم
قول النبي المذكور في هذا الحديث - صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع النبيين - (1): (لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولما يبن)؛ البُضع - بضم الباء -: كناية عن فرج المرأة، وقد يكنى به عن النكاح نفسه، كما قال صلى الله عليه وسلم:(وفي بضع أحدكم أهله صدقة)(2). والبَضع - بفتح الباء- مصدر بَضَعَ اللحم، يبضعه؛ إذا قطعه. والبِضع - بكسر الباء -: في العدد ما بين الثلاثة إلى التسعة. وقد تقدَّم تفسيره.
و(الخلفات): جمع خَلِفَة، وهي الناقة التي دنا ولادها.
وإنما نهى هذا النبي قومه عن اتباعه على هذه الأحوال؛ لأن أصحابها يكونون متعلقي النفوس بهذه الأسباب، فتضعف عزائمهم، وتفتر رغباتهم في الجهاد، والشهادة، وربما يُفرط ذلك التعلق بصاحبه فيفضي به إلى كراهية الجهاد، وأعمال الخير. وكأن مقصود هذا النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفرَّغوا من عُلق الدنيا (3) ومهمات أغراضها، إلى تمني الشهادة بنيَّات صادقة، وعزومٍ جازمة، صافية، ليحصلوا على الحظ الأوفر، والأجر الأكبر.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (هـ).
(2)
رواه أحمد (5/ 167 و 168)، ومسلم (1006)، وأبو داود (5243).
(3)
"علق الدنيا": ما يُتَمَسَّكُ به منها.
اشتَرَى غَنَمًا، أَو خَلِفَاتٍ، وَهُوَ مُنتَظِرٌ وِلَادَهَا. قَالَ: فَغَزَا، فَأَدنَى لِلقَريَةِ حِينَ صَلَاةِ العَصرِ، أَو قَرِيبًا مِن ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمسِ: أَنتِ مَأمُورَةٌ، وَأَنَا مَأمُورٌ،
ــ
وقوله: (فأدنى للقرية)؛ هكذا رواية جميع الرواة (أدنى) رباعيًّا.
قال القاضي أبو الفضل: فإما أن يكون تعدية (دنا)؛ أي: قرب، فمعناه: أدنى جيوشه وجموعه إليها، أو يكون (أدنى) بمعنى: حان؛ أي: قرب، وحضر فتحها، من قولهم: أدنت الناقة؛ أي: إذا حان نتاجها، ولم يقل في غير الناقة.
قلت: والذي يظهر لي: أن ذلك من باب: أنجد، وأغار، وأشهر، وأظهر؛ أي (1): دخل في هذه الأزمنة والأمكنة، فيكون معنى (أدنى) أي: دخل في هذا الموضع الداني منها. والله تعالى أعلم.
وقوله للشمس: (أنت مأمورة)؛ أي: مسخرة بأمر الله تعالى، وهو كذلك أيضًا، وجميع الموجودات، غير أن أمر الجمادات أمر تسخير وتكوين، وأمر العقلاء أمر تكليف وتكوين. وحبس الشمس على هذا النبي من أعظم معجزاته، وأخص كراماته. وقد اشتهر: أن الذي حبست عليه الشمس (2) من الأنبياء هو: يوشع بن نون. وقد روي أن مثل هذه الآية كانت لنبينا صلى الله عليه وسلم في موطنين:
أحدهما: في حفر الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر، حتى غابت، فردها الله تعالى عليه حتى صلَّى العصر. ذكر ذلك الطحاوي، وقال: إن رواته كلهم ثقات (3).
والثانية: صبيحة الإسراء، حين انتظروا العير التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوصولها
(1) في (ط): إذا.
(2)
ساقط من (ع).
(3)
ذكره القاضي عِياض في الشفا (1/ 548) وعزاه للطحاوي في "مشكل الآثار" من حديث أسماء بنت عميس.
اللَّهُمَّ احبِسهَا عَلَيَّ شَيئًا، فَحُبِسَت عَلَيهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِ. قَالَ: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقبَلَت النَّارُ لِتَأكُلَهُ، فَأَبَت أَن تَطعَمَهُ، فَقَالَ: فِيكُم غُلُولٌ، وَليُبَايِعنِي مِن كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَت يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُم الغُلُولُ، فَلتُبَايِعنِي قَبِيلَتُكَ، فَبَايَعَتهُ، قَالَ: فَلَصِقَ بِيَدِ رَجُلَينِ أَو ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ: فِيكُم الغُلُولُ، أَنتُم غَلَلتُم، قَالَ: فَأَخرَجُوا لَهُ مِثلَ رَأسِ البَقَرَةٍ مِن ذَهَبٍ، قَالَ: فَوَضَعُوهُ فِي المَالِ وَهُوَ في الصَّعِيدِ، فَأَقبَلَت النَّارُ فَأَكَلَتهُ، فَلَم تَحِلَّ الغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِن قَبلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ رَأَى ضَعفَنَا وَعَجزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا.
رواه أحمد (2/ 318)، والبخاري (5157)، ومسلم (1747).
* * *
ــ
مع شروق الشمس. ذكره يونس بن بكير في زيادته في سير ابن إسحاق (1).
وقوله: (فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النَّار لتأكله، فأبت أن تطعمه)؛ كانت سنة الله تعالى في طوائف من بني إسرائيل أن يسوق لهم نارًا، فتأكل ما خلص من قربانهم، وغنائمهم، فكان ذلك الأكل علامة قبول ذلك المأكول. حكاه السُّدي وغيره، وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَينَا أَلا نُؤمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأتِيَنَا بِقُربَانٍ تَأكُلُهُ النَّارُ} ويدل على هذا أيضًا: ظاهر الحديث، وقد كان فيهم على ما حكاه ابن إسحاق نار تحكم بينهم عند تنازعهم، فتأكل الظالم، ولا تضر المظلوم. وقد رفع الله تعالى
(1) ذكره ابن سيد الناس في (عيون الأثر 1/ 244)، والقاضي عياض في الشفا (1/ 549).
وانظر: السيرة النبوية لابن هشام (1/ 403) من رواية البكائي، دون ذكر حبس الشمس.